بانسحاب الرئيس
الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي، دخلت الانتخابات الرئاسية في الولايات
المتحدة الأميركية مرحلة جديدة، بحيث يتوقع عدد من المراقبين ألّا تستطيع نائبة
الرئيس كامالا هاريس، في حال اعتماد ترشيحها، أن تواجه دونالد ترامب، الذي بات
يحظى بتعاطف أكبر بعد محاولة اغتياله الفاشلة.
وكان المؤتمر الوطني،
الذي عقده الحزب الجمهوري وأقرّ فيه ترشيح دونالد ترامب، وافق على البرنامج
الرئاسي الذي سوف يحكم، بموجبه، دونالد ترامب فترته الثانية (في حال فوزه
بالرئاسة). ويمكن أن نستشفّ، من خلال ذلك البرنامج، ومن خلال تصاريح ترامب، ملامح
سياسته الخارجية، وخصوصاً تجاه الشرق الأوسط، وتحديداً إيران.
الصين: العدو الأكبر
في إطار الدفاع عن
الولايات المتحدة، تعهّد الحزب الجمهوري جعلَ أميركا قوية. يتهم الحزب الجمهوري
سياسة جو بايدن الخارجية الضعيفة بأنها "جعلت الولايات المتحدة أقل أماناً
وموضع سخرية في جميع أنحاء العالم". لذلك، تتمثل خطة الجمهوريين بإعادة
السلام من خلال القوة، وإعادة بناء الجيش الأميركي والتحالفات، ومواجهة الصين،
و"هزيمة الإرهاب"، وبناء درع دفاعية صاروخية من القبة الحديدية... إلخ.
في المجال الخارجي،
يركّز الجمهوريون على الصين، بصورة أساسية، ويَعُدّون أن التهديد الصيني هو الأكثر
جدارة بالاهتمام، ويسعون لـ"تأمين الاستقلال الاستراتيجي عن الصين"،
بحيث يتعهدون إلغاء وضع "الصين كالدولة الأكثر تفضيلاً، والتخلص بالتدريج من
واردات السلع الأساسية، ومنع الصين من شراء العقارات والصناعات الأميركية".
ويسعى دونالد ترامب –
بحسب تصريحاته – لوضع تعرفات جمركية عالية على الصناعات الصينية، بهدف تشجيع
الاستثمارات الصينية للعمل والتصنيع داخل الولايات المتحدة الأميركية.
على هذا الأساس، من
المتوقع أن يعود دونالد ترامب إلى السياسة القديمة نفسها، التي اعتمدها تجاه
الصين، حين أجبر الصينيين على توقيع اتفاقية ثنائية تتعهد بموجبها الصين شراء ما
قيمته 200 مليار دولار من الأميركيين سنوياً، لكن جائحة كورونا أتت وعطلت ذاك
الاتفاق.
روسيا وأوروبا
لا تذكر الوثيقة
الجمهورية روسيا بالاسم، ولا تذكر الحرب الأوكرانية، لكن دونالد ترامب تعهّد، في
عدة مرات، إنهاء الحرب الأوكرانية واستعادة السلام.
تذكر الوثيقة
الجمهورية السعي لتحقيق السلام في أوروبا أكثر من مرة، وتتعهّد منع نشوب الحرب
العالمية الثالثة، وتقول إن الجمهوريين سيعملون "على تعزيز التحالفات من خلال
ضمان وفاء حلفائنا بالتزاماتهم بشأن الاستثمار في دفاعنا المشترك، واستعادة السلام
في أوروبا".
وفي هذه العبارة
الأخيرة استعادة لما كان دونالد ترامب سعى له في فترته الأولى، وهو التزام
الأوروبيين المساهمات المالية المفروضة عليهم في حلف الناتو، والمساهمة في موازنة
الحلف بنسبة 2% من الناتج القومي لكل دولة.
الشرق الأوسط وإيران
تذكر وثيقة الحزب
الجمهوري السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط أكثر من مرة، وتتعهّد "الوقوف
إلى جانب إسرائيل". وتؤكد العمل "على إعادة بناء شبكة تحالفنا في
المنطقة من أجل ضمان مستقبل من السلام والاستقرار والازدهار".
لم يرد في وثيقة الحزب
الجمهوري أي شيء بخصوص التعامل مع إيران، ولم يتم ذكر "نفوذ إيران في منطقة
الشرق الاوسط، أو برنامجها الصاروخي"، ولا حتى تم التطرق، من قريب أو بعيد،
إلى البرنامج النووي الايراني.
وبعكس سائر مضامين
السياسة الخارجية في الوثيقة، والتي اعتمدت السياق السابق نفسه، الذي مارسه خلال
فترة حكمه الأولى، لم يتم إدراج أي شيء فيما يتعلق بسياسة "الضغوط
القصوى"، التي مارسها ترامب في المنطقة في فترة ولايته الأولى، والتي أدّت
إلى الانسحاب من الاتفاق النووي بطريقة أحادية، والتي ادّت إلى فرض قانون قيصر على
سوريا وتحفيز التظاهرات والفوضى في كل من لبنان والعراق.
في النتيجة، تبدو
ملامح فترة ترامب الثانية (في حال وصوله إلى البيت الأبيض) شبيهة، إلى حدّ بعيد،
بسياسته الخارجية في فترة ولايته الأولى، أي التركيز على الحروب الاقتصادية بدلاً
من العسكرية، وخصوصاً بشأن أولوية التهديد الصيني الاقتصادي، ومحاولة التفاهم مع
الروس لإنهاء حرب أوكرانيا، وإحراج الأوروبيين وحلف الناتو ومطالبتهم بدفع ما
عليهم، وإلا فتقويض التحالف... إلخ، باستثناء موضوع الشرق الأوسط، الذي لا يبدو أن
ترامب يعتقد، فيما يتعلق به، إمكان النجاح في السياسة السابقة المتبعة، نتيجة
سببين:
أ - أن الضغوط القصوى
لم تجلب إيران إلى الطاولة لتوقيع اتفاق جديد وفق شروط أفضل للأميركيين وتنازلات
ايرانية أكبر، كما كان ترامب يتمنى.
ب - أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، وما تلاها من تغييرات
استراتيجية في المنطقة، تجعل من الصعب الاستمرار في السياسات السابقة نفسها، بحيث
إن الخسارات الاستراتيجية، التي مُنيت بها "إسرائيل"، والإبادة التي
قامت بها في غزة، تجعل الاستثمار في عمليات التطبيع، كمنفذ وحيد إلى السلام، من
دون جدوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق