رسمت الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى سوريا ولقاؤه بالرئيس السوري بشار الأسد مساراً جديداً متفائلاً لمسار المصالحات التركية السورية، وإمكانية تحقيق تقدم جدّي خاصة بعدما سرت أخبار صحافية عن اتصال قام به الوزير الإماراتي مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو، قبيل وصوله إلى سوريا.
هي ليست الزيارة الأولى التي يقوم بها الوزير الإماراتي إلى دمشق، بل سبقتها زيارة سابقة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر2021، تلتها زيارة للرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي ولقاؤه مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 18 آذار/مارس من عام 2022. لكنّ توقيت الزيارة الحالية والذي ترافق مع حديث عن مسار تصالحي تركي سوري هو الذي جعل للزيارة بعداً سياسياً أكثر من الزيارات السابقة، وخاصة مع انتشار أخبار صحافية تشير إلى إمكانية عقد اللقاء التركي السوري المقبل في الإمارات.
تتمحور النقاشات التركية السورية حول سيادة سوريا على أراضيها، ما يعني انسحاباً تركياً من القواعد العسكرية في الشمال السوري، وقيام الفصائل المسلحة المدعومة تركياً بتسليم المناطق التي تسيطر عليها إلى الحكومة السورية. وتقدّر مساحتها بما يقارب 11% من الجغرافيا السورية، إضافةً إلى عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى ديارهم، والتخلص من الإرهاب والذي يعني بالنسبة للأتراك التخلص من سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على مناطق الشمال الشرقي السوري والتي تقدر مساحتها بما يقارب 25% من الجغرافيا السورية.
وفي البنود أعلاه، يتباين ترتيب أولويات الحكومة في سوريا عن أولويات الأتراك، فالأولوية في سوريا هي لخروج الجيش التركي من سوريا، والتخلص من المجموعات المسلحة في إدلب وجوارها، ثم إنهاء السيطرة الكردية في الشمال الشرقي (تحرير تلك الأراضي يسهم في تخفيف أزمة الطاقة والغذاء السورية)، وأخيراً حلّ مشكلة اللاجئين (المكلفة مادياً).
بينما يأتي في صدارة الأولويات التركية بند إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل الانتخابات التركية المرتقبة هذا العام، والتخلص من الخطر الكردي المتمثل بحزب العمال الكردستاني في المناطق السورية المجاورة لتركيا، وأخيراً الانسحاب من الأراضي السورية والذي قال أحد المسؤولين الأتراك أنه سيحصل بعد الاستقرار السياسي في سوريا.
وفي ظل تباين الأولويات، يسيطر على المشهد العام الغموض الذي يكتنف الموقف الأميركي، إذ لم تصدر تصريحات صريحة وواضحة تدين التقارب التركي السوري، باستثناء تصريح خجول من الناطق باسم الخارجية الأميركية قال فيه إن "الإدارة الأميركية لا تؤيد قيام الدول بتطوير علاقاتها أو التعبير عن دعمها أو التطبيع" مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وعليه، ما السيناريوهات المتصوّرة لمسار المصالحة التركية السورية بناءً على الموقف الأميركي من التطورات؟
السيناريو الأول: ضوء أخضر أميركي غير معلن
انطلاقاً من هذا السيناريو، قد يكون المسار التصالحي التركي الإماراتي مع سوريا منسّقاً مع الأميركيين، وأن يكون الرئيس الأميركي جو بايدن يريد تخفيف وطأة الأزمة في سوريا بإعطاء ضوء أخضر غير معلن لحلفائه بالتواصل مع الرئيس السوري، ولكنه لا يريد أن يشتبك مع الجمهوريين الذين سيتهمونه بالضعف في سوريا. ويعتبر هذا السيناريو متفائلاً جداً.
السيناريو الثاني: رفض أميركي لكن الخيارات محدودة
في هذا السيناريو، تجد إدارة بايدن نفسها في مكان صعب جداً، إذ أنها ترفض التوصل إلى حلّ في سوريا في الوقت الراهن، ولكنها لا تمتلك الكثير من الأوراق التي يمكن اللعب بها، فهي من ناحية تريد احتواء الأزمة السورية وعدم تفاقمها لكنها لا تريد حلاً نهائياً الآن، ولكن من جهة أخرى لا تريد أن تشتبك مع حلفائها بتهديدهم بفرض عقوبات عليهم في حال المصالحة مع النظام السوري.
السيناريو الثالث: رفض أميركي سيؤدي إلى عرقلة المسار
عملياً، ستكون للموقف الأميركي الكلمة الفصل في استمرار مسار المصالحة أو لا، خاصة وأن التخلص من السيطرة الكردية على أجزاء من سوريا سواء عبر تسليم مناطق الكرد الى الحكومة السورية سلمياً أو عبر عملية عسكرية يحتاج إلى موافقة أميركية، وبالأخص لأنه يعني خروج الأميركيين وقوات التحالف الدولي من المناطق التي يسيطر عليها الكرد (جميعها تقريباً).
يجد الانتشار العسكري الأميركي في سوريا تبريراته، بمحاربة "داعش"، والتضييق على النفوذ الإيراني، ولا سيما أنّ القواعد والمواقع العسكرية الأميركية في سوريا ويقدّر عددها بـ 28 موقعاً، توجد قرب المعابر الرئيسية بين العراق وسوريا، وعلى طرق المواصلات الرئيسية بين البلدين، وقرب آبار النفط، ومراكز التكرير، هذا إضافةً إلى قاعدتين في التنف على مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية (والتي قال ترامب سابقاً إن الجيش الأميركي سيبقى فيها حتى بعد انسحاب الجيش الأميركي من سوريا).
عملياً، لا يمكن الجزم النهائي بسيناريوهات المصالحة التركية السورية والتي ترتبط بشكل أساسي بالموقف الأميركي وتفكيك القواعد الأميركية في حال تمّ الاتفاق على تسليم مناطق الكرد للدولة السورية. وفي حال رفض الأميركيين الانسحاب من سوريا، تطرأ الأسئلة المشروعة التالية: كيف ستتم المصالحة التركية السورية إذا رفض الأتراك الانسحاب من سوريا من دون تحقيق هدف التخلص من سيطرة "قسد" على الشمال السوري؟ وهل يمكن للسوريين أن يقعوا في فخ تحقيق إعادة اللاجئين الذي تريده تركيا بشدة من دون أخذ مكاسب مقابلة من الأتراك؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق