أعلنت هيئة البث الإسرائيلية في 22 كانون الأول/ديسمبر، استعداد "الجيش الاسرائيلي" للانتقال إلى "المرحلة الثالثة" من الحرب على قطاع غزة، والتي "تشمل إنهاء المناورة البرية في القطاع، وتخفيض القوات، وتسريح القوات الاحتياطية، واللجوء إلى الغارات الجوية، وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة".
ويقول الاسرائيلي أنه يهدف من خلال هذه المرحلة الى إقامة منطقة عازلة على أطراف قطاع غزة، في ظل تراجع الاسرائيلي عن أهدافه السابقة بالقضاء على حركة حماس، واستعادة الرهائن الاسرائيليين بالقوة، واعادة احتلال القطاع.
ولا شكّ أن ما تشهده المنطقة على مختلف الجبهات من غزة الى لبنان الى اليمن والعراق، يأتي تطبيقاً لهذه المرحلة الثالثة، والتي فرضتها ظروف معينة أبرزها:
1- تخفيف الخسائر التي تتعرض لها اسرائيل ميدانياً في غزة، في ظل عدم قدرتها على تحقيق أي إنجاز عسكري يحسب لها لتستغله في فرض أمر واقع تستفيد منه في تسوية ما بعد الحرب.
ففي الخسائر الميدانية، تشير إحصاءات الجيش الإسرائيلي إلى إصابة ما يقارب 800 ضابطاً وجندياً، منذ بدء التوغل البري بالقطاع في 27 أكتوبر/تشرين الأول، فيما قدرت وسائل إعلام إسرائيلية عدد الجرحى في صفوف الجيش بأكثر من 5 آلاف.
2- تخفيف خسائر الاقتصاد الإسرائيلي
بعد قرار اسرائيل سحب لواء غولاني من غزة بعد 70 يوماً من القتال تكبد فيها "خسائر كبيرة" بحسب وسائل اعلام اسرائيلية، تم الإعلان عن سحب خمس ألوية أخرى تباينت الصحف الاسرائيلية في تفسيرها.
قالت بعض وسائل الإعلام الاسرائيلية أن سحب الألوية الخمس جاء بهدف انقاذ الاقتصاد الاسرائيلي عبر إعادة جنود الاحتياط الى العمل في ظل خشية اسرائيلية من انهيار الاقتصاد. بينما أشار البعض الآخر الى أن سحب تلك الألوية هدفه التحشيد على الحدود مع لبنان تمهيداً لتوسّع الحرب واجبار حزب الله على الابتعاد عن الحدود، لطمأنة المستوطنين واعادتهم الى مستوطناتهم.
3- التخفيف من الخسائر الاستراتيجية:
تسعى الولايات المتحدة الأميركية الى تجنيب اسرائيل مزيداً من الخسائر الاستراتيجية – كما وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن- الذي قال أن اسرائيل تخسر استراتيجياً بعد تراجع الدعم الدولي لها بسبب ارتفاع الضحايا المدنيين في غزة بشكل غير مسبوق.
هذا على صعيد قطاع غزة، أما في الاقليم فتتجلى المرحلة الثالثة بتصعيد متدرج في المنطقة، بدأ بتنفيذ اغتيالات متنقلة من غزة الى لبنان الى العراق، بالاضافة الى التصعيد الأميركي ضد أنصار الله في البحر الأحمر.
وفي خضم هذا المشهد المتفجّر تأتي زيارة المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط عاموس هوكشتاين الى المنطقة، لبحث ما قيل أنه "تسوية أميركية" تسعى للتمهيد لمرحلة ما بعد الحرب، وبحث انسحاب اسرائيلي من الأراضي اللبنانية مقابل تطبيق القرار 1701.
كيف يُمكن أن تُفهم هذه الزيارة في بيروت؟
1- الضمانات الاميركية وانعدام الثقة
بالرغم من نجاح وساطة هوكشتاين السابقة في بيروت وتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، فإن تلك التجربة تشير الى انعدام الثقة لدى اللبنانيين في الضمانات الدولية لأي اتفاق.
بدأت مهمة هوكشتاين السابقة حيث انتهت مهمة سلفه ديفد شينكر، الذي كان قد ربط حلّ الازمة الاقتصادية في لبنان بموافقة لبنان على "التصور الأميركي للحل" التي- برأيه- ستمكّن اللبنانيين من الاستفادة من الغاز في المتوسط. وكسلفه، نصح هوكشتاين اللبنانيين بأن "يقبلوا بأي شيء، لأنهم لا يملكون شيئاً".
بعدها، دفعت تهديدات المقاومة بقصف منصات الغاز في كاريش الى تواضع المفاوض الاميركي، والقبول بإعطاء لبنان حقل قانا، وضمانات بالسماح بالتنقيب عن الغاز في مياهه. لكن، ما أن بدأت حرب غزة، حتى انسحبت توتال من التنقيب بدون تقرير رسمي حول اسباب الانسحاب أو تبرير لمخالفة شروط العقد مع لبنان، وسقطت الضمانات الدولية السابقة.
التجربة السابقة لا تبدو مشجعة للبنان، لأخذ الضمانات الدولية على محمل الجد خاصة في ما يتعلق باسرائيل. لذا، يجب على المفاوض الأميركي الحديث عن إجراءات ثقة قبل الحديث عن تسوية في ما خص الحدود البرية اللبنانية التي تحتلها إسرائيل.
2-الاميركيون جزء من الحرب
بالرغم من أن الولايات المتحدة تسوّق نفسها بصيغة مفاوض بين لبنان واسرائيل، إلا أن المعروف أن الأميركيين هم جزء من الحرب الاسرائيلية الحالية، عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
وهكذا، إن ما يمكن أن يأتي به هوكشتاين من أفكار الى لبنان سوف يًنظر اليها بأنها أما لضبط ردّ حزب الله على اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية، وهو ما لن يقبل به حزب الله، لأنه سيغري اسرائيل بتكرار عدوانها على لبنان، واغتيال قادة من الحزب في عمق بيروت فيما بعد.
أما الأمر الثاني، والذي فاتح به هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين في وقت سابق، وهو انسحاب اسرائيل من المناطق المحتلة اللبنانية مقابل تطبيق القرار 1701، وهذا يعني بالمفهوم الأميركي انسحاب حزب الله الى ما بعد شمال الليطاني.
هذه المهمة المكلف بها هوكشتاين في بيروت، تبدو وكأنها تريد أن تعطي اسرائيل في السياسة والمفاوضات ما لم تحصل عليه بالحرب. وعليه، واذا صح ما تمّ تسريبه، فتكون أهداف الزيارة جزءًا من المرحلة الثالثة الاسرائيلية التحضيرية لرسم مرحلة "اليوم التالي" للحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق