يشهد لبنان حرباً نفسية اسرائيلية مستمرة منذ ما قبل أحداث 7 تشرين الأول/ اكتوبر، إذ لطالما هدد الاسرائيلي لبنان بإعادته الى العصر الحجري، ثم بعد حرب غزة، بدأ الاسرائيليون يطلقون التهديدات بتحويل لبنان الى غزة ثانية.
ومع بدء البحث الاسرائيلي عن مرحلة ما بعد الحرب أو ما يطلق عليه اسم "اليوم التالي"، بدأت التصريحات الاسرائيلية تتدرج في الحرب النفسية والدعاية السياسية حيث قال وزير الأمن يوآف غالانت خلال زيارته للحدود مع لبنان، قال أن اسرائيل لن تسمح "بالعودة لوضعية 6 تشرين الاول / اكتوبر على الحدود مع لبنان. وقال ان حزب الله مردوع، وأن الجيش الاسرائيلي استطاع إبعاد حزب الله عن الحدود!. وأكّد غالانت أنهم سيواصلون العمل حتى عودة السكّان على الحدود مع لبنان إلى منازلهم عبر أحد أمرين: أما بالتفاوض واسرائيل معنيّة به، أو عسكريا ًعبر شنّ حرب على لبنان.
وفي تصريح غالانت والمسؤولين الاسرائيليين الآخرين، نشهد تزايد الحرب النفسية على لبنان، والكثير من كذب الدعاية السياسية الاسرائيلية، ونوجزها بما يلي:
1- الحرب النفسية: الأهداف الاسرائيلية
تعتبر الحرب النفسية من أخطر الحروب؛ وقد اعتبر نابليون بونابرت أن حرب العقول أقوى من حروب الأسلحة، إذ إن "هناك قوتان فقط بالعالم: العقل والسيف؛ وعلى المدى الطويل؛ العقل دائمًا ما ينتصر على السيف".
تفيد الدراسات التاريخية أن الحرب النفسية هي وسيلة قديمة قدم التاريخ، فقد أظهرت الاستكشافات الأثرية في المكسيك؛ صافرة صغيرة الحجم على شكل جمجمة إنسان تقوم بإصدار صوت غريب ومخيف تقشعر له الأبدان؛ صوتٌ تمّ وصفه من الخبراء بأنه يشبه صوت 100 إنسان يصرخ؛ وفسر العلماء أن تلك الصافرة هي واحدة من أهم أدوات الحرب النفسية لدى حضارة الأزتك؛ لأنهم كانوا يقومون بالصفير بها قبل مواجهة أعدائهم؛ لبثِّ الرعب في قلوبهم.
أما في الصين القديمة، فقد اعتمد أحد الملوك (جوجيان) على خطة مخيفة تعتمد على الانتحاريين. تلك الحرب النفسية ينفذها الصف الأول من جنوده أمام جيش العدو في أرض المعركة؛ حيث يقومون بذبح أنفسهم وقطع رقابهم بأيديهم؛ الأمر الذي يسبب الصدمة والرعب في قلب جيش العدو؛ ويهجم جيش الملك جوجيان قبل أن يفهم جيش العدو ما يحدث، وعلى الرغم من بعض الأقاويل التي قيلت عن الصفّ الأول الذي يتم التضحية به في كل حرب؛ وأنه يتكون من المجرمين وقطاع الطرق؛ إلا أنّ الصدمة كانت تتملك من أعدائه في كل مرة؛ ويصبّ هذا لصالحه بالانتصار .
تعرّف الحرب النفسية بأنها ممارسة التأثير النفسي بغرض تقوية الروح المعنوية لشعب الدولة وتدعيمها في مقابل تحطيم الروح المعنوية لشعب العدو بحيث يفقد الثقة، ويتخلى عن الأمل، ويتملك منه الخوف فلا يقاتل ولا يقاوم.
أما أهداف الحرب النفسية التي تشنّها اسرائيل على لبنان فيمكن إيجازها بما يلي:
- إقناع اللبنانيين بأن لا جدوى من المقاومة التي تجرّ لبنان الى الحرب والدمار.
- إضعاف الروح المعنوية العالية لدى البيئة المؤيدة للمقاومة في المناطق الجنوبية المحلية ودفعها الى العمل ضد حزب الله أو منعه من المقاومة.
- رفع المعنويات وسط صفوف الاسرائيليين خاصة في المستوطنات المحاذية للبنان.
- خلق جوٍّ عام من النزاع الداخلي في لبنان وإحداث فتنة بين الطوائف والمجموعات اللبنانية.
2- الدعاية السياسية الاسرائيلية: استراتيجية "الكذبة الكبرى"
وتترافق الدعاية السياسية مع الحرب النفسية، حيث تقوم الدول خلالها بإظهار قوتها وتسويق نفسها وأفكارها. وفي مجال الاستراتيجيات الدعائية الحربية يمكن أن نميّز بين نوعين من الاستراتيجيات: الاستراتيجية الموضوعية أو استراتيجية الحقيقة Strategy of Truth واستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie.
ولقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجية الاخيرة بفعالية معتمدًا الفكرة التي عرضها هتلر في كتابه "كفاحي" وهي أن الكذبة إذا كانت كذبة كبرى وتمّ تردادها بشكل مكثف فسوف تصدقها الجماهير تصديقًا جزئيًا على الأقل، إذ إن أكثر الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترديد تصريحات ما لا يعني صحتها.
ومنذ حرب تموز، والآن خلال حرب غزة، يُلاحظ أن الاسرائيلي يعتمد على الاستراتيجية الثانية بينما يعتمد حزب الله الاستراتيجية الاولى. ففي خلال حرب تموز، كان الاسرائيليون يصدقون الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من زعمائهم أو المتحدثين الرسميين الإسرائيليين، بحسب دراسة أكاديمية نشرت في جامعة بن غوريون. وفي هذا الاطار، قال المحاضر في علم النفس (اودي ليبل):" لم تكن لدى الإسرائيليين زعامات في تلك الحرب، بينما نصرالله هو الذي كان يتحدث بصدق عما يجري وأين جنود الجيش الإسرائيلي وأين تسقط الصواريخ وإلى أين تتجه العملية الخ.
وفي إطار الفرق بين الاستراتيجيتين، يمكن أن نفهم حديث غالانت الأخير أن اسرائيل استطاعت إبعاد حزب الله عن الحدود، بالرغم من أن الحزب ما زال يطلق النار ويستهدف المواقع الاسرائيلية المنتشرة على الحدود مع لبنان. ويمكن أن ندرك أيضاً من خلال مراقبة كيف تقوم اسرائيل بإخفاء عدد قتلاها وتخفيض أعدادهم بينما يقوم حزب الله بنشر أسماء شهدائه والافتخار بهم معتمداً الاستراتيجية الأولى، بينما تعتمد اسرائيل الاستراتيجية الثانية.