بعد فرز تصويت عشرات الملايين من المواطنين
الأميركيين، حدد فوز كاثرين كورتيز ماستو الصعب، في ولاية نيفادا، النتيجة الحاسمة
للمعركة السياسية بين الحزبين، فحصد الحزب الديمقراطي المقعد رقم 50 في مجلس
الشيوخ الأميركي، بينما وصل الجمهوريون إلى المقعد رقم 49.
ويبقى المقعد الأخير في ولاية جورجيا، والذي لن تحسم
نتائجه قبل إعادة الانتخابات في كانون الثاني/يناير المقبل، غير ذي أهمية في تقرير
الأغلبية التصويتية في مجلس الشيوخ، فحتى لو فاز الجمهوريون بالمقعد المتبقي في
ولاية جورجيا، ستكون نائبة الرئيس كمالا هاريس قادرة على ترجيح كفة الميزان في
مجلس الشيوخ خلال أي تصويت.
وبالرغم من بقاء إمكانية فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية
في مجلس النواب، كانت المفاجأة أن الرئيس جو بايدن، وهو الرئيس الأقل شعبية في
تاريخ الولايات المتحدة، سيحافظ على قدرته على تمرير أجندته بشكل يسير. ولا ينسى
الديمقراطيون كيف قامت الأغلبية الجمهورية بتعطيل الجلسات، ومنعت عقد جلسة استماع
لمرشح الرئيس السابق باراك أوباما لعضوية المحكمة العليا، بينما قام مجلس الشيوخ
ذو الغالبية الجمهورية بالمصادقة على تعيين مرشّحة ترامب القاضية المحافظة إيمي
كوني باريت عضواً في المحكمة العليا، والتي كانت العضو اليميني الثالث الذي يعيّنه
ترامب.
عملياً، اتكل الديمقراطيون على أصوات النساء والشباب،
وتشير التقارير إلى أن تلك الفئات في الولايات المتحدة صوتت ضد مرشحي ترامب بعدما
شعرت بالرغبة في حماية حقوقها المكتسبة، وذلك بعد تجربة سيطرة اليمين المتطرف
المؤيد لترامب على المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في الولايات المتّحدة،
وإصدارها قراراً ألغت فيه المحكمة الحكم التاريخي المعروف باسم "رو ضد
ويد"، وأصبح من حق كل ولاية على حدة حظر عملية الإجهاض، ومعه فقدت ملايين
النساء في الولايات المتحدة الحق القانوني في الإجهاض، ويخشى الشباب أن يكون ذلك
مقدمة لفقدان العديد من الحقوق الأخرى، وخاصة حقوق المثلية الجنسية وغيرها..
أما على الجهة الجمهورية، فبدا التصويت أشبه بتصويت
على زعامة ترامب للحزب الجمهوري وترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2024، خاصة بعدما
بدأت الظاهرة "الترامبية" تعكس تحوّلاً خطراً في الديمقراطية الأميركية،
وذلك على صعيد شخصنة الحزب وتحوّله إلى حزب "الزعيم"، وظاهرة استخدام
الدين في السياسة وهي ظاهرة غريبة عن المجتمع الأميركي.
1-حزب الزعيم:
كما معظم دول العالم الثالث، تحوّل الحزب الجمهوري في
الولايات المتحدة إلى حزب الزعيم، الذي يقرر سياسات الحزب ويختار بنفسه المرشحين،
ويحدد الخطوط العريضة لسياسة حزبه، فيقوم المؤيدون بالدفاع عنها بدون تفكير، وبدون
أي قبول بفكر مختلف، ويؤيدونه بشكل يشبه "العبادة".
قبل أسبوعين من انتخابات التجديد النصفي، وهي الأولى
منذ ترك ترامب البيت الأبيض، ظهرت "الترامبية" بأوضح صورها، إذ ظهر أن
معظم المرشحين من الحزب الجمهوري الذين رفضوا التعهد بالولاء للرئيس السابق، أو
رفضوا ترديد مقولة ترامب بأن "الانتخابات سرقت منه عام 2020"، فقدوا
انتخاباتهم التمهيدية أو تقاعدوا لتجنب الهزيمة، باستثناء قلة قليلة استطاعت الفوز
بالترشيح.
2-استخدام الدين:
كان واضحاً خلال فترة حكم ترامب أنه حاول استغلال
الدين، وخاصة تأييد الكنائس الإنجيلية من أجل كسب تأييد شعبي ضمن تلك الكنائس التي
يزيد عدد أعضائها على 70 مليون ناخب في جميع الولايات الأميركية.
رويداً رويداً، شهدت الولايات المتحدة مع
"الترامبية " ابتعاداً عن القيم العلمانية التي تأسست عليها، وبات
اليمين المسيحي يحاول فرض أجندته في المحكمة العليا والسياسة الخارجية، أو يمكن
القول إن ترامب كان ينفذ أجندة يمينية مسيحية لكسب تأييد الناخبين المنتمين إلى
تلك الكنائس. إذاً، هي علاقة مصلحية متشابكة بين الطرفين، جعلت ترامب
"المخلّص" في نظر العديد من المتدينين الذين يعيشون خوفاً ثقافياً
حضارياً، يريدون معه إيقاف عجلة التحوّل الثقافي، ولو بالقوة.
في النتيجة، وبحسب الدراسات التاريخية، عادة ما يخسر
حزب الرئيس الموجود في البيت الأبيض في الانتخابات النصفية، وتشير البيانات
الصادرة عن جامعة كاليفورنيا (سانتا باربرا) إلى أن متوسط خسارة الحزب الذي ينتمي
إليه الرئيس 28 مقعداً في مجلس النواب و4 مقاعد في مجلس الشيوخ في كل انتخابات
نصفية بين عامي 1934 و2018 (بحسب جدول الإحصاء).
المفاجأة هذه السنة، تعني أن "الترامبية" أضرّت بالحزب الجمهوري بشكل كبير، وأن المرشحين الجمهوريين الذين خسروا الانتخابات والذين تمّ اختيارهم، ليس بحسب معيار الكفاءة بل بمدى الولاء الشخصي لترامب، يؤكدون أن الظاهرة "الترامبية" القائمة على الشعبوية وانتشار نظريات المؤامرة والتنمر، ليست مقبولة تماماً في الولايات المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق