2024/07/29

الألعاب الأولمبية وانحدار الغرب حضارياً

لم يكد ينتهي حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس، حتى ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بانتقاد ما عدّوه إهانة للدين المسيحي، إذ قام بعض المتحوّلين جنسياً -خلال إحدى اللوحات الاستعراضية-بتجسيد لوحة "العشاء الأخير" التي رسمها ليوناردو دافنشي، للسيد المسيح وتلاميذه. ورأى كثيرون أن بعض اللوحات الاستعراضية الأخرى كانت تمثل ترويجاً للشذوذ الجنسي، وللتحوّل من جنس إلى آخر، وتمّت إهانة المرأة إذ حمل الشعلة رجلان أحدهما متحوّل جنسياً.

 

لا شكّ، يعيد البعض ما حصل في الألعاب الأولمبية في باريس وما حاول الألمان فرضه خلال مونديال قطر، وغير ذلك من السياسات التي يحاول الغرب فرضها على العالم، إلى أجندة "ليبرالية يسارية" تدعو إلى سياسات "اليقظة"، التي "تشجع الشذوذ وتحارب العائلة والقيم والأديان"، بحسب ما يقول منتقدو تلك السياسات.

 

فما هي سياسات "اليقظة"، وهل فعلاً دخل الغرب انحداراً حضارياً ويريد إدخال العالم معه؟

 

معنى "اليقظة" Woke

في الأصل، بدأت كلمة "اليقظة" أو "ابقَ مستيقظاً" للدعوة إلى الوعي بالظلم وعدم المساواة المنهجي القانوني والنظامي اللذين يستهدفان السود في الولايات المتحدة الأميركية. عام 1938، أصدرت مغنية البلوز الأميركية ليد بيلي أغنية عن تسعة مراهقين سود اتهموا بالاغتصاب في ألاباما. وعلى الرغم من وجود أدلة على براءتهم، أدين ثمانية من التسعة من قبل هيئة محلفين بيضاء بالكامل وحُكم عليهم بالإعدام. وبالرغم من أنهم نجوا من الإعدام، انتهى بهم الأمر في السجن لسنوات. في مقابلة حول الأغنية، قالت ليد بيلي، "أنصح الجميع بأن يكونوا حذرين بعض الشيء عندما يذهبون إلى هناك (ألاباما). من الأفضل أن تظل مستيقظاً، وأن تُبقي عينيك مفتوحتين". ومنها انطلقت تلك العبارة.

 

بقي المصطلح ضمن إطار المجتمع الأسود، لغاية عام 2010، حيث بدأ هذا المصطلح يخرج إلى نطاق أوسع، خاصة مع الوعي بحقوق السود الذي نشرته منظمة "حياة السود مهمة"، فتحوّل بعدها إلى وصف شامل للسياسة التقدمية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية وسياسات أكثر شمولية inclusive.

 

كيف يتم استخدام سياسات "اليقظة" اليوم في الغرب؟

إذاً، كان المقصود من مصطلح "Woke" في الأصل أن يكون المرء على دراية ووعي بالظلم من حوله، لكن شيئاً فشيئاً تحوّل المصطلح إلى "رمز سلبي" يدعو إلى مراقبة كلمات الآخرين، وشيطنتهم إذا لم تكن آراؤهم متوافقة مع النمط السائد، أو الصحيح سياسياً (بحسب الأجندة التقدمية)، ويرى البعض أنه تحوّل إلى أداة لقمع حرية التعبير، وفرض الأحكام الأخلاقية على الآخرين.

 

وبالطبع، ساهمت الحكومات الغربية في تمييع المعنى الأساسي للكلمة، التي تعني الوعي بالظلم الطبقي والعرقي التاريخي ضد السود، لإدخال فئات أخرى تمّ تصنيفها بأنها "مضطهدة تاريخياً"، فأضيفت إلى السود، المثلية الجنسية، والمتحوّلون وغيرهما من الفئات التي باتت تتوسع لتشكّل مروحة كبيرة من الفئات التي لم تكن معروفة أو موجودة أصلاً.

 

وبالرغم من أن اليقظة والوعي، لا يمكن فرضهما فرضاً، بل هما حالة إنسانية داخلية شخصية، فإن الحكومات الغربية اندفعت إلى فرض سياسات "إكراهية" إذ يتم فرض "دروس اليقظة الجنسية" للأطفال في المدارس، وتشجيع الأطفال على تغيير جنسهم (أحياناً من دون رضى الوالدين ومن دون معرفتهم)، وإدخال المتحوّلين من الرجال إلى الرياضات النسائية ومسابقات ملكات الجمال، وغضّ النظر عن جرائم التحرش والاغتصاب التي يقوم بها بعض المتحوّلين من الرجال خلال وجودهم في الأماكن المخصصة للنساء إلخ...

 

كيف يُنظر إلى "اليقظة" عالمياً؟

ينقسم الديمقراطيون والجمهوريون حول سياسات "اليقظة" ففي حين نشرت المرشحة الرئاسية كامالا هاريس (في وقت سابق قبل ترشحها) فيلماً دعائياً عن استقبال متحوّلين جنسياً في البيت الأبيض، قام المرشح دونالد ترامب بالإعلان أنه سيكون ضد سياسات "اليقظة" وأدرج الحزب الجمهوري في برنامجه الرسمي للحكم، تعهده بمحاربة سياسات "اليقظة" ومنعها من المدارس، وطرد " الديمقراطيين اليساريين من الجيش الأميركي في أقرب وقت ممكن".

 

وبتأثير من الولايات المتحدة، تسعى دول الغرب الجماعي إلى فرض السياسات نفسها، عبر تشجيع المثلية في المدارس بالإضافة إلى العديد من البرامج التعليمية التي تشجع الأطفال على التحوّل الجنسي. كما تقوم الدول الأوروبية خاصة والغربية عامة بتخطي سيادة الدول وحقها في اختيار النظم الثقافية والاجتماعية عبر مطالبتها بتطبيق سياسات تتعارض مع القيم الدينية التي تدين بها تلك البلدان.

 

وباتت هذه السياسات مثار انقسام عمودي في الغرب بين اليمين واليسار، فاليمين بشكل عام يدعو إلى القيم المحافظة، واحترام صورة العائلة "التقليدية" (رجل وامرأة) وبهذا يلتقي مع الروس حيث يدعو الرئيس فلاديمير بوتين إلى مواجهة كل من يريد تحطيم العائلة والقيم الدينية المسيحية والإسلامية وغيرها.

  

2024/07/23

كيف ستبدو السياسة الخارجية لدونالد ترامب في حال فوزه؟

بانسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي، دخلت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية مرحلة جديدة، بحيث يتوقع عدد من المراقبين ألّا تستطيع نائبة الرئيس كامالا هاريس، في حال اعتماد ترشيحها، أن تواجه دونالد ترامب، الذي بات يحظى بتعاطف أكبر بعد محاولة اغتياله الفاشلة.

 

وكان المؤتمر الوطني، الذي عقده الحزب الجمهوري وأقرّ فيه ترشيح دونالد ترامب، وافق على البرنامج الرئاسي الذي سوف يحكم، بموجبه، دونالد ترامب فترته الثانية (في حال فوزه بالرئاسة). ويمكن أن نستشفّ، من خلال ذلك البرنامج، ومن خلال تصاريح ترامب، ملامح سياسته الخارجية، وخصوصاً تجاه الشرق الأوسط، وتحديداً إيران.

 

 الصين: العدو الأكبر

في إطار الدفاع عن الولايات المتحدة، تعهّد الحزب الجمهوري جعلَ أميركا قوية. يتهم الحزب الجمهوري سياسة جو بايدن الخارجية الضعيفة بأنها "جعلت الولايات المتحدة أقل أماناً وموضع سخرية في جميع أنحاء العالم". لذلك، تتمثل خطة الجمهوريين بإعادة السلام من خلال القوة، وإعادة بناء الجيش الأميركي والتحالفات، ومواجهة الصين، و"هزيمة الإرهاب"، وبناء درع دفاعية صاروخية من القبة الحديدية... إلخ.

 

في المجال الخارجي، يركّز الجمهوريون على الصين، بصورة أساسية، ويَعُدّون أن التهديد الصيني هو الأكثر جدارة بالاهتمام، ويسعون لـ"تأمين الاستقلال الاستراتيجي عن الصين"، بحيث يتعهدون إلغاء وضع "الصين كالدولة الأكثر تفضيلاً، والتخلص بالتدريج من واردات السلع الأساسية، ومنع الصين من شراء العقارات والصناعات الأميركية".

 

ويسعى دونالد ترامب – بحسب تصريحاته – لوضع تعرفات جمركية عالية على الصناعات الصينية، بهدف تشجيع الاستثمارات الصينية للعمل والتصنيع داخل الولايات المتحدة الأميركية.

 

على هذا الأساس، من المتوقع أن يعود دونالد ترامب إلى السياسة القديمة نفسها، التي اعتمدها تجاه الصين، حين أجبر الصينيين على توقيع اتفاقية ثنائية تتعهد بموجبها الصين شراء ما قيمته 200 مليار دولار من الأميركيين سنوياً، لكن جائحة كورونا أتت وعطلت ذاك الاتفاق.

 

روسيا وأوروبا

لا تذكر الوثيقة الجمهورية روسيا بالاسم، ولا تذكر الحرب الأوكرانية، لكن دونالد ترامب تعهّد، في عدة مرات، إنهاء الحرب الأوكرانية واستعادة السلام.

 

تذكر الوثيقة الجمهورية السعي لتحقيق السلام في أوروبا أكثر من مرة، وتتعهّد منع نشوب الحرب العالمية الثالثة، وتقول إن الجمهوريين سيعملون "على تعزيز التحالفات من خلال ضمان وفاء حلفائنا بالتزاماتهم بشأن الاستثمار في دفاعنا المشترك، واستعادة السلام في أوروبا".

 

وفي هذه العبارة الأخيرة استعادة لما كان دونالد ترامب سعى له في فترته الأولى، وهو التزام الأوروبيين المساهمات المالية المفروضة عليهم في حلف الناتو، والمساهمة في موازنة الحلف بنسبة 2% من الناتج القومي لكل دولة.

 

الشرق الأوسط وإيران

تذكر وثيقة الحزب الجمهوري السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط أكثر من مرة، وتتعهّد "الوقوف إلى جانب إسرائيل". وتؤكد العمل "على إعادة بناء شبكة تحالفنا في المنطقة من أجل ضمان مستقبل من السلام والاستقرار والازدهار".

 

لم يرد في وثيقة الحزب الجمهوري أي شيء بخصوص التعامل مع إيران، ولم يتم ذكر "نفوذ إيران في منطقة الشرق الاوسط، أو برنامجها الصاروخي"، ولا حتى تم التطرق، من قريب أو بعيد، إلى البرنامج النووي الايراني.

 

وبعكس سائر مضامين السياسة الخارجية في الوثيقة، والتي اعتمدت السياق السابق نفسه، الذي مارسه خلال فترة حكمه الأولى، لم يتم إدراج أي شيء فيما يتعلق بسياسة "الضغوط القصوى"، التي مارسها ترامب في المنطقة في فترة ولايته الأولى، والتي أدّت إلى الانسحاب من الاتفاق النووي بطريقة أحادية، والتي ادّت إلى فرض قانون قيصر على سوريا وتحفيز التظاهرات والفوضى في كل من لبنان والعراق.

 

في النتيجة، تبدو ملامح فترة ترامب الثانية (في حال وصوله إلى البيت الأبيض) شبيهة، إلى حدّ بعيد، بسياسته الخارجية في فترة ولايته الأولى، أي التركيز على الحروب الاقتصادية بدلاً من العسكرية، وخصوصاً بشأن أولوية التهديد الصيني الاقتصادي، ومحاولة التفاهم مع الروس لإنهاء حرب أوكرانيا، وإحراج الأوروبيين وحلف الناتو ومطالبتهم بدفع ما عليهم، وإلا فتقويض التحالف... إلخ، باستثناء موضوع الشرق الأوسط، الذي لا يبدو أن ترامب يعتقد، فيما يتعلق به، إمكان النجاح في السياسة السابقة المتبعة، نتيجة سببين:

 

أ‌ - أن الضغوط القصوى لم تجلب إيران إلى الطاولة لتوقيع اتفاق جديد وفق شروط أفضل للأميركيين وتنازلات ايرانية أكبر، كما كان ترامب يتمنى.

 

ب ‌- أحداث 7  تشرين الأول/أكتوبر، وما تلاها من تغييرات استراتيجية في المنطقة، تجعل من الصعب الاستمرار في السياسات السابقة نفسها، بحيث إن الخسارات الاستراتيجية، التي مُنيت بها "إسرائيل"، والإبادة التي قامت بها في غزة، تجعل الاستثمار في عمليات التطبيع، كمنفذ وحيد إلى السلام، من دون جدوى.

  

2024/07/12

إيران: إسقاط 5 "أساطير" غربية

منذ شهر نيسان/أبريل عام 2024، كانت إيران مركزاً للعديد من الأخبار والتطورات والتحديات؛ ففي شهر نيسان/أبريل 2024، قام الإسرائيليون بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وردّ الإيرانيون بهجوم غير مسبوق بالطائرات المسيّرة والصواريخ على "إسرائيل"، ثم بعدها في أيار/مايو 2024، سقطت مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والتي كان يرافقه فيها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد من المسؤولين الإيرانيين. وبعدها حصلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أدّت إلى فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان بالرئاسة.

 

ولا شكّ في أن التطورات المتسارعة وحجم التحديات التي واجهتها إيران في أشهر قليلة غير مسبوقة. وقد أسقط التعامل الإيراني مع تلك التهديدات والتحديات العديد من "الأساطير الغربية" حول إيران، نذكر منها:

 

1الهجوم الإسرائيلي والردّ الإيراني

 

لطالما أوردت الدراسات الغربية البحثية والوسائل الإعلامية أن إيران تعتمد أساليب "الحروب بالوكالة"، لأنها "أكثر عجزاً من أن ترد بنفسها"، ولأن قدراتها العسكرية "متواضعة" نسبياً مقارنة مع "إسرائيل"، وبالتالي تخشى الدخول في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين ومع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، بحسب هؤلاء الباحثين في الشأن الإيراني.

 

وبعكس التوقعات، ردّت إيران على "إسرائيل" بهجوم غير مسبوق بالطائرات المسيّرة والصواريخ. وقد احتاجت الأخيرة إلى أن تستعين بعدد من القوى الغربية والعربية والقواعد الموجودة في المنطقة لحمايتها من ذلك الهجوم.

 

وهكذا، أسقطت إيران أول "أسطورة غربية" حول عدم جرأة إيران على الردّ أو الدخول في مواجهة مباشرة.

 

2النظام ضعيف ويمكن إسقاطه بالعقوبات والضغط الاقتصادي

 

الأسطورة الثانية تتجلى في التوقعات الغربية والأميركية خاصة، التي اعتبرت أن الضغط الاقتصادي على إيران وإعادة فرض العقوبات سيؤديان إلى تفكك النظام وسقوطه أو إضعافه بقوة، بحيث يمكن لتظاهرات أو احتجاجات في الداخل إسقاطه.

 

بعكس تلك التوقعات، عكست التطورات التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية أنَّ النظام الإيراني متماسك وصلب ويتمتع بالقدرة على التأقلم ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية.

 

3حظر ترشيح إصلاحي

 

قبل الانتخابات الحالية، ذكر الكثير من الأبحاث وتعليقات الخبراء الغربيين على الانتخابات الإيرانية أنه منذ ما سمي "الثورة الخضراء" في إيران، والتي حصلت عام 2009، وبعد الإقامة الجبرية التي فُرضت على بعض المعارضين الإصلاحيين، لا يمكن للنظام أن يسمح بوصول إصلاحي إلى قائمة المرشحين للرئاسة في إيران.

 

ولتأكيد ما سبق، يستشهدون بانتخابات عام 2021 التي لم يكن بين المرشحين أي اسم إصلاحي، ويعتبرون أن الرئيس الأسبق حسن روحاني لم يكن إصلاحياً فعلياً، بل اعتبر بعض الباحثين أنه "ليس إصلاحياً، بل من أدوات تمكين النظام".

 

وحين تمّ اختيار بزشكيان من ضمن لائحة المقبولين لخوض الانتخابات هذا العام، اعتبر هؤلاء الخبراء أن النظام "يجمّل نفسه" ويحتاج إلى زيادة نسب التصويت في الانتخابات فحسب، لكنه لن يسمح لإصلاحي بالفوز.

 

واقعياً، كانت النتيجة عكس كل التوقعات تلك.

 

4الإصلاحي سيتقرّب إلى الغرب ويتخلى عن روسيا

 

حالما أظهرت نتائج الانتخابات الإيرانية فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان، توقّع كثير من الخبراء حول إيران أن الرئيس الجديد وإدارته سوف يتقربون من الغرب، وبالتالي قد يتخلون عن الاتفاقيات التي كان الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي قد تفاوض بشأنها، ومن بينها اتفاقية مع روسيا كانت قد انتهى التفاوض بشأنها، ولم يتم توقيعها بعد.

 

وبعكس التوقعات تلك، وخلال اتصال تهنئة قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الإيراني المنتخب، أكد بزشكيان متابعة وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال عهد حكومة رئيسي، واصفاً التعاون الإيراني الروسي على صعيد المنظمات والاتفاقيات الدولية والإقليمية مثل شنغهاي وبريكس وأوراسيا بأنه مهم. وأكد بزشكيان: "لقد تم حسم الوثائق المتعلقة بخطة التعاون الشامل بين إيران وروسيا، ونحن مستعدون لتوقيعها على هامش قمة البريكس في روسيا".

 

5الرئيس الإصلاحي سيتخلى عن محور المقاومة

 

أيضاً، وكما في العلاقات مع روسيا، ساد لغط كثير حول علاقة الرئيس الإيراني الجديد بمحور المقاومة ودعم حزب الله، وتوقع كثيرون أن يكون هناك خلاف بين الرئيس الإيراني والحرس الثوري الإيراني حول هذه القضايا.

 

ودحضاً لتلك الأقاويل، ومباشرة بعد انتخابه رئيساً، قام الرئيس الإيراني بزشكيان بإرسال رسالة إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، أكد فيها أن "جمهورية إيران الإسلامية لطالما دعمت صمود ومقاومة الشعوب الإقليمية في مواجهة الكيان الصهيوني اللاشرعي"، مضيفاً أن "نهج الدفاع عن المقاومة متجذّر في السياسات المبدئية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية... وسوف يتواصل هذا النهج بقوة".

 

في المحصلة، أسقطت إيران خلال أشهر قليلة الكثير من الأساطير الغربية، وأثبتت فشل العديد من المحللين في فهم إيران من الداخل، وفي قدرة النظام والشعب الإيراني على التكيّف مع المخاطر والتحديات.

  

2024/07/04

فرنسا-العالم العربي: ماذا لو وصل اليمين المتشدّد إلى السلطة؟

تصدّر "التجمّع الوطني" (اليمين المتطرّف) الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، محقّقاً نتائج تاريخية، بعدما حصد نحو 33% من الأصوات، وحلّت "الجبهة الشعبية الجديدة"، المكوّنة من ائتلاف الأحزاب اليسارية، في المرتبة الثانية، بتحقيقها نحو 28% من الأصوات، ليحلّ معسكر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في المرتبة الثالثة، بنسبة 22% فقط.

 

لا شكّ أنّ العالم العربي يراقب تلك الانتخابات، لما لفرنسا من علاقات تاريخية مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبسبب وجود جاليات عربية في فرنسا تواجهها مشكلات بسبب تزايد العنصرية والإسلاموفوبيا.

 

 وقد يكون من المفيد النظر إلى ما يمكن أن يتأتى من تغيير للسياسات الفرنسية في حال وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة وتأثيرها على بعض القضايا العربية التي أبدى المرشّحون الفرنسيون وجهات نظرهم حولها، على الشكل الآتي:

 

الجزائر

لعل البلد العربيّ الأكثر تأثّراً بوصول اليمين الفرنسي المتشدّد إلى السلطة، قد يكون الجزائر. فقد ازدادت العلاقات الثنائية بين البلدين توتراً مع وصول إيمانويل ماكرون إلى الحكم. ولا يمكن تصوّر أن تشهد العلاقات أيّ انفراج مع وصول اليمين المتشدّد، خاصة وأن الحزب اليميني المتطرّف نشأ بالأساس مع جان ماري لوبان، صاحب شعار "الجزائر فرنسية".

 

وكان لوبان الأب (مؤسس الحزب) والذي تطوّع برتبة ملازم في فوج المظليّين بالخارج قد اتهم بارتكاب أعمال تعذيب خلال وجوده في الجزائر لمدة 6 أشهر عام 1957. ولم ينفِ لوبان الأمر بل قال في مقابلة مع صحيفة (Combat) عام 1962 "لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأنّ القيام بذلك كان ضرورياً".

 

وبالإضافة إلى رمزية عائلة لوبان في التاريخ الجزائري، فإنّ أمراً آخر قد يعكّر صفو العلاقات الثنائية، وهو اتفاقية 1968، خاصة بعدما أعلن الحزب اليمني سابقاً نيّته طرح إلغائها، وإلغاء امتيازات المهاجرين الجزائريّين، والتي تشمل تسهيل دخولهم إلى فرنسا وممارسة المهن والأعمال وسهولة الحصول على تصاريح إقامة طويلة الأمد (10 سنوات) إلخ.

 

فلسطين

لن تتبدّل النظرة الفرنسية كثيراً تجاه القضية الفلسطينية بين ماكرون والحزب اليميني. وعلى الرغم من أن اليمين المتشدّد أعلن تأييده لـ "إسرائيل"، لكن لا ننسى أيضاً أن هذا ما أعلنه ماكرون أيضاً وبالغ به في أول زيارة له إلى "إسرائيل" بعد أحداث الـ 7 من تشرين الأول/ أكتوبر.

 

فقط الأحزاب اليسارية وأهمّها حزب "فرنسا الأبيّة" هي من دعمت الفلسطينيين علناً، وطالبت بالاعتراف بدولة فلسطينية الآن، بينما رفض كلٌ من ماكرون واليمين المتشدّد الاعتراف بدولة فلسطينية في هذا الوقت.

 

 سوريا

منذ أواخر عهد جاك شيراك توترت العلاقة بين الفرنسيّين والحكم في سوريا، وساهم الرؤساء الفرنسيون المتعاقبون بتزكية الصراع في سوريا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، كما قامت فرنسا باستضافة بعض أفراد المعارضة السورية، وفتح القضاء الفرنسي تحقيقاً بمزاعم ارتكاب الرئيس السوري جرائم حرب في سوريا.

 

على عكس الرؤساء السابقين وعلى عكس سياسة ماكرون الملتزمة بالموقف الأميركي، ينظر اليمين المتشدّد بإيجابية إلى الانفتاح على الحكم في سوريا، ويتحدّث صراحة عن ضرورة عودة العلاقات الأوروبية والفرنسية مع سوريا، ويؤيّد تسهيل إعادة اللاجئين، وهو ما عبّر عنه نائب الحزب في الاتحاد الأوروبي، فيليب ماريني، الذي زار دمشق مرات عديدة.

 

أما اليسار الفرنسي فمواقفه متناقضة نوعاً ما، ويُعتقد أنه سيعتمد سياسة الاتحاد الأوروبي نفسها تجاه سوريا، ومن المتوقّع ألّا تكون هناك جرأة على قيادة التغيير في ما خصّ العلاقة مع سوريا.

 

 لبنان

بشكل عامّ، أظهرت جميع القوى السياسية الفرنسية اهتماماً بلبنان، وكانت زعيمة حزب التجمّع الوطني مارين لوبان، قد زارت لبنان في وقت سابق عام 2017 والتقت الرئيسين عون والحريري، وأبدت تضامنها مع اللبنانيين. وكان رئيس الحزب الحالي جوردان بارديلا قال في وقت سابق "إن السياسة الفرنسية يجب أن تدعم الشباب اللبناني وطموحه للتغيير".

 

أما الموقف من الحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية، فكان زعيم الحزب اليساري "فرنسا الأبيّة"، جان لوك ميلونشون، قد ردّ على التهديد الإسرائيلي للبنان في كلمة له أمام أنصاره، قائلاً "لو كنت رئيساً لفرنسا، لقلت للإسرائيليين لا تلمسوا لبنان".

 

أما التجمّع الوطني اليميني والذي لديه علاقات جيدة مع "إسرائيل"، فمن المتوقّع أن يحافظ  على سياسة ماكرون في التوازن بين علاقاته مع كلّ من لبنان و"إسرائيل"، علماً أن زعيمة الحزب وخلال ترشّحها للانتخابات عام 2022، قالت "لبنان عزيز على قلبي، وأنوي جعله من أولويات سياستي في الشرق الأوسط"، وأضافت: أنّ "الحلّ يكون عبر حديث أوضح مع إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران، حول الثمن الذي نوليه لسيادة لبنان ولضرورة حرية لبنان لاستقرار الشرق الأوسط"، معتبرة أنّ "هذا الثمن الذي نوليه لاستقلال لبنان وحريته، ليس على حساب صداقتنا مع إسرائيل".

 

وهكذا، نتوقّع أنه في حال وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة، فإن السياسة الخارجية الفرنسية فيما يخصّ لبنان وفلسطين ستبقى كما هي الآن مع الرئيس ماكرون، مع استثناء وحيد هو قيام اليمين بدعم الدعوات اللبنانية الداعية إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والتقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد.