2025/02/18

هل ينهي ترامب مرحلة توسّع "الناتو"؟

في فترة أقلّ من شهر، قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمجموعة من الخطوات السياسية والأوامر التنفيذية التي أثارت القلق لدى حلفائه وأعدائه، وقد يكون قلق الحلفاء أشدّ وطأة وعمقاً من ريبة الأعداء.

 

وبسبب التخوّف من سياسة ترامب المقبلة بخصوص أوروبا، يعقد في باريس اجتماع أوروبي بحضور الأمين العامّ لحلف شمال الأطلسي مارك روته، لمناقشة مستقبل السياسة الخارجية للقارة والتعامل مع التحدّيات المستجدّة، وأهمّها الحرب الأوكرانية ومستقبل حلف "الناتو" الذي يبدو على المحكّ.

 

تاريخياً

تأسس حلف شمال الأطلسي "الناتو" من 12 دولة بهدف الدفاع المشترك، وذلك في بداية الحرب الباردة، وكان الهدف منه احتواء الشيوعية ومنع تمدّدها ومواجهة الاتحاد السوفياتي.

 

فيما بعد، انضمّت اليونان وتركيا إلى الحلف عام 1952، وألمانيا الغربية عام 1955. في المقابل، أسّس حلف الاتحاد السوفياتي حلف وارسو، الذي تفكّك مع تفكّك الاتحاد في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

 

خلال نهاية الحرب الباردة، وأثناء المفاوضات بشأن إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، قدّم الأميركيون والدول الغربية ضمانات للزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف بعدم تمدّد "الناتو" إلى الشرق وإلى حدود روسيا.

 

لكنّ الضمانات تلك لم تكن مدرجة باتفاقية رسمية موقّعة من الأميركيين، بل كانت ضمانات غير مكتوبة. وبالرغم من أنها مدرجة في العديد من الوثائق الرسمية، يعمد الغربيون الى إنكار وجود مثل تلك الضمانات.

 

مع تدخّل حلف "الناتو" في كوسوفو عام 1999، خارج إطار الشرعية الدولية ومن دون قرار من مجلس الأمن، وجد الأميركيون أنّ الحلف يمكن أن يؤدّي غايات عسكرية تدخّليّة لصالحهم في العالم، ويمنع عودة الهيمنة الروسية في أوروبا الشرقية، فاتخذوا قراراً بتوسيع الحلف لضمّ بلدان حلف وارسو السابقة ودول البلطيق.

 

بدأ توسّع الحلف عام 1999، ثمّ مع اعتماد إدارة جورج بوش الابن سياسة "احتواء الصعود الروسي" تزامن توسّع الحلف مع مجموعة من الثورات الملوّنة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى (2003-2005).

 

أعلن الروس صراحة أنّ انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف هو خط أحمر روسي، وسيتسبّب بحرب. وبالفعل، تسبّبت رغبة الرئيس الجورجي ساكاشفيلي بضمّ الأقاليم التي تتمتّع بحكم ذاتي بدخول عسكري للقوات الروسية إلى جورجيا وإعلان استقلال كلّ من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وهزيمة الجيش الجورجي عام 2008.

 

تأثير الحرب الأوكرانية

منذ عام 2014، وبعد الثورة الأوكرانية الثانية، والتي يطلق عليها الروس "الانقلاب"، يتمّ الحديث عن دخول أوكرانيا في حلف "الناتو" من دون التوصّل فعلياً لهذا الأمر.

 

وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021، وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا ميثاق شراكة استراتيجية تدعم حقّ أوكرانيا في دخول حلف "الناتو"، وهو ما اعتبرته روسيا خطاً أحمر، فهدّدت بالتصعيد، ودعت الأميركيين والأوروبيين إلى التفاوض لإعلان حياد أوكرانيا.

 

رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذا الأمر، وتسبّب الرفض الغربي بالحديث عن إمكانية حياد أوكرانيا إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في شباط/فبراير من عام 2022.

 

وكان تأسيس "مجلس حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا" لتعميق التعاون والالتزام بعضوية أوكرانيا المستقبلية، عاملاً إضافياً في تصوّر التهديدات الروسية الذي سعّر الحرب الأوكرانية وجعلها مسألة أمن قومي روسي لا يمكن التفريط به.

 

انخرط حلف "الناتو" بفعّالية في الحرب الأوكرانية، بتقديم المساعدات العسكرية المختلفة لأوكرانيا، بالإضافة إلى المساهمة في التدريب والتجسس وحرب المعلومات، وتقديم أسلحة متقدّمة مثل الدبابات وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات من دون طيار والمدفعية، وإطلاق الصواريخ إلى الداخل الروسي.

 

من ناحية أخرى، استغلّ الحلف نشوب الحرب الأوكرانية ليتوسّع ضمن أوروبا وعلى الحدود الروسية فيضمّ كلّاً من فنلندا والسويد، وينشر قوات إضافية في الدول الأعضاء المتاخمة لروسيا وأوكرانيا، كبولندا ورومانيا ودول البلطيق.

 

في حملته الرئاسية كرّر دونالد ترامب بأنه يسعى لحلّ الأزمة الأوكرانية في أوّل يوم من تنصيبه، واتهم الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بأنه تاجر جيّد، يحصل على الأموال التي يريدها كلما أتى إلى واشنطن. وبالفعل، حصل اتصال مؤخّراً بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين واتفقا على إنهاء الحرب والتوصّل إلى سلام.

 

مؤخّراً، أعلن وزير الدفاع الأميركي خلال زيارته إلى أوروبا، أنّ القرار الأميركي قد اتخذ: لا دخول لأوكرانيا في حلف "الناتو"، ولا عودة للأراضي الأوكرانية إلى حدود ما قبل 2014، ولا قوات أميركية كجزء من قوة حفظ السلام في أوكرانيا.

 

عملياً، بعد قيام الكونغرس الأميركي في كانون الأول/ديسمبر من عام 2023، بإقرار قانون يمنع أيّ رئيس أميركي من الخروج من حلف شمال الأطلسي من دون موافقة مجلس الشيوخ أو بإصدار قانون من الكونغرس، تتعطّل قدرة الرئيس الأميركي ترامب على الانسحاب من حلف "الناتو" بسهولة كما كان يهدّد خلال فترته الأولى، لذا فهو يعمد إلى إضعاف الحلف من خلال ما يلي:

 

 - الضغط على الدول الأعضاء لزيادة موازناتها لغاية 5% من الناتج القومي، وهو أمر متعذّر بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها منذ جائحة كورونا، والحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة والتضخّم والركود.

 

- أعلن ترامب خفض الدعم لأوكرانيا على أن تقوم أوروبا بتوفير الحصة الساحقة من المساعدات العسكرية وغير العسكرية المستقبلية لأوكرانيا. وهنا يبرز موضوع إعادة الإعمار، والجهة التي ستقوم بذلك، إذ إنّ الروس سيطالبون بالإفراج عن الأموال الروسية المجمّدة والتي كان الأوروبيون يستخدمونها لمساعدة أوكرانيا.

 

- قطع الطريق على انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، وهو موضوع كانت قد تصلّبت فيه إدارة بايدن التي أعلنت أنّ حقّ أوكرانيا في الانضمام إلى الحلف لا مساومة عليه.

 

وعليه، بنتيجة المحادثات التي تجري لإنهاء الحرب الأوكرانية، لن يقبل الروس بتكرار خطأ غورباتشوف حيث يثقون بتعهّدات شفهية من الأميركيين، بل سيطالبون بتعهّدات خطية بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها للحلف في المستقبل، وعدم توسّع "الناتو" إلى حدودهم، وهو ما يبدو ترامب مرناً في قبوله.

  

2025/02/17

السعودية... الصعود في نظام عالمي في طور التشكّل

ليلى نقولا
يجري الأميركيون والروس محادثات في المملكة العربية السعودية، حيث ذكرت وسائل اعلام أميركية أن اللقاءات سيحضرها المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي يقوم حاليًا بزيارة إلى المنطقة.
وعلى الجانب الروسي، ستشمل اللقاءات شخصيات سياسية واستخباراتية واقتصادية رفيعة المستوى، بما في ذلك كيريل دميترييف المسؤول الروسي الذي سيركز على استعادة العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي لعب دورًا رئيسيًا في صفقة إطلاق سراح السجناء الأميركيين في وقت سابق.
وكان مبعوث إدارة ترامب لروسيا وأوكرانيا، كيث كيلوغ أكد استبعاد كل من الأوكران والأوروبيين في هذه المرحلة الابتدائية من التفاوض، ما اثار حنق كل من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي والقادة الأوروبيين الذي عبّروا عن غضبهم ورفضهم للتهميش.
الاستياء من تهميش ترامب، دفع الأوروبيين الى عقد قمة طارئة في باريس، سينضم لها رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر. وقد دعا الفرنسيون لاجتماع غير رسمي لمناقشة الأمن الأوروبي وقضية أوكرانيا، وسيضم الاجتماع بعض المسؤولين الأوروبيين، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته.
وفي هذا الإطار، تأتي مركزية اختيار السعودية كمكان لعقد الاجتماع، بالنظر لأهمية وتاريخية تلك المباحثات، ما يؤشر الى دور سعودي جديد على الساحة العالمية، وتزايد مكانتها كلاعب دولي في الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
منذ عام 2021، قامت المملكة بتصفير مشكلاتها السابقة في الإقليم، ومع بدء الحرب الأوكرانية عام 2022 اختارت المملكة الحياد في حرب سعى خلال الغرب الى تقسيم العالم: من معنا ومن مع الروس.
وهكذا بدأت السعودية بتطبيق استراتيجية جديدة، تنظر الى دور المملكة كأكبر من قائد إقليمي، وتسعى لدور "الدولة المتوسطة" في نظام عالمي يتشكل بتوازنات جديدة بدءاً بالحرب الأوكرانية التي كانت مؤشراً الى حتمية فرز استقطابات عالمية جديدة مختلفة عن الاستقطابات السابقة.
هذا الدور والطموح هو ما دفع السعوديين الى الحياد في الحرب الأوكرانية ورفض الانضمام الى العقوبات على روسيا بالرغم من ضغوط إدارة بايدن. كذلك فشلت جهود بايدن لمنع روسيا من بيع الطاقة أو دفع السعودية الى زيادة الانتاج بهدف تخفيض أسعار الطاقة بعد الحرب، حيث ردّ السعوديون بأنهم ملتزمون بأوبك بلس.
وهكذا، استخدم السعوديون سياسة "الحياد الإيجابي" بين روسيا والولايات المتحدة، واستضافوا الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي، وعقدوا اجتماعات لحلّ الأزمة الأوكرانية.
وبما أن دور "القوة المتوسطة" يهدف الى البروز كمكان للتلاقي والحوار العالمي، كان لا بد من الابتعاد عن سياسة التمحور وهو ما برز في التفاهمات الإيرانية السعودية في الصين عام 2023، والتي سمحت للسعودية بدور فعّال في استقبال القمم الإسلامية خلال حرب غزة، بالإضافة الى تشكيل "تحالف دولي لحلّ الدولتين"، واشتراط قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو المسار الذي ستعتمده السعودية كجزء من قيادتها الإقليمية لملف فلسطين، بالإضافة الى ملفات سوريا ولبنان والتي دخلت اليها بقوة بعد انكفاء طويل الأمد. 

2025/02/16

السعودية في استراتيجية “الدولة المتوسطة في النظام العالمي”

السعودية ستكون مكان اللقاء التاريخي المرتقب بين ترامب وبوتين لحلّ الأزمة الأوكرانية.

في كتابي الاخير باللغة الانكليزية منشور مع دار Routledge، وفي مقالات عدة لاحقة باللغة العربية: تحدثت عن استراتيجية السعودية للتحول الى “أكبر من قوة قائدة اقليمياً، بل لتكون دولة متوسطة في النظام العالمي”>

بالفعل، يوماً بعد يوم، تتجه السعودية لتطبيق تلك الاستراتيجية.

ما هي استراتيجية السعودية للتحوّل الى مركز “الدولة المتوسطة” في النظام العالمي كما أشرحها في الكتاب:

في العلاقات الدولية، نميز بين “القوى العظمى الإقليمية” و”القوى المتوسطة”. تركز الأولى جهودها على مناطق محدودة ولديها الموارد والإمكانات للارتقاء إلى مرتبة القوى المتوسطة في النظام العالمي. ومع ذلك، فإن “القوة المتوسطة” هي دولة أقل قوة من القوة العظمى أو القوة العظمى ولكنها يمكن أن يكون لها رأي وتؤثر في الشؤون العالمية.
بشكل عام، يتم تحديد “القوى المتوسطة” من خلال تركيزها على الدبلوماسية، والميل إلى تشكيل التحالفات، والسياسة الخارجية المتعددة الأطراف. تنبع قدرتها على إحداث التغيير بشكل فعال من مهاراتها الدبلوماسية وموثوقيتها وقدرتها على تقديم صورة مقبولة.
منذ عام 2023، أعادت المملكة العربية السعودية تعريف مكانتها في العالم من خلال التأكيد على جهود الوساطة والدبلوماسية عالية المخاطر، بهدف الحصول على مكانة “القوة المتوسطة”. جنبًا إلى جنب مع تسوية المشاكل مع جيرانها، تحاول المملكة العربية السعودية أن تصنف نفسها كلاعب مهم في الدبلوماسية الإقليمية والدولية.

 

2025/02/12

تعريفات ترامب الجمركية: أهداف أبعد من التجارة

يستمرّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في استخدام صلاحياته في إصدار أوامر تنفيذية، للضغط، عبر ما يمتلك من أدوات قوة، للحصول على مصالح الولايات المتحدة الأميركية بالقوة.

 ومؤخراً، أعلن ترامب أنه سيبدأ تطبيق الرسوم الجمركية، بنسبة 25%، على كل واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة الأميركية من جميع الدول "من دون استثناءات"، على أن تبدأ مفاعيل هذا الأمر ابتداءً من الـ12 من آذار/مارس المقبل، مؤكداً "أن واردات الصلب من هذه الدول تهدد بالإضرار بالأمن القومي الأميركي".

 

واستهدف ترامب، في أمر تنفيذي منفصل، "كل واردات الألمنيوم والمنتوجات المشتقة من الألمنيوم من الأرجنتين وأستراليا وكندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة"، لكنه استدرك وقال إنه يدرس إعفاء أستراليا من الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب، بسبب الفائض التجاري للولايات المتحدة معها.

 

وفي هذا الإطار، تذكر سفارة الولايات المتحدة في أستراليا، عبر موقعها الإلكتروني، أن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأستراليا تعززت بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما  (AUSFTA)، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005، بحيث نمت التجارة الثنائية بنسبة 138%. 

 

وتفيد التقارير الاقتصادية أن الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا هو بالفعل لمصلحة الأوروبيين، بسبب الطلب المرتفع على الواردات الأوروبية في الولايات المتحدة، في مقابل الطلب الضعيف على البضائع الأميركية في أوروبا.

 

لا شكّ في أن ترامب يريد، من خلال فرض الرسوم الجمركية، أن يحصل على تنازلات اقتصادية وسياسية، متهماً الدول "الصديقة والحليفة" بأنها تستغل الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات وسنوات.

 

وكان فعل الشيء نفسه خلال ولايته الأولى، حين فرض رسوماً جمركية على الصلب والألمنيوم، بهدف حماية الصناعة الأميركية.

 

إن ردّ الأوروبيين بالمثل على ترامب، عبر فرض تعرفات جمركية مقابلة، سوف يؤدي إلى تداعيات، لعل أبرزها ما يلي:

 

1استفادة الصين

إن فرض تعرفات جمركية على البضائع الأميركية الواردة إلى أوروبا، يعني أن السوق الأوروبية سوف تغرق في المنتوجات الصينية، التي ستصبح أرخص وأكثر طلباً، في مقابل البضائع الأميركية التي سيرتفع سعرها بسبب التعرفات. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فان ديرلاين، هددت بالفعل بالتوجه نحو الصين، قائلة إن "الوقت حان لإعادة التوازن إلى علاقاتنا بالصين، بروح من الإنصاف والمعاملة بالمثل".

 

هذا التغلغل الصيني سوف يضرب في الصميم المقاربة الجديدة لحلف الناتو، والتي أعلنها، خلال مؤتمرات الناتو السنوية، خلال عهد جو بايدن، بحيث وضع الحلف، في وثيقته الاستراتيجية للأعوام العشرة المقبلة، "المخاطر الصينية" ضمن مهماته، كما تمّ التركيز، في قمم الناتو السنوية، على "التحدي الذي تشكّله الصين" لأعضاء الحلف، ومنهم أوروبا، التي وجدت نفسها مضطرة إلى السير وراء الأميركيين الذين يخشون المنافسة الصينية العالمية.

 

2الانقسام داخل أوروبا

يعاني الاقتصاد الألماني عدّة صعوبات فرضتها الحرب الأوكرانية والعقوبات على روسيا، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وإغلاق عدد من المعامل وإفلاس بعض الشركات الألمانية. وبناءً عليه، سوف تؤدي حرب التعرفات الجديدة إلى ارتفاع أسعار السيارات الأوروبية في الولايات المتحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الطلب عليها. وهذا سوف يفرض تحديات جديدة على مصانع السيارات الألمانية التي تعاني بشدّة منذ بدء الحرب الأوكرانية.

 

لكن، في الوقت الذي تتشدد دول، مثل فرنسا وألمانيا اللتين تعانيان مصاعب اقتصادية، ولا تريدان لأوروبا أن تخضع لدونالد ترامب، وتهددان بعواقب ومعاملة بالمثل، تجد دول أوروبية أخرى نفسها معنية بمفاوضات جانبية مع الرئيس الأميركي، ومنها على سبيل المثال بولندا والمجر وإيطاليا.

 

3ارتفاع اليمين الشعبوي

منذ فوز ترامب، يشنّ إيلون ماسك حملة لدعم الأحزاب اليمينية في أوروبا. وتتذرع الشركات الأميركية (ميتا وغيرها) بحرية الرأي والتعبير لمواجهة "التنظيم الرقمي الأوروبي"، ورفض الإجراءات التي اتخذتها أوروبا لفرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل منع ما تسميه "التدخل في الانتخابات وتوجيهها من طرف المنصات التابعة لأصحاب المليارات الأميركيين".

 

بناءً عليه، سوف تؤدي الحملة الرقمية، بالإضافة إلى سياسات ترامب ضد أوروبا، وأهمها الحرب التجارية وحرب التعرفات والضغوطات لزيادة موازنة الدفاع والمساهمات في حلف الناتو، إلى تعميق الأزمات الاقتصادية الأوروبية. وبالتالي، سوف تزيد في حظوظ اليمين الشعبوي في الانتخابات المقبلة.

  

2025/02/06

إغلاق USAID: ترامب يحارب الدولة العميقة

في الثاني من شباط/ فبراير، كتب إيلون ماسك، في منصة "أكس"، تغريدة مثيرة شاهدها عشرات الملايين، يقول فيها إن "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، USAID، منظمة إجرامية"، الأمر الذي أثار كثيراً من التعليقات، المؤيدة أو المعترضة.

 

وفي تغريدات أخرى، اتهم ماسك الوكالة بأنها "عش أفعى للماركسيين اليساريين المتطرفين، والذين يكرهون أميركا"، وأنها تقوم بـ"أعمال مخادعة لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية"، واتهمها بـ"تمويل أبحاث الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك كوفيد-19، التي قتلت الملايين من الناس".

 

يتم تسليط الضوء حالياً على تلك الوكالة، بعد أن أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراراً بإغلاقها كوكالة مستقلة، ووصفها بأنها منظمة "تديرها مجموعة من المجانين المتطرفين"، وأعلن عدد من المسؤولين في الإدارة أنه سيتم نقلها إلى إشراف وزارة الخارجية الأميركية، بهدف "القضاء على البيروقراطية الفيدرالية، وتخفيف الأعباء".

 

لكن ماسك أعلن لاحقاً أن الإدارة تعمل على إغلاق الوكالة نهائياً، وتسريح كل من يعملون فيها، سواء كانوا موظفين أو متعاقدين.

 

ما مهمة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟

أنشأ الرئيس جون كينيدي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في عام 1961، كوكالة مستقلة خلال فترة الحرب الباردة، لإدارة برامج المساعدات الدولية للدول النامية، بهدف التغلغل الإيجابي في المجتمعات، كجزء لا يتجزأ من استراتيجية "احتواء الاتحاد السوفياتي".

 

وبقيت الوكالة الأداة الأساسية لمساعدة المجتمعات، إلى أن أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجية "القوة الذكية"، التي تعتمد على الدفاع والدبلوماسية والتنمية. وحينها، تمت ترقية الوكالة إلى جزء أساسي من تعزيز الأمن القومي الأميركي.

 

تتّهم الدول النامية، وخصوصاً التي تتلقى مجتمعاتها مساعدات من الوكالة الأميركية، البرامجَ، التي يتم تسويقها على أنها دعم للتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بأنها في الحقيقة برامج ومساعدات تهدف إلى تعزيز الجماعات المعارضة والمنظمات غير الحكومية، وتدريبها من أجل زعزعة الاستقرار، أو إطاحة الأنظمة.

 

ويقول عدد من الخبراء، ومن مسؤولي تلك الحكومات، إنه، في أفضل الأحوال، ربما يصل 10% من الأموال إلى مشاريع حقيقية تساعد المحتاجين والمجتمعات المهمشة في البلدان المتلقية، لكن الباقي يُستخدم فيما يسمونه "الأعمال القذرة"، التي تقوم بها الولايات المتحدة لزعزعة استقرار الدول الأخرى والتدخل في شؤونها.

 

هذا فيما خص دول العالم النامية، لكن داخل الولايات المتحدة، وفي إدارة ترامب، قد يكون السبب الحقيقي في إغلاق الوكالة بعيداً جداً عما تمّ إعلانه من جانب المسؤولين في إدارة ترامب، والذين أعادوه إلى الرغبة في التقشف. فموازنة الوكالة، تقدَّر بأربعين مليار دولار، وتشكّل أقل من 1٪ من الميزانية الفيدرالية، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".

 

واقعياً، تبدو أولويات ترامب هي التخلص من أدوات "الدولة العميقة"، التي واجهته وعطّلت قدرته على الحكم في ولايته الأولى، ومحاربة أجنحة "الدولة العميقة" التي تعمل ضده، وأهمها الأجهزة الفيدرالية، ومنها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

 

يتّهم إيلون ماسك وعدد من المؤثرين في وسائل التواصل الوكالة بتمويل أبحاث الأسلحة البيولوجية في الصين وأوكرانيا، وفي عدّة أماكن في العالم.

 

ويرى ترامب، ومعه أغلبية الجمهوريين، أن جائحة "كوفيد 19" كانت مؤامرة ضده من جانب الديمقراطيين، ساهم فيها عدد من الأطراف، ومنهم منظمة الصحة العالمية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وأن الهدف كان تقويض الاقتصاد خلال عام الانتخابات، والسماح للديمقراطيين بتزوير الانتخابات عبر تصويت البريد الإلكتروني، وإعلان فوز جو بايدن.

 

في كل الاحوال، بغضَ النظر عن الأهداف الحقيقية لإدارة ترامب لإلغاء الوكالة وتسريح العاملين فيها والمتعاقدين معها في كل أنحاء العالم، فإن استراتيجية "أميركا أولاً"، التي ينطلق منها ترامب، سوف تُعيد تشكيل نظرة العالم إلى الهيمنة الأميركية، عبر القوة الناعمة، التي كانت الوكالة إحدى أدواتها.

 

وفي هذا الإطار، وانطلاقاً من يقين الدول الغربية أن المواجهة العالمية القادمة تتجلى في التنافس على التنمية، كان الهدف الأول للدول الصناعية في اجتماعها الأول، بعد وصول جو بايدن إلى الحكم، هو تكريس مئات المليارات من الدولارات لمشاريع التنمية، من أجل منافسة طريق الحرير الصيني، الذي بات يتوسع إلى كل أنحاء العالم.

 

إن حلّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يهدّد بتنازل أميركي عن القوة الناعمة لمصلحة الصين، التي تعتمد التنمية أساساً لتوسعها العالمي وتكريس نفوذها في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا، وهو ما حذّر منه أعضاء في الكونغرس، ومنهم السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، الذي حذّر من أن التخلي عن القوة الناعمة "خطأ" في مواجهة صعود الصين.