قُتل وأُصيب عشرات الفلسطينيين في قصف إسرائيلي لخيام النازحين
قرب مقر الاونروا في رفح، جنوبي قطاع غزة، في منطقة كانت "إسرائيل" أعلنت
أنها منطقة آمنة، بينما ادعى "الجيش" الإسرائيلي، في بيان، "أنه تم
تنفيذ الضربة ضد أهداف مشروعة بموجب القانون الدولي، من خلال استخدام ذخائر محددة،
وعلى أساس معلومات استخبارية دقيقة، تشير إلى استخدام حماس للمنطقة".
وتتزامن تلك المجزرة المروّعة لخيم النازحين مع إعلان محكمة
العدل الدولية قرارها، ومفاده أنه يتعين على "إسرائيل" أن توقف "على
الفور" هجومها العسكري أو أي أعمال أخرى في رفح، مشيرة إلى "الخطر المباشر"
على الشعب الفلسطيني.
كما أمرت المحكمة "إسرائيل" بفتح معبر رفح لدخول
المساعدات الإنسانية للقطاع، إلى جانب ضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن
تهمة الإبادة الجماعية، على أن تقدّم "إسرائيل" إلى المحكمة، خلال شهر، تقريراً
عن الخطوات التي ستتخذها.
وعلى الرغم من أن القرار، في الإجمال، يُعَدّ انتصاراً
للقانون الدولي وآلياته القضائية، فإن الاطلاع على نص القرار الذي أصدرته محكمة العدل
الدولية، يشير الى التباس، يبدو مقصوداً، في النص، شبيه بالالتباس الذي ورد في نص القرار
242، وهو التباس كان مقصوداً حينها، بحيث اتفق عليه المندوبان البريطاني والأميركي
في الأمم المتحدة، عندما صدر القرار بلغة ملتبسة استغلتها "إسرائيل" لتبرير
عدم انسحابها من الأراضي العربية المحتلة في حزيران/يونيو 1967، بحيث أُشير في الصيغة
الإنكليزية إلى "انسحاب إسرائيل من أراضٍ"، بينما تضمّن النص الفرنسي عبارة
"انسحاب إسرائيل من الأراضي".
وفي السياق نفسه، تضمّن قرار محكمة العدل الدولية الأخير
نصاً ملتبساً، استغلته "إسرائيل" وداعموها ليدّعوا أن النص لا يمنعها من
استمرار عملياتها في رفح، وذلك على الشكل التالي:
في الفقرة الـ 50 من نص القرار، تقول المحكمة حرفياً:
"ترى المحكمة أنه، وفقاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، يجب على
إسرائيل أن توقف فوراً هجومها العسكري، وأي عمل آخر في محافظة رفح، قد يفرض على المجموعة
الفلسطينية في غزة ظروفاً معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي، كلياً أو جزئياً".
1- التفسير القانوني
الداعم لـ"إسرائيل"
بحسب تفسير القانونيين الداعمين لـ"إسرائيل"،
فإن النص لم يطلب إلى "إسرائيل" وقف جميع العمليات العسكرية في رفح، بل طلب
فقط وقف العمليات العسكرية التي تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية،
والتي يمكن أن تتسبب بظروف يمكن أن تؤدي الى تدمير "الجماعة الفلسطينية"،
كلياً أو جزئياً.
ويتذرع هؤلاء بمقارنة هذا النص بالنص الذي صدر عن المحكمة
نفسها في قضية "أوكرانيا ضد روسيا"، بحيث صدر ذلك النص أكثر وضوحاً وشمولاً،
عبر قوله: "يجب على الاتحاد الروسي أن يعلق فوراً العمليات العسكرية، التي بدأها
في 24 فبراير 2022 في أراضي أوكرانيا".
وفي تعليقهم على القرار، أيد بعض القضاة في المحكمة هذا
التفسير، مؤكدين أن القرار يطلب إلى "إسرائيل" وقف العمليات التي تؤدي إلى
إهلاك "الجماعة الفلسطينية"، كلياً أو جزئياً، وليس كل العمليات. وقال هؤلاء،
في تعقيبهم على القرار، إن العبارة "قد يفرض على المجموعة الفلسطينية في غزة ظروفاً
معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي، كلياً أو جزئياً"، هي عبارة تفسيرية
للجزء الاول والجزء الثاني من النص، وليست مرتبطة حصراً بالجزء الثاني (أي عمل).
2- التفسير القانوني
المضاد
هو التفسير الذي يفصل الفقرتين، إحداهما عن الأخرى، ويرى
أن المحكمة أمرت "إسرائيل" بـ"وقف هجومها العسكري"، بالإضافة إلى
"الامتناع عن أي عمل في رفح قد يؤدي الى إهلاك الجماعة الفلسطينية، كلياً أو جزئياً"،
بمعنى أن المحكمة أرادت توسيع نطاق "أي عمل" (بحيث إنها لم تقم بتعريفه أو
تحديده). ولعله يمكن أن يكون عملاً عسكرياً، أو الحصار، أو منع وصول المساعدات، أو
التسبب بظروف إنسانية قد تؤدي إلى إهلاك الفلسطينيين... إلخ.
ويشير بعض القضاة الآخرين، في تفسيرهم للقرار، إلى أن المحكمة
أمرت "إسرائيل" بـ"وقف عملياتها الهجومية في رفح"، وأن الإشارة
إلى كلمة "الهجومية" هو لـ"إعطاء حق لإسرائيل في الدفاع" في حال
تعرضت لهجوم، وذلك ضمن مبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعدها، واحترام الالتزامات
المفروضة على الدول بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
3- مواقف الدول والاستغلال
الإسرائيلي
يبدو، من مراجعة مواقف الدول، أن الأغلبية العظمى من الدول
اعتمدت التفسير الثاني ورحّبت به. في المقابل، قامت "إسرائيل" باستخدام نص
القرار الملتبس، واستعلت التفسيرين المرتبطين به، لتبرير العدوان وإبادة الفلسطينيين
في غزة.
في بياناتهم الرسمية، استند الإسرائيليون إلى ما يعطيهم
إياه التفسير الثاني للادعاء أنهم يقومون بـ"عملية دفاعية عادلة"، وأنهم
سيواصلون السماح بدخول المساعدات لقطاع غزة "على نحو يتفق مع القانون".
لكنهم، في المقابل، استخدموا التفسير الأول لتبرير مواصلة
هجومهم العسكري على رفح، مؤكدين أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح لم ولن
"تؤدي إلى هلاك السكان المدنيين الفلسطينيين". وفي بيان آخر، تمّ الادعاء
أن "إسرائيل لا تعتزم ولن تنفذ عمليات عسكرية في منطقة رفح تؤدي إلى ظروف معيشية
يمكن أن تتسبب بتدمير السكان المدنيين الفلسطينيين، سواء في شكل كامل او جزئي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق