مناورة حزب
الله...اسرائيل تدرس العقيدة الروسية لحزب الله
بحضور
إعلامي محلي وأجنبي، أقام حزب الله مناورة عسكرية بالذخيرة الحيّة في بلدة عرمتى
الجنوبية في لبنان، استعرض فيها قدرات مقاتليه والأسلحة التي يملكها، وقدَّم
محاكاة لهجمات بالطائرات المسيّرة، وسيناريو اقتحام مستوطنة إسرائيليّة، ونفّذ
عملية اقتحام الشريط الحدودي وهدم جدار مشابه لذاك الذي وضعته "إسرائيل"
مع لبنان، إذ قام المقاتلون بالعبور منه إلى الداخل الإسرائيلي، إضافةً إلى مهاجمة
عربات عسكرية سحبوا "جثة" من إحداها ونقلوها عبر الحدود، فيما يبدو أنه
تنفيذ ومحاكاة لعملية أسر جنود إسرائيليين.
تعدّدت التفسيرات والتأويلات في
لبنان والخارج، وفي "إسرائيل"، لأهداف العملية والرسائل التي أراد حزب
الله إرسالها من خلالها، علماً أنها ليست المناورة الأولى التي يقوم بها، فقد
سبقتها مناورات أخرى، ومنها -على سبيل المثال- المناورة التي حصلت في بلدة القصير
السورية بعد تحقيق الانتصار فيها عام 2013.
وتأتي مناورة حزب الله في لبنان،
في وقت أجرت "إسرائيل" في الآونة الأخيرة مناورة بعنوان "شمس
زرقاء" في قبرص، بعد مناورة السنة الماضية التي حملت عنوان "مركبات
النار"، وهي من ضمن مناورات إسرائيلية سنوية تقام في قبرص، التي تمّ اختيارها
لإقامة تدريبات في بيئة جغرافية مشابهة للجنوب اللبناني. ومن المفيد النظر إليها
وإلى دلالتها لسبر رسائل حزب الله الحربية المضادة.
أولاً: تسمية
"مركبات النار"
منذ المؤتمر الصهيوني الأول، يحاول
الإسرائيليون التركيز على البعد الديني، ويغلّفون كل ما يقومون به، حتى الحروب
والقتل والتهجير، باستعارات دينية.
أما تسمية "مركبات
النار"، فتشير إلى أسطورة توراتية، إذ قام الله بحماية النبي اليشع بعدما
أحاط به وبالمدينة جيش عظيم من الأعداء، فصلّى اليشع وطلب معجزة من الله. بعدها،
قام الله بإرسال "الخيول ومركبات النار" لحمايته.
وبالاستناد إلى هذه الاستعارة،
يهدف الإسرائيليون إلى محاكاة البعد الإيماني - التوراتي لدى الجمهور عبر إعطاء
حروب الاحتلال والسيطرة بعداً دينياً عقائدياً.
ثانياً: مواجهة
العقيدة الروسية لحزب الله
بالعودة إلى هدف المناورات في
قبرص، يشير الإسرائيليون إلى أنها تحاكي حرباً طويلة ومكثّفة على جبهات متعددة
تحاول الاستفادة من دروس حرب تموز 2006، ودروس الحرب مع غزة عام 2021، ودروس الحرب
الأوكرانية التي انكبّ الإسرائيليون على دراستها بعمق.
يقول الإسرائيليون إنهم درسوا
العقيدة العسكرية الروسية، وهي عقيدة مركزية وجامدة، وكيف أن حزب الله، الذي قاتل
جنباً إلى جنب مع القوات الروسية في سوريا خلال الحرب، قام بدمج العقيدة الروسية
مع عقيدته الأساسية، وأنه تعلّم من الروس التخطيط والتصميم للعمليات، إضافة إلى
دمج قدرات أكثر تقدماً في عقيدته.
لذلك، سيدمج الإسرائيليون في
مناوراتهم ما تعلّموه من مواجهة حزب الله في لبنان، إضافة إلى الدروس والعبر من
الحرب الأوكرانية والأداء العسكري الروسي فيها، وذلك لمواجهة التقدم النوعي الذي
حققه حزب الله بعد الحرب السورية.
وبناء عليه، تقوم المناورات
الإسرائيلية على تدريبات مشتركة لذراعي الجو والبر، تشمل تدريبات على خوض قتال في
مناطق لبنانية وعرة ومعقدة وغير معروفة للمقاتلين، كما يجري التدرب على نقل الجنود
جواً وإنزالهم إلى أرض المعركة، إضافة إلى اختبار مستوى التنسيق بين ذراعي الجو
والبرّ.
ثالثاً:
التركيز على الحرب البرّية
وفي دراسة لعِبَر حرب تموز، أدرك
الإسرائيليون وجوب تطوير قدرتهم على الاقتحام البرّي، بعدما تبين أنَّ القصف
الجوّي لبنك واسع من الأهداف لا يمكن أن يحقّق وحده انتصاراً في المعركة.
ويعتبر الإسرائيليون أن
"الجيش" الإسرائيلي، في حال نشوب حرب واسعة النطاق ومتعددة الجبهات،
سيحتاج إلى إغراق الطرق السريعة في جميع أنحاء البلاد بقوافل من المركبات المدرعة
والدبابات، وحماية القوافل العسكرية من أعمال الشغب داخل "إسرائيل".
وهنا، يمكن أن تُفهم إحدى رسائل
حزب الله من خلال مناورته الحيّة الأخيرة، إذ اعتبر الإعلام الإسرائيلي أن
المناورة "كشفت أن قدرات حزب الله البرية تنامت بشكل كبير، ما يعني قدرته على
إعاقة أي تقدم برّي إسرائيلي مستقبلي"، وأشار البعض الآخر إلى أن
"تشكيلات الراجمات المتعددة الفوهات المحمولة على سيارات متحركة التي عرضها
حزب الله، والتي تستطيع إطلاق الكثير من النيران، ستشكّل تحدياً لمنظومات القبة
الحديدية"، كما أشار أحد المعلّقين الإسرائيليين.
رابعاً: معالجة
القصور اللوجستي
يذكر "الجيش" الإسرائيلي
أنّه تعلّم من الفوضى التي أحاطت بالخدمات اللوجستية التي سمحت للجيش الأوكراني
بتدمير آلاف الدبابات والمنصات الروسية في بداية الحرب.
وكان "الجيش" الإسرائيلي
قد واجه مشكلات لوجستية خلال عدة حروب؛ فخلال حرب تموز -على سبيل المثال- واجه
الإسرائيليون صعوبة في إيصال الإمدادات إلى قواتهم على الأرض، وعانت القوات
الإسرائيلية نقصاً الغذاء في حربها مع غزة عام 2012. وبناء عليه، من المنطقي أن
يقوم حزب الله بتدريب عناصره على قطع الإمداد اللوجستي العسكري والغذائي في أي حرب
مقبلة.
في الحصيلة، لا شكّ في أنَّ الإسرائيليين سيدرسون بدقة ويستخلصون العبر من مناورة حزب الله الرمزية التي سُمح لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية بتغطيتها، وهو أمر يهدف منه إلى توسيع إطار الرسائل إلى أبعد مما هو معتاد بين لبنان و"إسرائيل"، ويسلط الضوء على حجم قدراته الهجومية، إضافة إلى قدراته الدفاعية، للقول إنّ أي حرب مقبلة لن تحصل على الأراضي اللبنانية فحسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق