تصدّر "التجمّع
الوطني" (اليمين المتطرّف) الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية،
محقّقاً نتائج تاريخية، بعدما حصد نحو 33% من الأصوات، وحلّت "الجبهة الشعبية
الجديدة"، المكوّنة من ائتلاف الأحزاب اليسارية، في المرتبة الثانية،
بتحقيقها نحو 28% من الأصوات، ليحلّ معسكر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في
المرتبة الثالثة، بنسبة 22% فقط.
لا شكّ أنّ العالم
العربي يراقب تلك الانتخابات، لما لفرنسا من علاقات تاريخية مع الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا، وبسبب وجود جاليات عربية في فرنسا تواجهها مشكلات بسبب تزايد العنصرية
والإسلاموفوبيا.
وقد يكون من المفيد النظر إلى ما يمكن أن يتأتى من تغيير للسياسات الفرنسية
في حال وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة وتأثيرها على بعض القضايا العربية التي
أبدى المرشّحون الفرنسيون وجهات نظرهم حولها، على الشكل الآتي:
الجزائر
لعل البلد العربيّ
الأكثر تأثّراً بوصول اليمين الفرنسي المتشدّد إلى السلطة، قد يكون الجزائر. فقد
ازدادت العلاقات الثنائية بين البلدين توتراً مع وصول إيمانويل ماكرون إلى الحكم.
ولا يمكن تصوّر أن تشهد العلاقات أيّ انفراج مع وصول اليمين المتشدّد، خاصة وأن
الحزب اليميني المتطرّف نشأ بالأساس مع جان ماري لوبان، صاحب شعار "الجزائر
فرنسية".
وكان لوبان الأب (مؤسس
الحزب) والذي تطوّع برتبة ملازم في فوج المظليّين بالخارج قد اتهم بارتكاب أعمال
تعذيب خلال وجوده في الجزائر لمدة 6 أشهر عام 1957. ولم ينفِ لوبان الأمر بل قال
في مقابلة مع صحيفة
(Combat) عام 1962
"لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأنّ القيام بذلك كان ضرورياً".
وبالإضافة إلى رمزية
عائلة لوبان في التاريخ الجزائري، فإنّ أمراً آخر قد يعكّر صفو العلاقات الثنائية،
وهو اتفاقية 1968، خاصة بعدما أعلن الحزب اليمني سابقاً نيّته طرح إلغائها، وإلغاء
امتيازات المهاجرين الجزائريّين، والتي تشمل تسهيل دخولهم إلى فرنسا وممارسة المهن
والأعمال وسهولة الحصول على تصاريح إقامة طويلة الأمد (10 سنوات) إلخ.
فلسطين
لن تتبدّل النظرة
الفرنسية كثيراً تجاه القضية الفلسطينية بين ماكرون والحزب اليميني. وعلى الرغم من
أن اليمين المتشدّد أعلن تأييده لـ "إسرائيل"، لكن لا ننسى أيضاً أن هذا
ما أعلنه ماكرون أيضاً وبالغ به في أول زيارة له إلى "إسرائيل" بعد أحداث
الـ 7 من تشرين الأول/ أكتوبر.
فقط الأحزاب اليسارية
وأهمّها حزب "فرنسا الأبيّة" هي من دعمت الفلسطينيين علناً، وطالبت
بالاعتراف بدولة فلسطينية الآن، بينما رفض كلٌ من ماكرون واليمين المتشدّد
الاعتراف بدولة فلسطينية في هذا الوقت.
سوريا
منذ أواخر عهد جاك
شيراك توترت العلاقة بين الفرنسيّين والحكم في سوريا، وساهم الرؤساء الفرنسيون
المتعاقبون بتزكية الصراع في سوريا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، كما قامت فرنسا
باستضافة بعض أفراد المعارضة السورية، وفتح القضاء الفرنسي تحقيقاً بمزاعم ارتكاب
الرئيس السوري جرائم حرب في سوريا.
على عكس الرؤساء
السابقين وعلى عكس سياسة ماكرون الملتزمة بالموقف الأميركي، ينظر اليمين المتشدّد
بإيجابية إلى الانفتاح على الحكم في سوريا، ويتحدّث صراحة عن ضرورة عودة العلاقات
الأوروبية والفرنسية مع سوريا، ويؤيّد تسهيل إعادة اللاجئين، وهو ما عبّر عنه نائب
الحزب في الاتحاد الأوروبي، فيليب ماريني، الذي زار دمشق مرات عديدة.
أما اليسار الفرنسي
فمواقفه متناقضة نوعاً ما، ويُعتقد أنه سيعتمد سياسة الاتحاد الأوروبي نفسها تجاه
سوريا، ومن المتوقّع ألّا تكون هناك جرأة على قيادة التغيير في ما خصّ العلاقة مع
سوريا.
لبنان
بشكل عامّ، أظهرت جميع
القوى السياسية الفرنسية اهتماماً بلبنان، وكانت زعيمة حزب التجمّع الوطني مارين
لوبان، قد زارت لبنان في وقت سابق عام 2017 والتقت الرئيسين عون والحريري، وأبدت
تضامنها مع اللبنانيين. وكان رئيس الحزب الحالي جوردان بارديلا قال في وقت سابق "إن
السياسة الفرنسية يجب أن تدعم الشباب اللبناني وطموحه للتغيير".
أما الموقف من الحرب
على الحدود الجنوبية اللبنانية، فكان زعيم الحزب اليساري "فرنسا
الأبيّة"، جان لوك ميلونشون، قد ردّ على التهديد الإسرائيلي للبنان في كلمة
له أمام أنصاره، قائلاً "لو كنت رئيساً لفرنسا، لقلت للإسرائيليين لا تلمسوا
لبنان".
أما التجمّع الوطني
اليميني والذي لديه علاقات جيدة مع "إسرائيل"، فمن المتوقّع أن
يحافظ على سياسة ماكرون في التوازن بين
علاقاته مع كلّ من لبنان و"إسرائيل"، علماً أن زعيمة الحزب وخلال
ترشّحها للانتخابات عام 2022، قالت "لبنان عزيز على قلبي، وأنوي جعله من
أولويات سياستي في الشرق الأوسط"، وأضافت: أنّ "الحلّ يكون عبر حديث
أوضح مع إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران، حول الثمن الذي نوليه لسيادة
لبنان ولضرورة حرية لبنان لاستقرار الشرق الأوسط"، معتبرة أنّ "هذا
الثمن الذي نوليه لاستقلال لبنان وحريته، ليس على حساب صداقتنا مع إسرائيل".
وهكذا، نتوقّع أنه في حال وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة، فإن السياسة الخارجية الفرنسية فيما يخصّ لبنان وفلسطين ستبقى كما هي الآن مع الرئيس ماكرون، مع استثناء وحيد هو قيام اليمين بدعم الدعوات اللبنانية الداعية إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والتقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق