لا شكّ أن الازمة الأخيرة التي طغت على علاقة التيار الوطني الحر وحزب الله، كانت الأخطر في علاقة الطرفين التحالفية الممتدة منذ أكثر من 16 عاماً وبالتحديد منذ 6 شباط / فبراير 2006، حين قام كل من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر آنذاك العماد كيشال عون بتوقيع اتفاق تاريخي سمي "تفاهم مار مخايل" نسبة الى الكنيسة التي تمّ فيها توقيع الاتفاق في ضاحية بيروت الجنوبية.
وبغض النظر عن الأسباب
الفعلية التي دفعت الطرفين الى تبادل الاتهامات والبيانات علناً، لم تٌفهم لغاية
الآن الاسباب الفعلية التي دفعت حزب الله لدعم قيام الرئيس نجيب الميقاتي بعقد
جلسة لمجلس الوزراء وحضورها بدون إفساح بالمجال أو دعوة للتشاور حولها، بالرغم من
رفض القوى المسيحية لها، فبالاضافة الى حليفه التيار الوطني الحر التي اعتُبر
مقصوداً حصراً بها، لقد تم رفضها من قبل
البطريرك الماروني بشارة الراعي، ومطران بيروت للروم الارثوذكس الياس عودة،
والقوات اللبنانية وآخرون.
فهل انتهت مفاعيل تفاهم مار
مخايل فعلاً؟
مباشرة بعد توقيع تفاهم
مارمخايل، الذي تضمن التفاهم 10 بنود، تتعلق بالمواضيع اللبنانية الداخلية منها
الحوار والديمقراطية التوافقية، وبناء الدولة والعلاقات اللبنانية السورية
واللبنانية الفلسطينية، وحماية لبنان الخ.. تعرّض التفاهم لانتقادات واسعة حيث
اعتبره البعض غطاء مسيحي لسلاح حزب الله، والبعض الآخر اعتبره تحالف الاقليات.
ولا شكّ أن التفاهم تعرّض
لضغوط كبرى منذ اللحظات الاولى لتوقيعه، وخاض أطرافه العديد من الاختبارات
والمصاعب وحققوا الانجازات، ونذكر منها ما يلي:
-
الاختبارات الأولى:
كانت حرب تموز 2006 الاختبار
الأول للتفاهم الفتي، والتي كان من الممكن
أن تطيح به لكنه صمد. وأدّى قيام التيار الوطني الحر بدعم المقاومة سياسياً
واستقبال المهجرّين اللبنانيين من الجنوب، عاملاً مساهماً في تعميق التفاهم
وانسحابه على القواعد الشعبية بدل بقائه تفاهماً نخبوياً فوقياً.
أما الاختبار الثاني، فكان
على أثر أحداث 7 أيار 2008، وتسوية الدوحة التي أتت بميشال سليمان رئيساً
للجمهورية بموافقة حزب الله الذي كان منتصراً عسكرياً آنذاك. اعتقد كثيرون أن طموح
ميشال عون الرئاسي وعدم إصرار حليفه على تبوئه سدة الرئاسة حينها، يجب أن ينهي
التفاهم، لكنه لم ينتهِ بل صمد واستمر عميقاً حتى خلال الحرب في سوريا والتي انخرط
فيها حزب الله عسكرياً.
-
إنجازات للبنان:
كان من المفترض أن تؤدي
مساهمة حزب الله في إيصال ميشال عون الى سدّة الرئاسة الحافز الأكبر لازدهار
وتعميق شراكة مار مخايل.
بالفعل، كان العام الاول للعهد (عام 2017)
مفصلياً، حيث ساهم التحالف والثقة بين الطرفين الى الانتهاء من الخطر الارهابي
الذي تهدد لبنان، وبالفعل أدّى توافق السلطة السياسية والجيش والمقاومة الى إنهاء
أكبر خطر أمني تهدد اللبنانيين منذ بدء الحرب السورية والذي تمدد الى لبنان فأمعن
باللبنانيين قتلاً عبر ظاهرة الانتحاريين التي لم يعرفها لبنان من قبل.
أما الانجاز الثاني الذي
يُحسب للتفاهم فهو موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية والتفاوض مع اسرائيل التي
أدارها الطرفان بدقة مستخدمين كل أوراق القوة التي يملكها لبنان والتي أدّت في
النهاية الى تحقيق أهداف لبنان بترسيم حدوده البحرية، ورفع الفيتو الأميركي عن
شركات التنقيب في المياه الاقليمية اللبنانية.
-
تباين الرؤى
لكن، من ناحية أخرى، أدّت
الضغوط الداخلية والخارجية على الرئيس عون وتياره، خاصة بعد ثورة 17 تشرين الاول
2019، الى اختلاف المقاربات بين الحليفين.
أراد التيار التيار الوطني
الحر من حزب الله دعمه في تطبيق البند الرابع (بناء الدولة) الذي يتضمن مشروعاً
لمكافحة الفساد وبناء الدولة الحق وإصلاح القضاء والمؤسسات وغيرها، معتبرين أن
تركيز حزب الله على البند العاشر، الذي يقارب فيه الطرفان موضوع حزب الله وسلاحه
باعتباره حاجة لبنانية للدفاع عن السيادة وتحرير الارض وحماية لبنان من التهديدات
الاسرائيلية، لا يعني إغفال بناء الدولة، إذ لا يمكن حماية لبنان من الخارج في وقت
يتصدع فيه الهيكل من الداخل.
اختلاف المقاربة والاهداف بين
الطرفين ساهمت في تعميق الفجوة بينهما. كان التيار يريد أن ينهي ميشال عون مسيرته
الرئاسية والسياسية بتحقيق "التدقيق الجنائي" وإقرار قوانين تؤسس لبناء
دولة، وتترك إرثاً سياسياً للبنانيين والعونيين يفخرون به، بينما كانت مقاربة حزب
الله تركّز بشكل أساسي على حماية المقاومة والسلاح، و"وحدة الصف الشيعي"،
وتخشى من الاندفاع في مكافحة الفساد، وذلك بحسب ما قاله السيد حسن نصرالله في
مقابلة تلفزيونية في أيار عام 2019، من أن مكافحة الفساد قد تؤدي الى حرب أهلية.
إذاً، هي مجموعة تراكمات بين
الطرفين وسنوات عجاف من الضغوط القصوى التي تعرض لها الطرفان، أدّت الى شعور
مجموعات في التيار بالغبن السياسي وبتخلٍ من قبل حزب الله عن ميشال عون والمساهمة
في تقويض عهده، بينما اعتبر حزب الله أنه أوفى بما عليه من دين للتيار وأنه حمى
"العهد" بعد ثورة 17 تشرين الاول 2019، وأنه أعطى التيار بقدر قدرته وإن
ما يطلبه التيار أحياناً هو فوق المستطاع.
-
تفاهم ما مخايل: الى أين؟
لا شكّ أن هناك مجموعات لدى
الطرفين تدعو الى فكّ التفاهم، كما هناك مجموعات داخلية تدعو الى حمايته. لكن حساب
المصالح الحقيقية للطرفين، تقول بأن الطرفين مستهدفان من الداخل والخارج، وبالتالي
يستطيعان معاً تحقيق مصالحهما السياسية بشكل
أفضل. من الصعب على حزب الله أن يجد شريكاً مسيحياً وازناً يستطيع التفاهم معه أن
يصمد كما صمد تفاهم التيار مع حزب الله، وبالتالي سيخسر الحزب جزءًا كبيراً من
الشارع المسيحي بدون التيار، كما أن التيار الذي لا يملك حليفاً لبنانياً آخر غير
حزب الله، سيكون أضعف في أي معادلة داخلية بدون دعم الحزب.
لذا، من المتوقع أن تكون هذه التجربة الأخيرة حافزاً للطرفين لمصارحة أكبر ومقاربات تأخذ بعين الاعتبار هواجس الطرفين، وما هو ممكن وما هو مقبول وما هو غير مقبول، بدون ابتزاز أو تهميش من طرف لآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق