وقّع الرئيس الأميركي
جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 13 حزيران/يونيو 2024 اتفاقية
أمنية ثنائية مدتها 10 سنوات، ستقوم بتوفير إطار للدعم الأميركي الذي ستقدمه
الولايات المتحدة لـ"قدرات الدفاع والردع الأوكرانية"، فضلاً عن
"التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في أوكرانيا".
وتركّز الاتفاقية على
تعزيز وتعميق التعاون الأمني والدفاعي والاقتصادي والتجاري بين الولايات المتحدة
وأوكرانيا، وذلك من خلال قيام الأميركيين بتطوير القوات الأوكرانية لتتماشى مع
معايير حلف شمال الأطلسي وتمكين أوكرانيا من تطوير قوة عسكرية حديثة في المستقبل،
وتبادل المعلومات الاستخبارية وتطوير التجسس والأمن السيبراني، وزيادة القاعدة
الصناعية الدفاعية في أوكرانيا، وتطوير نظام طاقة أوكراني لامركزي متكامل مع
أوروبا، وغير ذلك من التزام الولايات المتحدة بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن أمنها.
ويذكر موقع وزارة
الخارجية الأميركية أن "الاتفاق يعزز هدفنا المتمثل في أوكرانيا آمنة وذات
سيادة ومستقلة ومتكاملة مع المجتمع الأوروبي الأطلسي وقادرة عسكرياً على هزيمة
العدوان الروسي الآن وردعه في المستقبل".
وبالرغم من أن الإعلام
الغربي والبيت الأبيض صوّر هذه الاتفاقية كأنها إنجاز كبير في مسار الدفاع عن
أوكرانيا والالتزام الأميركي بأمنها، فإنَّ الاتفاقية بشكلها الحالي لا يمكن
اعتبارها سوى مجرد قوننة للعلاقات الدفاعية بين إدارة بايدن وأوكرانيا، وذلك على
الشكل التالي:
1- ليست معاهدة دفاع مشترك بل مساعدة دفاعية
تتضمَّن الاتفاقية
نصوص تمت الاشارة إليها خطاً كأنها نصوص اتفاقية دفاع مشترك شبيهة بالمادة 5 من
اتفاقية منظمة حلف شمالي الأطلسي، والتي توجب الدفاع الجماعي المشترك عن أي دولة
تتعرض للتهديد أو العدوان.
في الواقع، يشير نص
الاتفاقية الأمنية الثنائية بين أوكرانيا والولايات المتحدة (المادة 2) إلى أن
المسؤولين الأميركيين والأوكرانيين سيجتمعون في غضون 24 ساعة في حالة وقوع هجوم
مسلح (أو التهديد به) على أوكرانيا، لتطوير استراتيجية للردّ وتحديد احتياجات
أوكرانيا من الدعم الدفاعي.
لا تتضمن الأطر
الدفاعية المذكورة في تلك المادة أي التزام أكيد من جانب الولايات المتحدة بتوفير
قوات أميركية عسكرية للدفاع عن أوكرانيا أو التزام بدفاع جماعي، كما هي اتفاقية
الناتو، بل تشير إلى مساعدة اقتصادية وعسكرية وعقوبات اقتصادية وتبادل استخباري...
2- اتفاقية غير ملزمة
بالرغم من أهمية
الاتفاقية لكل من إدارة الرئيس جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي،
فإنَّ عدم عرض تلك الاتفاقية على الكونغرس الأميركي للتصديق عليها يجعلها غير
ملزمة إلا للإدارة الأميركية التي تريد الالتزام بها، ويمكن لأي رئيس قادم، سواء
كان دونالد ترامب أو سواه، أن ينسحب من تلك الاتفاقية بقرار منفرد منه.
وبالرغم من أن
الاتفاقية (المادة 9) تنص على "تسجيلها لدى الأمم المتحدة وفقاً للمادة 102
من ميثاق الأمم المتحدة في غضون 60 يوماً من دخولها حيز التنفيذ"، فإنَّ
تسجيلها لا يعني أنها ستكون ملزمة لأي رئيس أميركي مستقبلي لا يريد الالتزام بها
أو يجد أن الالتزام غير ذي جدوى.
وانطلاقاً من إدراك
الأميركيين هذه المسلمة، ورد في الاتفاقية (المادة 7) أنه "لا يجوز حلّ أي
اختلاف في وجهات النظر أو نزاعات تتعلق بتفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية إلا من خلال
التشاور بين الطرفين، ولا يجوز إحالتها إلى أي محكمة وطنية أو دولية أو هيئة تحكيم
أو أي هيئة مماثلة أخرى أو أي طرف ثالث للتسوية"، وتضيف أن تنفيذ الأنشطة
"مرهون بتوافر الأموال لذلك" (المادة نفسها).
كما تورد الاتفاقية في
المادة 11 أنه "يجوز لأي طرف إنهاء هذه الاتفاقية عن طريق تقديم إشعار مكتوب
عبر القنوات الدبلوماسية للطرف الآخر بنيته إنهاء هذه الاتفاقية. ويدخل الإنهاء
حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من تاريخ هذا الإشعار".
في المحصلة، تعد هذه
الاتفاقية الأمنية الثنائية مجرد قوننة لما هو قائم فعلياً وما يتم تنفيذه من دعم
عسكري أميركي وأطلسي لأوكرانيا في حربها مع روسيا، مع العلم أن عدداً من الدول
الحليفة للولايات المتحدة، ومنها بعض الدول الخليجية، سارعت إلى إبداء رغبتها في
توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، لكن يبقى الأمر من دون فائدة
حقيقية، إذا لم تنص المعاهدة على ما يشبه المادة 5 من اتفاقية "منظمة حلف شمالي
الأطلسي"، ولم يقرّها الكونغرس الأميركي لتتمتع بالديمومة والاستمرارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق