ليلى نقولا
تتسارع التطورات في المنطقة على وقع الاتفاق التاريخي الذي تمّ توقيعه بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية في العاصمة الصينية بكين. وإذا كان العديد يتخوفون من التفاؤل محذرين الافراط فيه، بسبب الموقف الأميركي والخوف من أن يكمن الشيطان في التفاصيل، إلا أن عدداً من الملفات باتت تتسارع بشكل دراماتيكي ومنها ما على سبيل المثال لا الحصر:
- دعوة الرئيس الايراني الى السعودية ولقاء مرتقب لوزيري الخارجية السعودي والايراني.
- انفتاح إيراني على دول الخليج ومحاولات تفكيك الألغام وحلّ المسائل العالقة بين سواء على صعيد الحدود (الكويت) أو الموقف السياسي ودعم المعارضة (البحرين) أو غير ذلك.
- اتفاق أمني إيراني عراقي حيث أكد رئيس الوزراء العراقي رفضه لأن تكون الأراضي العراقية منطلقاً للاعتداء على أيّ من دول الجوار"، مشددًا على "رفضه القاطع على أن تكون أرض العراق مسرحاً لتواجد الجماعات المسلحة، أو أن تكون منطلقاً لاستهدافها، أو أي مساس بالسيادة العراقية"، وفي هذا حفظ لأمن إيران حيث كان اقليم كردستان مرتعاً للجماعات التي تستهدف الأمن الإيراني بالمسيّرات.
بكل الاحوال، هذه الملفات المذكورة آنفاً قد تكون رأس جبل الجليد، فالقضايا بين الدولتين والتشابك الاقليمي يمتد الى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط، الى اليمن وباكستان وكل من داخل السعودية وإيران حيث تدعم كل دولة المعارضة المتشكلة للنظام في الدولة الأخرى. ولعل هذا الاتفاق يأتي حاجة لكل من السعودية وإيران، على الشكل التالي:
- السعودية: لولي العهد السعودي تصوّر ورؤية لموقع السعودية الاقليمي والدولي المستقبلي والذي يحتاج الى التخفيف من أحمال السياسات السابقة التي جعلت السعودية تنخرط في حروب بالوكالة لا طائل منها، وحيث تبين أن الدعم الأميركي لم يكن كافياً حين تعرّض الأمن القومي السعودي للخطر، بقصف أرامكو وغير ذلك.
- ايران: تتعرض حكومة رئيسي لضغوط متعددة سواء داخلية (المظاهرات، الانهيار الاقتصادي)، أو خارجية (فشل العودة الى الاتفاق النووي، استمرار العقوبات، المسيّرات التي تضرب العمق الايراني ...)، والتي تحتاج معه الى تسريع وتيرة الاتصالات التي كانت تجري مع السعودية لحفظ أمنها والسير نحو خطط النهوض.
لكن ماذا عن الأميركيين؟
بالمبدأ، كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلن في استراتيجية الامن القومي التي أصدرها في تشرين الأول من عام 2022، رؤية إدارته للشرق الاوسط، والتي تتعهّد بتعزيز الشراكات والتحالفات ودعم الدبلوماسية لخفض التصعيد وتهدئة التوترات وتقليل مخاطر نشوب صراعات جديدة في الشرق الأوسط. لكنها، تتعهّد أيضاً بـ "الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني"، الذي "يناضل من أجل الحقوق الأساسية والكرامة، التي حرمها النظام في طهران منذ فترة طويلة"، بحسب نص الوثيقة.
وما تأتي على ذكره الوثيقة، وهو الأهم في مقاربتنا للموقف الأميركي، هو "امتلاك الولايات المتحدة "ميزة نسبية" في بناء الشراكات والائتلافات والتحالفات، من أجل تعزيز الردع وتحقيق الاستقرار الطويل الأمد في المنطقة،" وهنا بيت القصيد. فهل ستعتبر الولايات المتحدة أن الصين باتت تنافسها على تلك الميزة النسبية، أم أنها ستغض النظر عن التقارب السعودي الإيراني باعتبار انه تحقيق لهدف الوثيقة بخفض التصعيد وتخفيف التوترات؟ هذا ما ستكشفه التطورات المقبلة ومواقف الاميركيين منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق