2024/07/29

الألعاب الأولمبية وانحدار الغرب حضارياً

لم يكد ينتهي حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس، حتى ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بانتقاد ما عدّوه إهانة للدين المسيحي، إذ قام بعض المتحوّلين جنسياً -خلال إحدى اللوحات الاستعراضية-بتجسيد لوحة "العشاء الأخير" التي رسمها ليوناردو دافنشي، للسيد المسيح وتلاميذه. ورأى كثيرون أن بعض اللوحات الاستعراضية الأخرى كانت تمثل ترويجاً للشذوذ الجنسي، وللتحوّل من جنس إلى آخر، وتمّت إهانة المرأة إذ حمل الشعلة رجلان أحدهما متحوّل جنسياً.

 

لا شكّ، يعيد البعض ما حصل في الألعاب الأولمبية في باريس وما حاول الألمان فرضه خلال مونديال قطر، وغير ذلك من السياسات التي يحاول الغرب فرضها على العالم، إلى أجندة "ليبرالية يسارية" تدعو إلى سياسات "اليقظة"، التي "تشجع الشذوذ وتحارب العائلة والقيم والأديان"، بحسب ما يقول منتقدو تلك السياسات.

 

فما هي سياسات "اليقظة"، وهل فعلاً دخل الغرب انحداراً حضارياً ويريد إدخال العالم معه؟

 

معنى "اليقظة" Woke

في الأصل، بدأت كلمة "اليقظة" أو "ابقَ مستيقظاً" للدعوة إلى الوعي بالظلم وعدم المساواة المنهجي القانوني والنظامي اللذين يستهدفان السود في الولايات المتحدة الأميركية. عام 1938، أصدرت مغنية البلوز الأميركية ليد بيلي أغنية عن تسعة مراهقين سود اتهموا بالاغتصاب في ألاباما. وعلى الرغم من وجود أدلة على براءتهم، أدين ثمانية من التسعة من قبل هيئة محلفين بيضاء بالكامل وحُكم عليهم بالإعدام. وبالرغم من أنهم نجوا من الإعدام، انتهى بهم الأمر في السجن لسنوات. في مقابلة حول الأغنية، قالت ليد بيلي، "أنصح الجميع بأن يكونوا حذرين بعض الشيء عندما يذهبون إلى هناك (ألاباما). من الأفضل أن تظل مستيقظاً، وأن تُبقي عينيك مفتوحتين". ومنها انطلقت تلك العبارة.

 

بقي المصطلح ضمن إطار المجتمع الأسود، لغاية عام 2010، حيث بدأ هذا المصطلح يخرج إلى نطاق أوسع، خاصة مع الوعي بحقوق السود الذي نشرته منظمة "حياة السود مهمة"، فتحوّل بعدها إلى وصف شامل للسياسة التقدمية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وسياسات أكثر شمولية inclusive.

 

كيف يتم استخدام سياسات "اليقظة" اليوم في الغرب؟

إذاً، كان المقصود من مصطلح "Woke" في الأصل أن يكون المرء على دراية ووعي بالظلم من حوله، لكن شيئاً فشيئاً تحوّل المصطلح إلى "رمز سلبي" يدعو إلى مراقبة كلمات الآخرين، وشيطنتهم إذا لم تكن آراؤهم متوافقة مع النمط السائد، أو الصحيح سياسياً (بحسب الأجندة التقدمية)، ويرى البعض أنه تحوّل إلى أداة لقمع حرية التعبير، وفرض الأحكام الأخلاقية على الآخرين.

 

وبالطبع، ساهمت الحكومات الغربية في تمييع المعنى الأساسي للكلمة، التي تعني الوعي بالظلم الطبقي والعرقي التاريخي ضد السود، لإدخال فئات أخرى تمّ تصنيفها بأنها "مضطهدة تاريخياً"، فأضيفت إلى السود، المثلية الجنسية، والمتحوّلون وغيرهما من الفئات التي باتت تتوسع لتشكّل مروحة كبيرة من الفئات التي لم تكن معروفة أو موجودة أصلاً.

 

وبالرغم من أن اليقظة والوعي، لا يمكن فرضهما فرضاً، بل هما حالة إنسانية داخلية شخصية، فإن الحكومات الغربية اندفعت إلى فرض سياسات "إكراهية" إذ يتم فرض "دروس اليقظة الجنسية" للأطفال في المدارس، وتشجيع الأطفال على تغيير جنسهم (أحياناً من دون رضى الوالدين ومن دون معرفتهم)، وإدخال المتحوّلين من الرجال إلى الرياضات النسائية ومسابقات ملكات الجمال، وغضّ النظر عن جرائم التحرش والاغتصاب التي يقوم بها بعض المتحوّلين من الرجال خلال وجودهم في الأماكن المخصصة للنساء إلخ...

 

كيف يُنظر إلى "اليقظة" عالمياً؟

ينقسم الديمقراطيون والجمهوريون حول سياسات "اليقظة" ففي حين نشرت المرشحة الرئاسية كامالا هاريس (في وقت سابق قبل ترشحها) فيلماً دعائياً عن استقبال متحوّلين جنسياً في البيت الأبيض، قام المرشح دونالد ترامب بالإعلان أنه سيكون ضد سياسات "اليقظة" وأدرج الحزب الجمهوري في برنامجه الرسمي للحكم، تعهده بمحاربة سياسات "اليقظة" ومنعها من المدارس، وطرد " الديمقراطيين اليساريين من الجيش الأميركي في أقرب وقت ممكن".

 

وبتأثير من الولايات المتحدة، تسعى دول الغرب الجماعي إلى فرض السياسات نفسها، عبر تشجيع المثلية في المدارس بالإضافة إلى العديد من البرامج التعليمية التي تشجع الأطفال على التحوّل الجنسي. كما تقوم الدول الأوروبية خاصة والغربية عامة بتخطي سيادة الدول وحقها في اختيار النظم الثقافية والاجتماعية عبر مطالبتها بتطبيق سياسات تتعارض مع القيم الدينية التي تدين بها تلك البلدان.

 

وباتت هذه السياسات مثار انقسام عمودي في الغرب بين اليمين واليسار، فاليمين بشكل عام يدعو إلى القيم المحافظة، واحترام صورة العائلة "التقليدية" (رجل وامرأة) وبهذا يلتقي مع الروس حيث يدعو الرئيس فلاديمير بوتين إلى مواجهة كل من يريد تحطيم العائلة والقيم الدينية المسيحية والإسلامية وغيرها.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق