في الاجتماع الأخير لحلف شمال
الأطلسي حضّ الأمين العامّ للحلف مارك روته أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما
يكفي من أسلحة لـ"تغيير مسار" الحرب. وقال إن على الحلف وأعضائه
"تقديم دعم كافٍ لأوكرانيا لتغيير مسار هذه الحرب بشكل نهائي". وأوضح
"هذا يعني أننا نريد أن نضع أوكرانيا في موقع قوة، حتى تتمكّن الحكومة
الأوكرانية يوماً ما من الشروع في مفاوضات مع الروس".
لا شكّ، أنّ اندفاعة أعضاء
الناتو لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا مع رفض الاستجابة لطلبها للانضمام إلى حلف
شمال الأطلسي، تعكس الهواجس لدى هؤلاء من توجّه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد
ترامب الى إنهاء الدعم لأوكرانيا وإنهاء الحرب الدائرة هناك كما وعد خلال حملته
الانتخابية.
وبالرغم من أن ترامب لم يكشف
صراحة وبوضوح عن تصوّراته للحلّ، إلا أنّ تصريحات مساعديه تشي بأن هناك خطة تقضي
بإقرار أوكرانيا بالتنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وتعهّد غربيّ بعدم
إدخال أوكرانيا إلى حلف الناتو مقابل إنهاء الحرب، وهو ما يقلق كلاً من
الأوكرانيين ودول الناتو على حدٍ سواء.
وفي تحليل أجرته رويترز
لتصريحات مستشاري ترامب اعتبرت أنهم سيسعون لحمل موسكو وكييف على التفاوض باستخدام
أسلوب العصا والجزرة، بما في ذلك التلويح بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا ما لم
توافق على الاشتراك في المحادثات، أو تعزيز المساعدات المقدّمة إلى الأوكرانيين
إذا رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التفاوض.
لكن من الصعب تأكيد قدرة آلية
ترامب تلك في النجاح في دفع الروس للجلوس إلى طاولة المفاوضات بسهولة ووقف الحرب،
للأسباب الآتية:
أولاً: إن التهديد بزيادة
المساعدات إلى كييف لن يثني الروس عن وضع شروطهم ولن يدفعهم إلى وقف العملية
العسكرية خلال فترة التفاوض. ستبقى الحرب دائرة حتى لو جلست الأطراف إلى طاولة
المفاوضات وهو أمر أكيد بالنسبة للروس، لعلمهم أنّ الأمر قد يكون خديعة غربية لوقف
الحرب ثم معاودتها بعد أن يكون الجيش الأوكراني قد استراح واستعدّ للمعركة من جديد.
بالنسبة للروس من الصعب جداً
أن يثقوا بأيّ تعهّدات أميركية أو غربية، خاصة بعد تجربتهم في اتفاقيات مينسك،
والتي اعترفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند
أنها كانت نوعاً من الخداع مارسوه لكسب الوقت لتجهيز الأوكرانيين للقتال.
- الأمر الثاني الذي قد يدفع بوتين إلى المماطلة هو أن الروس لن يقبلوا إلا
بما يسمّونه "تحرير الأقاليم الأربعة" التي يقطنها مواطنون من القوميات
الروسية، والتي كانوا قد اعترفوا باستقلالها وتمّ ضمّها إلى الاتحاد الروسي، قبل
الانتهاء من "تحرير" تلك الأقاليم أو من دون أن تعترف أوكرانيا
باستقلالهم لن يكون هناك أمل في تقدّم المفاوضات وسيسعى الروس للمماطلة في الجلوس
إلى طاولة المفاوضات.
علماً أن الروس يسيطرون
حالياً على نحو 80% من منطقة دونباس التي تضمّ دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى
أكثر من 70% من زاباروجيا وخيرسون وأجزاء من منطقتي ميكولايف وخاركيف.
- الأمر الثالث هو أن الروس لا يبدون مستعجلين لوقف الحرب
قبل تحقيق كامل الأهداف، فالخسائر العسكرية التي تتكبّدها كييف (القضاء على جيل
بكامله في الحرب)، كذلك الخسائر الاقتصادية والضغوط التي تشكّلها الحرب الأوكرانية
على السلطات السياسية والمجتمعات داخل الاتحاد الأوروبي تفيد الروس على المديّين
المتوسط والبعيد.
وبالعودة إلى تعهّدات حلف
الناتو بزيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والتي من الصعب أن تخلق فارقاً كبيراً
في الحرب الدائرة في أوكرانيا، يبدو أنها قد تهدف إلى أمرين:
1- رغبة إدارة
بايدن بإعطاء كييف القدرة على الصمود هذا الشتاء، لكي لا تنهار قبل وصول ترامب إلى
البيت الأبيض، وذلك لتحميله مسؤولية انهيارها (تمهيداً لإدعاء الديمقراطيين أن
كييف انهارت بسبب سياسات ترامب وعدم مساعدته لها). وهذا ما حصل في أفغانستان حيث
تفاوضت إدارة ترامب مع طالبان لكن تمّ تأجيل الانسحاب، فتمّ على عهد بايدن الذي
تحمّل مسؤولية الفوضى التي نتجت عن الانسحاب غير المنظّم.
2- رغبة الأوروبيين وباقي أعضاء حلف الناتو بإعطاء كييف بعض
الدعم لكي لا تهزم عسكرياً قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات، ما يعطي الروس أرجحية
واضحة لفرض الشروط والمطالب والتنازلات على كييف التي ستضطر للخضوع، وهذا يعني أن
المساعدات العسكرية من حلف الناتو هي لإطالة أمد الحرب بعد أن أيقنوا عدم قدرة
كييف على الانتصار فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق