2024/08/24

الشرق الاوسط: ما المتوقّع إذا فازت كاملا هاريس؟

في نهاية المؤتمر الديمقراطي الذي رشّح كمالا هاريس للمنافسة في وجه دونالد ترامب، تعهّدت هاريس بالحرص على أن "يكون لدى إسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها"، معتبرة أن حركة حماس تسبّبت في "أعمال عنف لا توصف" خلال هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما استدعى الردّ الإسرائيلي" بحسب رأيها. وأضافت في هذا السياق "الرئيس بايدن وأنا نعمل على إنهاء هذه الحرب حتى تكون إسرائيل آمنة، ويتمّ إطلاق سراح الرهائن وتنتهي المعاناة في غزة، ويتمكّن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقّه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير".

 

وفي دلالة واضحة حول توجّهات الحزب الديمقراطي الذي يعاني من انقسام واضح حول غزة، سمح منظّمو المؤتمر لعائلات المختطفين من الإسرائيليين – الأميركيين بالتحدّث في مؤتمر الحزب، بينما تمّ رفض طلب قدّمته مجموعة من المندوبين المؤيدين للفلسطينيين، وحُرموا من فرصة إبداء رأيهم في المؤتمر، ما دفعهم إلى تنظيم اعتصام في الخارج.

 

لا شكّ، أنّ أجواء المؤتمر الديمقراطي، والتظاهرات التي رافقته والخطابات التي ألقيت فيه، تشي بالمسار الذي سيتبعه الحزب في الشرق الأوسط في حال استطاع إيصال كامالا هاريس إلى البيت الأبيض، بالرغم من أن معرفة ما ستكون عليه نظرة إدارتها للسياسة في الشرق الأوسط ما زالت مبكرة، وبالتالي لا يمكن معرفتها بشكل دقيق إلا بعد تشكيل فريقها.

 

وبكل الأحوال، يمكن التكهّن بالخطوط العريضة لما ستكون عليه تلك السياسة انطلاقاً من التصوّر بأن هاريس سوف تسير على خطى إدارة جو بايدن في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وذلك عبر ثلاثة عناوين رئيسية تعكس مسار الإدارة الديمقراطية الحالية وهي: أولوية مسار التطبيع، الابتعاد عن السياسة التقليدية للحزب حول طرح "خطة للسلام  بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الشرق الأوسط، عدم العمل بشكل جدّي للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.

 

1أولوية مسار التطبيع

من المتوقّع أن تستمر إدارة هاريس في إعطاء الأولوية لملف التطبيع الذي تمّ الاستثمار فيه بشكل جدّي وحقيقي خلال السنوات التي أمضاها جو بايدن في البيت الأبيض، والذي استمر متواصلاً حتى خلال فترة حرب الإبادة التي تشنّها "إسرائيل" على الفلسطينيين في قطاع غزة.

وإذا نظرنا إلى الزيارات المكوكية التي قام بها أعضاء من فريق بايدن إلى الشرق الأوسط، نجد أن الجهد انحصر – تقريباً - في محاولات تقريب وجهات النظر بين السعوديين والإسرائيليين، والتفاوض مع المملكة العربية السعودية على شروطها لعقد التطبيع مع "إسرائيل" والتي أعربت كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" أنها منفتحة عليها، باستثناء إعطاء مزيد من الحقوق للفلسطينيين التي رفضها الإسرائيليون بشكل قاطع.

 

أما الملف الآخر الذي استثمرت فيه الإدارة الأميركية قدراتها وجهودها، فهو مرتبط بشكل كبير أيضاً بإدماج "إسرائيل" في المنطقة، وذلك عبر مشروعين اقتصاديين:

 

- الأول هو مبادرة "I2U2" والتي تُعرف أيضاً باسم "الرباعية في غرب آسيا" والتي تتألف من أربع دول: الهند، والإمارات العربية المتحدة، و"إسرائيل"، والولايات المتحدة.

 

- والثاني هو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يربط مرفأ حيفا بالموانئ الأوروبية. ولقد تمّ التوقيع على مذكرة التفاهم من قبل السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول/سبتمبر 2023.

 

2خطة السلام المفقودة

منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، طرحت الإدارات الأميركية خططاً للسلام في الشرق الأوسط تتمحور حول "حلّ الدولتين"، بالرغم من عدم ممارستها أي ضغوط حقيقية على الإسرائيليين للالتزام بما تعهّدوا به في أوسلو، أو للتقدّم في مسار السلام "المتصوّر" أميركياً. في المقابل، استمرت "إسرائيل" في قضم الأراضي الفلسطينية عبر الاستيطان والضغط على السلطة الفلسطينية، وارتكاب المجازر والحروب على غزة.

 

مع ترامب، حصل تحوّل في النظرة الأميركية للسلام، حيث طرح مشروع "صفقة القرن" التي تحوّل الحق الفلسطيني الى مجرد حق اقتصادي، وتدعو إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء كوطن بديل. ومع مجيء بايدن، لم يتم حتى مجرد طرح أي خطة للسلام في الشرق الأوسط، ولم تنظر الإدارة الأميركية إلى الموضوع الفلسطيني كأمر يحتاج مجرد طرح خطة – ولو على الورق.

 

بعد حرب غزة، والانقسام داخل الحزب الديمقراطي وضغوط المجموعات المؤيدة لغزة داخل الحزب الديمقراطي، لن تستطيع هاريس أن تغض النظر عن هذا الأمر. لكن المتوقّع أنها سوف تحاول أن تمسك العصا من الوسط – شكلياً- كما هو حال خطابها في المؤتمر الديمقراطي، وستلتزم بالسياسات الأميركية التقليدية في دعم "إسرائيل" بلا قيد ولا شرط كما فعل بايدن.

 

3- الملف النووي الإيراني

كما بايدن، ستستمر هاريس في الحديث عن "ضرورة" العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، بهدف "الحد من نفوذها في المنطقة ومنعها من امتلاك سلاح نووي" كما تزعم الإدارة الأميركية الحالية. أما في الإطار العملي، فلا يمكن تصوّر قدرة هاريس على العودة الفعلية إلى الاتفاق في ظل تزايد العداء لإيران لدى أعضاء الكونغرس من الحزبين، خاصة بعد حرب غزة.

 

وعليه، المتوقّع أن تستمر إدارة هاريس بالسياسة نفسها التي انتهجها جو بايدن، أي بإعطاء الأولوية لأمن "إسرائيل" ومحاولة إدماجها في المنطقة، وباستخدام سياسة التواصل مع الإيرانيين من دون إبداء مرونة للتقدّم الفعلي في المفاوضات حول الاتفاق النووي، إلا إذا حصلت تطورات دراماتيكية بعد حرب غزة، فرضت تغييراً جذرياً في المقاربة الأميركية لمصالحهم في المنطقة.

  

2024/08/23

The "Cohabitation Theory" in International Relations

  


The Cohabitation Theory was introduced by Leila Nicolas in her book "Global and Regional Strategies in the Middle East: In Pursuit of Hegemony," published by Routledge in August 2024.

In Chapter 11 of the book, the theory and its components are explained and tested in the contexts of Lebanon and Iraq, where the US and Iran cohabitate as major powers in weak states. Their cohabitation involves elements of cooperation, competition, and conflict.

The "cohabitation theory" is a new idea, explaining how a Great Power and a Regional Power interact to gain influence in a weaker state. Cohabitation occurs when a global power exerts influence in a region outside its immediate geographical sphere, while a regional power has a natural influence in a weaker or smaller country through religion, culture, language, and history.

Cohabitation is typically a de-facto situation, often without an explicit agreement or settlement. It involves accepting a reality that cannot be changed or avoiding a battle that is difficult to win.

A global power like the US may coexist with the de facto influence of a regional power (Iran) in a weak state, but it does not tolerate coexistence with a competing global power like China or Russia. Rivalry between global powers in a weak state can turn it into a shatterbelt or proxy war zone rather than a form of cohabitation.

Entering a "cohabitation situation" does not lead to permanent stability or peace in the weak state. Peace is fragile and often disrupted when one party changes the balance of power in its favor, or when the interests of competing rivals clash in the region or weak state.

Check Chapter 11 here in this Book:
Nicolas, L. (2024). Global and Regional Strategies in the Middle East: In Pursuit of Hegemony (1st ed.). Routledge. https://doi.org/10.4324/9781003460152

2024/08/04

"القوى الشرقية" ودور الشرف في السياسة الخارجية

في خطابه الأخير، قال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، "مس شرف إيران"، وليس سيادتها فقط، مشدداً على أنه يتباين عن قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، في نيسان/أبريل الماضي. وأوضح أن اغتيال هنية في طهران يؤكد "غباء العدو الذي تصور أن إيران سوف تسكت عما جرى"، مؤكداً أن المسؤولين الإيرانيين يرون أنه "تمّ المسّ بسيادتهم وهيبتهم وأمنهم القومي وشرفهم".

 

فعلياً، كان ثيوسيديدس محقاً في كتابه " تاريخ الحروب البيلوبونيزية" بشأن الحروب التي نشبت بين أثينا وأسبارطة، حين قال إن القوى المحركة للعلاقات الدولية وللحروب هي الخوف، والمصلحة، والشرف.

 

وعلى الرغم من أن دراسات العلاقات الدولية عادت وابتعدت عن مفهوم الشرف، وركّزت بصورة كبيرة على مفاهيم المصلحة القومية والخوف وتوازن القوى، فإن مفهوم "الشرف" وقدرته على تحفيز الدول على الانخراط في الحروب، أو السعي لتغيير موازين القوى، أو التراجع عن مفاوضات، أو غير ذلك، ما زال موجوداً، بقوة.

 

منذ القِدَم، سعى مفكرون، مثل نيكولو مكيافيلي وتوماس هوبس، لإخضاع المجتمع المحلي وفضائله الاجتماعية لأهداف الدولة. ربط مكيافيلي الشرف مباشرة بالأمير وأنشطته التوسعية. كان واحداً من أوائل المفكرين الذين ربطوا الشرف بمجد الفتوحات الخارجية، وجادل في أننا نحب المجد ونسعى للحكم أو تجنب الاضطهاد. أما هوبس فربط النظام السياسي بالدولة فقط، ونظر إلى الشرف والكبرياء و"العواطف الاجتماعية" على أنها قوى تدمير.

 

ومع تطور الفكر الواقعي بتأثير المفكرين الأنغلوسكسونيين، باتت المصالح، التي يُنظر إليها بطريقة عقلانية حسابية، أي "الربح والأكلاف"، هي المعيار لسلوك الدول الخارجي، بالإضافة إلى القوة التي عدّ الواقعيون أنها الأساس والمحفز على كل ما تقوم به الدول.

 

وذهبت الواقعية البنيوية أو الواقعية الجديدة إلى أبعد من ذلك في إنكار أهمية القواعد الأخلاقية والشرف في العلاقات الدولية. فمن خلال الإعلان أن بنية النظام الدولي "الفوضوي" هي العامل الحاسم الرئيس في تحديد سلوك الدولة، عزز الواقعيون الجدد حجة الواقعيين الكلاسيكيين القائلة إن البقاء والمحافظة على الذات هما المبدآن الأساسيان والنهائيان لأهداف الدول. وبات مفهوم المصلحة العقلانية بالكامل، والتي تعتمد على القوة وفرض النفوذ، هو الأساس في تحديد سلوكها.

 

وعلى الرغم من ذلك، فإننا نلاحظ أن مفهوم الشرف بقي عنصراً حاسماً في استراتيجيات القوى "الشرقية"، كروسيا والصين وإيران. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نلاحظ، من خلال دراسة استراتيجيتي الصين وروسيا، أن "الشرف honor" يشكّل دافعاً إلى السلوك الخارجي.

 

فالصين تضع نصب عينيها في سياساتها الخارجية تخطي إرث "قرن الإذلال"، الذي مسّ شرف الصينيين وكرامتهم، وأخضعهم للاحتلال الأجنبي، بينما يهيمن على خطابات المسؤولين الروس وعقائدهم مبدأ "المحافظة على الدولة والمجتمع والقيم"، وعدم العودة إلى تسعينيات القرن العشرين، حين عامل الغرب روسيا دولةً منهزمة فأذلّها ومسّ شرفها.

 

في المقلب الآخر، تطغى مفاهيم "المصلحة القومية" على الاستراتيجيات الأميركية. وفي مراجعة مضمون الاستراتيجيات الأميركية، وتحليل للسياسة الأميركية الخارجية، نجد أن كلمة الشرف لم ترد إلا في خطاب نيكسون، في23 كانون الثاني/يناير 1973، والذي وصّف فيه انسحاب الجنود الأميركيين من فيتنام، باستخدام عبارة "سلام مع شرف" Peace with Honor.

 

وهكذا، في معرض تأكيده إصرار إيران على الردّ على "إسرائيل"، بسبب المساس ليس فقط بسيادتها وأمنها القومي، بل بشرفها أيضاً، يلفت السيد نصر الله إلى تباين جوهري في سلوك الدول بين الشرق والغرب، ويحدّد إيران قوةً شرقية، بحيث يشكّل "الشرف" الوطني عاملاً مهماً في تحديد سلوكها الخارجي وعلاقاتها بالدول الأخرى.

 

وفي تحليل لأهمية "مبدأ الشرف"، الذي يدفع إيران إلى الردّ على "إسرائيل"، بصورة أعنف مما كان عليه الردّ على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، نجد أن هذا الأمر يشكّل أهمية للإيرانيين، بسبب ما يلي:

 

أ‌ - رمز الكرامة الوطنية: غالباً ما يرتبط الشرف بهوية الأمة وصورتها الذاتية عن نفسها. على الرغم من التكلفة والمخاطر، فإن إيران تسعى للمحافظة على شرفها وهيبتها في الساحة الدولية، وعزّتها في نظر مواطنيها.

 

ب ‌- السمعة والصدقية: تسعى الدول لبناء سمعتها والمحافظة عليها، عبر الوفاء بالتزاماتها واحترام تعهداتها. يمكن أن تعزز سمعة الشرف صدقية الدولة، الأمر الذي يجعل وعودها وتهديداتها أكثر صدقية.

 

ج - الردع: يمكن أن يؤدي الشرف دوراً في استراتيجيات الردع. فالدولة، التي تحترم التزاماتها وتعهداتها وشرفها، حتى لو عبر تكلفة كبيرة، تستطيع أن تردع الخصوم وتطمئن الحلفاء إلى الثقة بها.