خلال أحداث 17 تشرين الأول/ اوكتوبر 2019، طرح على بساط البحث الدعوة الى "تغيير النظام" اللبناني، كما طرح في مرات عديدة قبلها، وما زالت بعض القوى السياسية والمجتمعية "تحلم" بتغيير النظام.
بالاضافة الى "تغيير
النظام"، تُطرح عند كل أزمة مصيرية، لدى العديد من القوى السياسية
والمجتمعية، فكرة "عقد اجتماعي جديد ينبثق عنه مؤتمر تأسيسي لتعديل أو تطوير
النظام"، منطلقين من مبدأ أن الاتفاق الذي قام به اللبنانيون في الطائف في نهاية
الثمانينات من القرن الماضي، أثبت عدم فعاليته وعدم قدرته على ايجاد الآليات
اللازمة لحل المعضلات السياسية والدستورية ... وعلى هامش هذا وذاك، تصدر العديد من
الدعوات الى تغيير شكل الدولة واعتماد الفيدرالية وسواها، خاصة من بعض القوى
الطائفية التي تدعو اليها إنطلاقاً من مقاربة " ما فينا نعيش معهم" أو
"ما بدنا ندفع ضرائب عنهم".
وفي هذا الاطار، يمكن إدراج
الملاحظات التالية:
أولاً-
في الطرح الفيدرالي:
عملياً، ليست الفيدرالية بنظام
مرفوض أو شائن عادة، بل إن العديد من الدول الكبرى والمستقرة في العالم تطبق
الفيدرالية. لكن بلداً مثل لبنان، يعاني
من تشظي طائفي ومذهبي، وانقسام سياسي عامودي، سيؤدي تطبيق الفيدرالية فيه الى
مشاكل إضافية تضاف الى المشاكل الأساسية التي لن تجد لها الفيدرالية حلاً.
يعاني طرح الفيدرالية في لبنان
من عقم أساسي، وهو أن الأسس الثلاث التي تنفرد بإدارتهم السلطات المركزية في الدول
الفيدرالية هم من أسس الانقسام اللبناني، ما يعني عدم توافر فرصة الحل بتطبيق
الفيدرالية، وهي: السياسة الخارجية، والسياسة الدفاعية، والسياسة النقدية. تبقى
هذه السلطات الثلاث بيد الدولة المركزية، ما يعني أن الجزء الأكبر من المشاكل
اللبنانية بقيت على حالها. أضف الى ذلك، خطورة إعطاء المجموعات الطائفية القدرة
على سنّ قوانين خاصة، ما يعني إمكانية اضطهاد الأقليات الطائفية المتواجدة في
اقليمها.
ولنا في الاشتباك المسلح الذي
حصل مؤخراً- والمستمر منذ سنوات -بين بشري وبقاعصفرين، على تحديد ملكية القرنة
السوداء، عبرة واضحة. فماذا لو اشتبكت الكونتونات الطائفية على ملكية بعض الاراضي لاحتوائها على المياه أو النفط
والغاز؟
ثانياً- في تغيير النظام
من خلال التجرية، أثبت الدستور
اللبناني الذي انبثق عن اتفاق الطائف حاجة هذا الدستور الى بعض التعديلات والتفسيرات،
بالاضافة الى وجود نقص في الآليات التطبيقية والعملية لحلّ المعضلات السياسية كالعودة
الى الشعب لانتخابات مبكرة أو غير ذلك.
طبعاً، قد يكون الحلّ المثالي
للبنان هو الذهاب الى دولة مدنية يتساوى فيها جميع مواطنيها، ويكون فيها توازن وفصل بين السلطات، وآليات تطبيقية لحل
المعضلات السياسية.
لكن، واقعياً، لا يسمح الوضع
الراهن بالدعوة الى تغيير النظام، كما تنادي بعض قوى المجتمع المدني، ولا الى
إلغاء الطائفية السياسية كما يطالب البعض الآخر، ولا الى مؤتمر تأسيسي يعاد فيه
النظر باتفاق الطائف، للأسباب التالية:
أ- كانت تسوية الطائف، تسوية خارجية
اقليمية انسحبت على الواقع اللبناني، وقسّمت الحصص بين الطوائف وأبقت على المناصفة
بين المسيحيين والمسلمين.
يرفض السعوديون اليوم تغيير تسوية
الطائف، وهو ما أعلنه السفير السعودي وليد البخاري في مؤتمر الطائف في تشرين
الثاني / نوفمبر عام 2022. ورفض الثنائي الشيعي أي تغيير في اتفاق الطائف، وذلك على
لسان الرئيس نبيه برّي والسيد حسن نصرالله، أما الاجزاب المسيحية، فطالبت بتطبيق
الطائف قبل محاولة تغييره.
ب- كقاعدة عامة، تعكس الدساتير والقوانين التي تصاغ
على أثر حرب أو أزمة سياسية كبرى، موازين القوى السائدة، فالمنتصر هو الذي يكتب
التاريخ ويسنّ القانون.
وبما
أن موازين القوى السائدة اليوم، لا تعكس عملياً نفس الموازين التي كانت عليها
الحال في نهاية الثمانينات من القرن الماضي في لبنان، فسيكون هناك فئات متضررة،
وفئات خائفة من أن التسوية على حساب مصالحها ودورها وحصصها في النظام، وبالتالي سترفض الذهاب الى تغيير
اتفاق الطائف. وهي طوائف وازنة وكبرى في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق