يزور الرئيس البيلاروسي
فيكتور لوكاشينكو مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، لمدة يومين للتباحث مع الرئيس
فلاديمير بوتين حول أمور استراتيجية هامة.
ويعود التحالف الوثيق بين
روسيا وبيلاروسيا، الى سياق تاريخي من العلاقات والتوترات بين بيلاروسيا وكل من
روسيا وأوروبا والتي دفعت بيلاروسيا الى ان تكون دولة تدور في فلك روسيا تماماً،
وهي على الشكل التالي:
كانت العلاقات بين روسيا
وبيلاروسيا جيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً بعد وصول لوكاشينكو إلى
السلطة في العام 1994. وقد وقع البلدان معاهدة “اتحاد” في العام 1999، تنصّ على
توحيد السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية والمالية… على أن تحتفظ كل منهما
بسيادتها ووحدة أراضيها وأجهزة دولتها ودستورها وعلمها وشعارها.
بعد مجيء فلاديمير بوتين إلى
السلطة في روسيا، اقترح على بيلاروسيا الانضمام إلى الاتحاد الروسي، الأمر الذي
رفضه لوكاشينكو. وعلى الرغم من الترغيب الروسي، بقي الحال على ما هو عليه.
حصلت سلسلة من التظاهرات
والاضرابات في بيلاروسيا عام 2011، مطالبة لوكاشينكو بالاستقالة لكنها لم تؤدِ الى
أي نتيجة تذكر.
بعد ضم شبة حزيرة القرم في العام
2014، شعر لوكاشينكو بالتهديد، كما معظم دول شرق ووسط أوروبا التي كانت تدور في
فلك الاتحاد السوفياتي سابقاً، فعمل على محاولة اتّخاذ سياسات قومية، وتشجيع
الابتعاد عن الهوية الروسية لصالح الهوية القومية البيلاروسية، ما أدى إلى تأزم
العلاقات بينهما، لكن سرعان ما عادت إلى طبيعتها في العام 2017.
ساهمت السياسات الخارجية التي
اتخذها لوكاشينكو ابتداءً من العام 2019 ولغاية عام 2020، في تعميق الخلاف بين
بيلاروسيا وموسكو، وخصوصاً بعد إعلانه أن بلاده "تسعى إلى إقامة علاقات أفضل
مع حلف شمال الأطلسي"، وأنه "يتعيَّن على بيلاروسيا تغيير اتجاهها طوال
الوقت، لأنها تقع في وسط أوروبا".
تمّ تتويج هذه الانعطافة
للوكاشينكو بلقاء مع جون بولتون في العام 2019، ثم بزيارة قام بها وزير الخارجية
الأميركي مايك بومبيو إلى مينسك في شباط/فبراير 2020، وتمّ الاتفاق على شراء
الطاقة من الأميركيين، برغم اعتماد بيلاروسيا الهائل على الطاقة والمساعدة المالية
الروسية.
قامت ثورة ملونة ضد لوكاشينكو
عام 2020 بذريعة تزوير الانتخابات وعدم شرعيتها، دعمها الاتحاد الاوروبي الذي سارع
الى فرض عقوبات على لوكاشينكو والعديد من المسؤولين بتهمة انتهاكات حقوق الانسان.
تأخر الدعم الروسي بداية، لكن في النهاية دعم بوتين الزعيم البيلاروسي، ما ساهم في
قدرته على اخماد الثورة والبقاء في الحكم.
بعد الحرب الاوكرانية عام
2022، وقف لوكاشينكو الى جانب الروس. عملياً، بات حلف الناتو يشكّل تهديداً
لبيلاروسيا لا يمكن تخطيه:
أعلن الرئيس البيلاروسي أن
لدى الولايات المتحدة أكثر من 650 قنبلة نووية تكتيكية في قواعد الناتو القريبة من
أراضي بلاده. التهديد من الجنوب: أوكرانيا حيث تحدث العديد من المسؤولين الاوكران
عن استعدادهم لفتح جبهة جديدة مع بيلاروسيا.
التهديد من الغرب: بولندا
العضو في حلف الناتو، التي نقلت الكثير من جنودها وعتادها إلى الحدود البيلاروسية،
وأبدت استعدادها للانخراط في الحرب الروسية الاوكرانية.
التهديد من الشمال: ليتوانيا
ولاتفيا، أعضاء حلف الناتو أيضاً، وحيث توجد قواعد عسكرية يتواجد فيها الآلاف من
الجنود الأميركيين والألمان والبريطانيين.
وهكذا، سلسة من التهديدات
والعقوبات الغربية، ومسار طويل من التطورات التاريخية والاتكال على الدعم الروسي
السياسي والاقتصادي والطاقوي، دفعت الى تحالف استراتيجي روسي بيلاروسي، قد يدفع
الى تحويل بيلاروسيا الى ساحة صراع جديدة بين الناتو وروسيا، أو يدفعها الى تشكيل
ساحة روسية لتهديد بولندا وليتوانيا، ومنعهما من المشاركة بالحرب في أوكرانيا، حيث
أشار بوتين الى أنه بعد أوكرانيا، سيحارب الناتو روسيا الى آخر بولندي وليتواني.
تأسيساً على ما سبق، نفهم أهمية المحادثات الدائرة في سان بطرسبورغ اليوم، وأسباب قيام الروس بنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، ونشر صواريخ "إسكندر" قصيرة المدى القادرة على حمل الرؤوس النووية ومنظومة "إس-400" للدفاع الجوي، فضلاً عن نقلهم مقاتلات "ميغ" النفاثة القادرة على حمل الأسلحة فرط الصوتية. وأخيراً وليس آخراً، ارسال قوات فاغنر الى بيلاروسيا حيث تمركزت عند مثلث حدودي هام بين بيلاروسيا، أوكرانيا، وبولندا.
خارطة المواجهات تتبلور يومًا بعد يوم!
ردحذفمقال جيد
ردحذف