خلال قمة العشرين في نيودلهي هذا العام، تمّ التوقيع
على اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي
وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، لإقامة ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا
مستخدماً الموانئ الاسرائيلية.
هذا الاتفاق هو تطوير وتوسيع إطار اتفاق سابق عقدته
إدارة بايدن مع كل من الهند والامارات و"اسرائيل"، اعلن عنه باسم I2U2: ، ويهدف الى تطوير البنية التحتية وتنمية
التبادلات التجارية بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط، ويضم مشروع إقامة سكك
حديدية.
وجاء في وثيقة نشرتها إدارة بايدن أن إعلان
"الممر" الكبير بين الهند وأوروبا، هو "حقبة جديدة متصلة عبر شبكة
سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا". والهدف هو إنشاء
"عقد تجاري"، مع "تشجيع تطوير وتصدير الطاقة النظيفة". وأكدت
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنّ المشروع "أكبر بكثير من
مجرّد سكك حديد أو كابلات"، مشيرة إلى "جسر أخضر ورقمي بين القارات
والحضارات".
واقعياً، استطاعت الصين أن تجذب الولايات المتحدة
الأميركية الى منازلة في الشرق الأوسط في ساحة تمتلك فيها الصين نقاط قوة لا
يستهان بها:
- عززت الصين
صعودها الاقتصادي والدبلوماسي في العالم عبر اعتماد استراتيجية "المنفعة
المتبادلة" التي تعتمد على تعزيز الشراكات الاقتصادية وتحفيز التنمية
والاستثمار في البنى التحتية. وقد اندفعت الصين لزيادة نفوذها ومواجهة نفوذ
الولايات المتحدة خارج اقليمها الجغرافي المباشر، وخاصة في الشرق الاوسط وافريقيا
وسواها.
- منذ عام 2020،
بدأت الدعوات الصينية الى "إعادة تشكيل هيكل الأمن الإقليمي" في منطقة
الخليج، وقدمت لأجل ذلك مشروعاً طرحته في مجلس الامن الدولي، لتحقيق الأمن
والاستقرار في منطقة الخليج يسعى الى تأطير جهود دولية متعددة الأطراف، تؤدي الى
أن تصبح المنطقة "واحة من الأمن".
- ومنذ ذلك الحين،
استمرت المبادرات الصينية لتحقيق الاستقرار وتعزيز نفوذها في المنطقة، وكان منها
زيارة الرئيس الصيني الى السعودية في نهاية عام 2022، والتي توجّها بعقد اتفاقيات
تجارية واقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وترقية العلاقات السعودية الصينية
الى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وأخيراً، رعاية مصالحة تاريخية بين كل من
السعودية وايران في بكين في آذار/مارس من عام 2023.
- وفقًا للفهم
الصيني للمنطقة، فإن إيران والمملكة العربية السعودية هما "دولتان
محوريتان" تجعلهما قوتهما السياسية والاقتصادية والعسكرية شريكين لا غنى
عنهما لبكين. بالنسبة لكلا البلدين، تعد الصين أكبر شريك تجاري، علماً أن مستويات
التجارة والتعاون الصيني السعودي تعدّ أكبر من الشراكات الصينية الايرانية بالرغم
من التقارب السياسي بين الدولتين. ففي حين بلغت التجارة الصينية السعودية 87 مليار
دولار في عام 2021، بلغت التجارة الثنائية بين إيران والصين 16 مليار دولار
تقريباً في نفس العام.
- أدت الاندفاعة
الصينية السياسية والدبلوماسية والتجارية تجاه المنطقة، وتعزيز شراكاتها مع حلفاء
الولايات المتحدة الأساسيين الى أن يضطر الأميركيون الى تغيير أدوات تدخلهم
التقليدية في الشرق الاوسط.
بعد مسار من الاستراتيجية الأميركية القائمة على
التدخل العسكري المباشر واستخدام القوة الصلبة، ثم اعتماد استراتيجية "تغيير
الأنظمة" في الشرق الاوسط، تتجه الاستراتيجية الأميركية في المنطقة اليوم،
الى استخدام البدائل الاقتصادية وتحفيز مشاريع التنمية والاستثمارات والابتعاد عن
سياسة "الاستثمار في الفوضى" التي اعتمدتها الادارات الأميركية
المتعاقبة منذ جورج بوش الى اوباما وترامب.
وهكذا، تقوم استراتيجية إدارة بايدن في منطقة الشرق
الاوسط على تعزيز الشراكات واعتماد الدبلوماسية، والاهم طرح مشاريع
اقتصادية-استثمارية- تنموية كبدائل عن المشاريع الصينية، ومنها مشروع I2U2 الموسع
الذي تمّ اعلانه في قمة العشرين من هذا العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق