2024/12/16

سوريا: هل يستمر ربح اردوغان "التام"؟

 

توجس العديد من السوريين، ومعهم بعض الدول العربية مما قاله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اجتماع أمام أعضاء حزب العدالة التنمية في أنقرة "إن أولئك الذين يتساءلون عن دور تركيا في سوريا هم يجهلون التاريخ. فلو اختلفت الظروف حين تم ترسيم الحدود في منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى، فإن المدن التي نسميها حلب وإدلب وحماة ودمشق والرقة كانت ستكون محافظات تابعة لنا تماماً مثل غازينتاب وهاتاي وأرفا. وبما أن تلك المدن أصبحت خارج حدودنا، فإننا لم نقطع تماماً علاقاتنا مع أهلنا هناك."

 

هذه التصريحات، تذكر الى حدٍ بعيد، بتصريحات ممثالة في بداية الربيع العربي، خاصة في مؤتمر الأخوان المسلمين العالمي عام 2012، من قبل أعضاء من حزب العدالة والتنمية وأهمهم أحمد داوو أغلو الذي كان وزيراً للخارجية التركية حينها، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء ثم ينفصل عن الحزب فيما بعد.

 

قد تكون التجربة المصرية في حكم مرسي، مؤشراً الى أنه لا يجب التسرع في الاحتفال بالحصول"على كل شيء" لان التطورات الاقليمية والدولية وحسابات الدول الفاعلة وقدراتها قد تقلب الأمور، وعلينا ان نورد بعض الملاحظات حول قدرة الاطراف الخارجية الفاعلة في المشهد السوري بالاضافة الى التركي الذي يبدو – لغاية الآن- بالاضافة الى اسرائيل، هو الرابح الأكبر.

 

1-  اسرائيل 

يبدو الاسرائيلي رابحاً أكبر حالياً في سوريا، بعد سيطرته على المنطقة العازلة، ووصوله الى قمم جبل الشيخ وتدمير كل مقومات الدفاع على الدولة السورية، ما يجعلها في المستقبل القريب والمتوسط دولة منزوعة السلاح، خاصة في ظل الازمة الاقتصادية التي تجعل من الصعب الانفاق على إعادة التسلح.

 

إن رغبة اسرائيل بتقسيم سوريا قد تضيف الى القلق التركي من مستقبل التقسيم في المنطقة ككل.

 

2- الولايات المتحدة

يرسم الاميركيون حالياً شرق أوسط جديد، لن يسمح فيه لأحد بأن يكون قوة اقليمية قادرة على تقويض الستاتيكو الاميركي الجديد، والتركي ليس استثناء.

دعم الاميركيون معارضات مسلحة متنوعة في سوريا، بالاضافة الى دعم قسد التي ساهمت في القضاء على داعش، ولن يسمحوا للتركي بالاستفراد بحكم سوريا، وهو ما نراه من تصريحات الخارجية الأميركية، كذلك من بيانات المسؤولين الأميركيين حول الشراكة في حكم سوريا.

 

زد على ذلك، ان ترامب وبصداقته المعروفة مع دول الخليج العربي، قد يعمد الى تغيير المشهد في حال شعرت تلك الدول بالخطر على أمنها القومي من صعود المد الاسلامي في سوريا، ما يقلق كلاً من مصر والاردن، وبعض الدول الخليجية.

 

3-الدول العربية الفاعلة

 

لا شكّ ان للدول العربية قدرات في التواصل مع السوريين سواء العشائر أو المعارضات المتنوعة أو الرموز السورية الاقتصادية والسياسية من خارج النفوذ التركي، ما يجعل استفراد التركي بالنفوذ في سوريا أصعب.

 

4- الاتحاد الأوروبي

يريد الاتحاد الأوروبي ان يعيد اللاجئين السوريين الى وطنهم، وبامكان الاتحاد المساهمة بقوة في إعادة الاعمار في سوريا وإزالة "جبهة النصرة وقيادييها" من لائحة الارهاب للتواصل معها والانفتاح على الحكم في سوريا.

 

ونظراً للتوتر الذي حصل بين اردوغان والاوربيين في وقت سابق، سيصر الأوروبيون على حكم تشاركي في سوريا، وعدم استفراد هيئة تحرير الشام بالحكم، قبل أن ينفتحوا على الحكم في دمشق.

 

5-  الروس والايرانيون

لدى الروس قدرة على وضع فيتو في مجلس الأمن، لمنع إزالة "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حالياً) عن لائحة الارهاب الأممية، علمأ أن بقاءها على تلك اللائحة يصعّب قدرة العالم على التعامل معها، وعلى إعادة أعمار سوريا، ويبقي الأزمة الاقتصادية السورية هاجساً يقلق الحكم الجديد.

 

تتحدث التصريحات الروسية والايرانية عن معاودة التواصل مع الأتراك للتباحث في مستقبل سوريا. وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول إفريقيا ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، قد اعلن أن موسكو تعول على عقد اجتماعات جديدة مع تركيا وإيران لإجراء مباحثات حول الوضع في سوريا.

 

أما الايرانيون فقد اعلنوا عن إمكانية عودة سفارتهم الى العمل في دمشق، بالرغم من الكلام الهجومي للجولاني (أحمد الشرع) حول أن العدو هي إيران وحزب الله.


2024/12/11

"إسرائيل" تحتل سوريا: دعم "النصرة" منذ عام 2013

أفادت إذاعة "الجيش" الإسرائيلي بأنّ سلاح الجو "هاجم 350 هدفاً في سوريا خلال الأيام الماضية"، في هجوم وصفته بأنّه "من أكبر الهجمات في تاريخنا". وذكرت الإذاعة، نقلاً عن مصدر عسكري، أنّ "سلاح الجو دمّر عشرات الطائرات الحربية السورية في هجماته".

 

وأكدت مصادر أمنية أن توغل "إسرائيل" العسكري في جنوبي سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق. وأظهرت الخرائط سيطرة الجيش الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ، وعدد من القرى، والبلدات المحيطة بها داخل المنطقة منزوعة السلاح، بعمق يصل إلى 18 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

 

في السياق، نقلت "رويترز"، عن مصدرين أمنيين إقليميين، أن القوات الإسرائيلية وصلت إلى منطقة قطنا التي تقع على مسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية، إلى الشرق من منطقة منزوعة السلاح تفصل هضبة الجولان المحتلة عن سوريا. ويقوم الجيش الإسرائيلي برفع السواتر الترابية في القنيطرة بعمق يصل إلى 3 كيلومترات.

 

وفي هذا الإطار، ليس من المستغرب صمت المجموعات المسلحة، التي سيطرت على سوريا، والتي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام". ففي خطابه من الجامع الأموي، أرسل قائد "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، رسائل إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وقال إن "مصالحكما مفهومة في سوريا الجديدة"، متوعداً، في أكثر من مناسبة، وفي المقابلة التلفزيونية، بمحاربة النفوذ الايراني في سوريا، في رسائل واضحة إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل".

 

 منذ بداية الحرب في سوريا، تمهّد "إسرائيل" لهذه اللحظة، التي تقوم فيها باحتلال الأرض السورية، في ظل صمت سوري داخلي مطبق. في عام 2013، بدأت التقارير الغربية والإسرائيلية تتحدث بإسهاب عن علاقة جبهة النصرة ("هيئة تحرير الشام" حالياً) الوثيقة بـ"إسرائيل"، والدعم الذي تقدمه "إسرائيل" إلى "الجبهة"، التي هي جزء من تنظيم "القاعدة". ويمكن أن نذكر منها ما يلي:

 

- العلاج في مستشفيات "تل أبيب": خلال حربها ضد الجيش السوري، عالج الإسرائيليون مقاتلي جبهة النصرة في مستشفياتهم، وكانت صور نتنياهو انتشرت في الاعلام الإسرائيلي وهو يزور جرحى مقاتلي جبهة النصرة. وصرح المسؤولون الإسرائيليون بأن هذه المساعدة كانت مدفوعة بـ"أسباب إنسانية" والحاجة إلى استقرار منطقة "الحدود".

 

- الدعم، عسكرياً ومادياً: تذكر المصادر الإعلامية، ومنها "وول ستريت جورنال"، وغيرها من الوسائل الاعلامية الإسرائيلية، أن "إسرائيل" قدمت إلى جبهة النصرة دعماً، مادياً وعسكرياً. من الناحية المادية، قدمت "إسرائيل" المال من أجل دفع الرواتب وشراء السلاح والحاجات الأساسية للقتال، وقدمت إليها أيضاً الأسلحة والطعام والدعم اللوجستي.

 

وفي هذا الإطار، تذكر "تايمز أوف إسرائيل" أن "إسرائيل" كانت تنفذ ضربات جوية ضد قوات الجيش السوري وحلفائه لمساعدة مقاتلي جبهة النصرة على التقدم، ولمنع الجيش السوري من الانتصار على الإرهابيين.

 

وبرّر المسؤولون الإسرائيليون، ومنهم رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يادلين، تعامل "إسرائيل" مع "القاعدة" (النصرة) بأن حزب الله والقوات الإيرانية تشكل تهديداً استراتيجياً أكبر لـ"إسرائيل" من الفصائل الارهابية المسلحة في سوريا. ويقول يادلين: "لم تقم القاعدة بضرب إسرائيل مطلقاً". وبشأن معالجة الجرحى في المستشفيات في "إسرائيل"، برّر يادلين ذلك بالأسباب "الإنسانية"، لكنه قال إن "إسرائيل" لا يمكن أن تقوم بالأمر نفسه مع مقاتلي حزب الله.

 

في كل الإحوال، إن مجرد ظهور الجولاني عبر قناة "سي أن أن"، وهو مطلوب بتهمة الإرهاب في الولايات المتحدة، ووضع الأميركيون سابقاً مبلغ 10 ملايين دولار لمن يعرف عنه شيئاً، يشي بكثير من المؤشرات بشأن المهمة التي على الجولاني تنفيذها في سوريا في المرحلة المقبلة.

 

إن استمرار الجولاني في الحديث عن أن سوريا ستكون للجميع، وأن "سوريا الجديدة" لن تكون ساحة للمحاور ولا للطائفية ولا للفساد، يشي بأن الرجل مكلّف مهمةً يجب ان يؤديها في هذه الفترة من الانتقال السياسي في سوريا، والتي من المرجح أن تكون فيها سوريا عرضة للفوضى.

 

وتتجلى تلك المهمة في استهداف المصالح الإيرانية والروسية في سوريا، ومنع الأكراد من السيطرة على مناطق تخوّلهم إقامة دويلتهم في سوريا، وتشكيل الظروف المواتية لتسهيل قدرة "إسرائيل" على تدمير سوريا في ظل انشغال العالم بالانتقال السياسي.

 

وعليه، سيستمر وجود الجولاني في السلطة ما دامت هناك حاجة إليه، تركياً وغربياً. فإذا استطاعت روسيا والدول العربية المحافظة على نفوذها، إن عبر العشائر العربية، أو عبر دعم فصائل أخرى من المعارضة، أو دعم "قسد"، فإن دور الجولاني سيستمر في محاولة إطاحة خصوم تركيا و"إسرائيل" والولايات المتحدة في سوريا.

 

أما إذا استطاعت المعارضة توحيد سوريا تحت سيطرة واحدة، وانتقلت سوريا إلى مرحلة تهدئة، فإن دور الجولاني سينتهي في سوريا، ليأتي بعده حكم سياسي يؤدي مهمة التطبيع مع "إسرائيل" والتخلي نهائياً عن الجولان السوري المحتل.

  

2024/12/05

خطة ترامب لأوكرانيا: الروسي غير مستعجل

في الاجتماع الأخير لحلف شمال الأطلسي حضّ الأمين العامّ للحلف مارك روته أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ"تغيير مسار" الحرب. وقال إن على الحلف وأعضائه "تقديم دعم كافٍ لأوكرانيا لتغيير مسار هذه الحرب بشكل نهائي". وأوضح "هذا يعني أننا نريد أن نضع أوكرانيا في موقع قوة، حتى تتمكّن الحكومة الأوكرانية يوماً ما من الشروع في مفاوضات مع الروس".

 

لا شكّ، أنّ اندفاعة أعضاء الناتو لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا مع رفض الاستجابة لطلبها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، تعكس الهواجس لدى هؤلاء من توجّه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الى إنهاء الدعم لأوكرانيا وإنهاء الحرب الدائرة هناك كما وعد خلال حملته الانتخابية.

 

وبالرغم من أن ترامب لم يكشف صراحة وبوضوح عن تصوّراته للحلّ، إلا أنّ تصريحات مساعديه تشي بأن هناك خطة تقضي بإقرار أوكرانيا بالتنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وتعهّد غربيّ بعدم إدخال أوكرانيا إلى حلف الناتو مقابل إنهاء الحرب، وهو ما يقلق كلاً من الأوكرانيين ودول الناتو على حدٍ سواء.

 

وفي تحليل أجرته رويترز لتصريحات مستشاري ترامب اعتبرت أنهم سيسعون لحمل موسكو وكييف على التفاوض باستخدام أسلوب العصا والجزرة، بما في ذلك التلويح بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا ما لم توافق على الاشتراك في المحادثات، أو تعزيز المساعدات المقدّمة إلى الأوكرانيين إذا رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التفاوض.

 

لكن من الصعب تأكيد قدرة آلية ترامب تلك في النجاح في دفع الروس للجلوس إلى طاولة المفاوضات بسهولة ووقف الحرب، للأسباب الآتية:

 

أولاً: إن التهديد بزيادة المساعدات إلى كييف لن يثني الروس عن وضع شروطهم ولن يدفعهم إلى وقف العملية العسكرية خلال فترة التفاوض. ستبقى الحرب دائرة حتى لو جلست الأطراف إلى طاولة المفاوضات وهو أمر أكيد بالنسبة للروس، لعلمهم أنّ الأمر قد يكون خديعة غربية لوقف الحرب ثم معاودتها بعد أن يكون الجيش الأوكراني قد استراح واستعدّ للمعركة من جديد.

 

بالنسبة للروس من الصعب جداً أن يثقوا بأيّ تعهّدات أميركية أو غربية، خاصة بعد تجربتهم في اتفاقيات مينسك، والتي اعترفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنها كانت نوعاً من الخداع مارسوه لكسب الوقت لتجهيز الأوكرانيين للقتال.

 

الأمر الثاني الذي قد يدفع بوتين إلى المماطلة هو أن الروس لن يقبلوا إلا بما يسمّونه "تحرير الأقاليم الأربعة" التي يقطنها مواطنون من القوميات الروسية، والتي كانوا قد اعترفوا باستقلالها وتمّ ضمّها إلى الاتحاد الروسي، قبل الانتهاء من "تحرير" تلك الأقاليم أو من دون أن تعترف أوكرانيا باستقلالهم لن يكون هناك أمل في تقدّم المفاوضات وسيسعى الروس للمماطلة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

 

علماً أن الروس يسيطرون حالياً على نحو 80% من منطقة دونباس التي تضمّ دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى أكثر من 70% من زاباروجيا وخيرسون وأجزاء من منطقتي ميكولايف وخاركيف.

 

- الأمر الثالث هو أن الروس لا يبدون مستعجلين لوقف الحرب قبل تحقيق كامل الأهداف، فالخسائر العسكرية التي تتكبّدها كييف (القضاء على جيل بكامله في الحرب)، كذلك الخسائر الاقتصادية والضغوط التي تشكّلها الحرب الأوكرانية على السلطات السياسية والمجتمعات داخل الاتحاد الأوروبي تفيد الروس على المديّين المتوسط والبعيد.

 

وبالعودة إلى تعهّدات حلف الناتو بزيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والتي من الصعب أن تخلق فارقاً كبيراً في الحرب الدائرة في أوكرانيا، يبدو أنها قد تهدف إلى أمرين:

 

1- رغبة إدارة بايدن بإعطاء كييف القدرة على الصمود هذا الشتاء، لكي لا تنهار قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وذلك لتحميله مسؤولية انهيارها (تمهيداً لإدعاء الديمقراطيين أن كييف انهارت بسبب سياسات ترامب وعدم مساعدته لها). وهذا ما حصل في أفغانستان حيث تفاوضت إدارة ترامب مع طالبان لكن تمّ تأجيل الانسحاب، فتمّ على عهد بايدن الذي تحمّل مسؤولية الفوضى التي نتجت عن الانسحاب غير المنظّم.

 

2رغبة الأوروبيين وباقي أعضاء حلف الناتو بإعطاء كييف بعض الدعم لكي لا تهزم عسكرياً قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات، ما يعطي الروس أرجحية واضحة لفرض الشروط والمطالب والتنازلات على كييف التي ستضطر للخضوع، وهذا يعني أن المساعدات العسكرية من حلف الناتو هي لإطالة أمد الحرب بعد أن أيقنوا عدم قدرة كييف على الانتصار فيها.