ضجّت وسائل الاعلام اللبنانية الأسبوع الماضي، بما
قالته مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف في مركز ويلسون سنتر
عن حالة لبنان في محاضرة 4 تشرين الثاني / نوفمبر الحالي، والتي اعتبرها البعض
أنها كشف عن مخطط أميركي يهدف الى تقويض استقرار لبنان، والتأسيس للفوضى فيه خلال
فترة الفراغ الرئاسي، بالرغم من أن السيدة بربرا ليف ركّزت على استمرار دعم القوى
الأمنية، وتحدثت عن ضغوط على الطبقة السياسية للأخذ بمسؤولياتها.
وما يهمنا من حديث السيدة
ليف، هو ما كشفته عن أن هناك بعض الآراء في الولايات المتحدة تدعو الى "ترك
لبنان ينهار وينهض من الركام من جديد، لان هذا يعطّل قدرة حزب الله التي يستخدمها منذ
سنوات"، وبالرغم من أنها رفضت هذه المقاربة واعتبرتها "مضرّة بلبنان
والاردن واسرائيل والشعب السوري..."، إلا ان تلك المقاربة تشير الى توجّه
فكري لدى العديد من مسؤولي السياسة الخارجية ومراكز التفكير في الولايات المتحدة والتي تقارب موضوع لبنان
من منطلق "ضرورة احتواء حزب الله مهما كلف الأمر" وهي المقاربة التي سار
فيها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع فريقه، الذين استخدموا سياسة الضغوط
القصوى التي سرّعت بالانهيار اللبناني بعدما كانت ممارسة النهب المنظم الذي مارسته
السلطة السياسية علة مدى 30 عاماً، قد أوصلت لبنان الى حافة الهاوية.
وهكذا، راهن فريق السياسة
الخارجية الأميركية المسؤول عن ملف لبنان خلال فترة ترامب، على الانهيار، لكن
نتائجه لم تكن كما تمّ توقعها، بل أدّت الى:
- تعاظم
نفوذ حزب الله، في بيئته
وخارجها، بعد سنوات ثلاث من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وانقطاع الكهرباء
وفقدان المازوت وسواها من الازمات.
- فشل
الثورة في التخلص من الطبقة السياسية (هدفها المعلن في البداية)، أو أقلّه تحجيم
التيار الوطني الحر وحزب الله (بحسب ما انتهت اليه أهدافها). أما النواب الذين
نجحوا باسم الثورة، فلقد تبين أن العديد منهم مجرد "جيل جديد من 14
آذار"، وبرزت الانقسامات بينهم في الفكر والمواقف والايديولوجيا والتصويت في
المجلس النيابي.
- نتائج
كارثية وهجرة لبنانية غير مسبوقة، وخاصة فئة الشباب الجامعي الذي هاجر يبحث عن فرص
عمل ومستقبل أفضل.
- عودة
الطبقة السياسية نفسها في الانتخابات النيابية. وإذا كانت الانتخابات قد أدّت الى
خسارة بعض حلفاء حزب الله مقاعدهم، لكن
الحزب حافظ على كتلته وأضاف إليها مقعداً في جبيل، وأظهرت الاحصاءات احتفاظه
بتأييد عارم في مناطقه.
وهكذا،
وانطلاقاً من مبدأ "التجربة والخطأ" trial and error الذي يستخدمه الأميركيون في سياساتهم الخارجية وهو اسلوب يتميز بتكرار
التجربة والتنويع المستمر في الأساليب حتى النجاح، فإن تمّت تجربة ما وفشلت في
تحقيق الأهداف المرجوّة منها، تمّ الانتقال الى غيرها من الوسائل التي تحقق الغاية
المرجوة والمصالح الأميركية. انطلاقاً من هذا المبدأ، يجد فريق السياسة الخارجية
الأميركية الحالية أن مقاربة بومبيو "اتركوا لبنان ينهار ليتخلص من حزب الله
ثم يُبنى من جديد" لم تحقق الأهداف المرجوة منها، لذا كانت السيدة ليف واضحة
في مقاربتها "لن يستفيد أحد من هذا السيناريو".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق