يستعد
حلف شمال الأطلسي لإجراء مناورات عسكرية نووية في بلجيكا تهدف إلى اختبار مدى
جاهزية الدول الأعضاء لأي ضربة نووية محتملة، وقد سميت على هذه المناورات عملية
" الظهيرة الثابتة"
"Steadfast Noon،
وذلك في الفترة الممتدة ما بين 18 و26 أكتوبر/أكتوبر الجاري بمشاركة جيوش أربع
عشرة دولة من الدول الأعضاء في الحلف، باستثناء فرنسا، حيث يعتقد الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون أن على الناتو تجنب الانجرار إلى صراع نووي محتمل مع روسيا في
أوكرانيا.
وكان مسؤولون غربيون، ومنهم مسؤول السياسة
الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد هددوا بـ"القضاء" على
الجيش الروسي إن استخدم بوتين أسلحة نووية ضد أوكرانيا، حتى لو كان هذا السلاح
تكتيكياً صغيراً لا سلاحاً شاملاً.
وبسماع التهديدات المتبادلة، يحبس العالم
أنفاسه خشية تكرار مأساة استخدام السلاح النووي، علماً أن تجربة الحرب العالمية
الثانية دفعت إلى إقرار عدد من المعاهدات الدولية وحاولت الوصول إلى حظر شامل
للتجارب النووية، ولكنها أخفقت وبقي الأمر مرتبطاً بالحظر الجزئي للتجارب النووية
في الفضاء والغلاف الجوّي وفي قعر البحر، وجرى استثناء حظر التجارب النووية في
باطن الأرض.
1-معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية:
هي التقدم الأبرز الذي استطاع العالم
الوصول إليه في مجال انتشار السلاح النووي. جرى توقيع تلك المعاهدة عام 1968،
ودخلت حيز التنفيذ عام 1970، ومع أن الاتفاقية كانت محددة بتوقيت زمني مسمّى، إلا
أن موقعيها اتفقوا على أنها سارية المفعول إلى ما لا نهاية، وذلك في مؤتمر مراجعة
المعاهدة الذي انعقد في نيويورك في 11 أيار/ مايو عام 1995.
تقوم الاتفاقية على ركائز ثلاث:
1. الحد من انتشار الأسلحة النووية.
2. الحق في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية.
3.نزع السلاح النووي.
بالنسبة إلى الركيزة الأولى، تعترف
المعاهدة بخمس دول حائزة أسلحة نووية، هي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
تتعهّد تلك الدول بعدم نقل الأسلحة النووية وبعدم مساعدة الدول غير حائزة أسلحة
نووية وتشجيعها أو حضها على حيازة متفجرات نووية بأي شكل من الأشكال (المادة
الأولى). أما الدول غير الحائزة أسلحة نووية فتتعهد بعدم السعي لامتلاكها.
الركيزة الثانية وهي مرتبطة ارتباطاً
وثيقاً بالأولى، فهي تميّز بين السلاح النووي والطاقة النووية التي تحتاج إليها
الدول للتصنيع أو لتوليد الكهرباء وغيرها، وهي غير محظورة بل من حق كل دولة أن
تحصل على التقنية النووية.
وتبقى الركيزة الثالثة، وهي نزع السلاح
النووي وهي الأصعب على الإطلاق، مع أن الدول الحائزة سلاحاً نووياً قد اتفقت على
خفض ترسانتها النووية من الأسلحة، إلا أن هذه الركيزة في المعاهدة (المادة 6) بقيت
غامضةً، وزادها التباساً الرأي الذي أعطته محكمة العدل الدولية التي قال فيه إن
الالتزام بنزع السلاح النووي في المعاهدة ملزم لجميع الأطراف الموقّعة، وليس
للدولة التي تمتلك سلاحاً نووياً وحسب، وأن ليس هناك إطار زمني محدّد لنزع هذا
السلاح.
2-قانونية استخدام السلاح النووي في الحروب:
في المبدأ، لا ينص القانون الدولي على حظر
شامل أو عالمي على استخدام الأسلحة النووية في الحروب. وعلى الرغم من صدور عدد من
التوصيات والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تدفع نحو عدم مشروعية استخدام
السلاح النووي في النزاعات المسلحة، وعدم جواز التهديد بها، لكن الأمر بقي محل
اختلاف بين الدول وفقهاء القانون الدولي، لأن ما من نصّ دولي صريح أو اتفاقية
دولية أَقرّت هذا الحظر أو عدم جواز استخدام هذا السلاح في الحروب صراحة.
في معرض النظر في الفتوى التي طلبتها
الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية التي قامت فيها بتحليل مفصّل
للقانون الدولي الإنساني (قانون النزاعات المسلحة)، تطرقت المحكمة إلى مشروعية
استخدام الأسلحة النووية في الحرب، وقد تباينت آراء القضاة فيها. ورأت المحكمة في
فتواها ما يلي:
- اعتبر القضاة أن الحق في الدفاع عن النفس أهم قيمة
أساسية، وأن بقاء الحضارة والكوكب ككل له الأهمية القصوى.
- أكدت المحكمة بأغلبية وازنة (11 في مقابل 3) أن ليس في
القانون الدولي العرفي أو التعاهدي أي حظر عام وشامل للتهديد بالأسلحة النووية
تحديداً أو باستخدامها، مع أن التهديد باستخدام القوة يعارض المادة الثانية من
ميثاق الأمم المتحدة.
- أكدت المحكمة أن استخدام السلاح النووي في الحرب (ولو
كان غير محظور صراحة) لكن على مستخدمه أن يحترم مبادئ القانون الدولي الإنساني
التي تميّز بين المدنيين والعسكريين، والتي تحظر استخدام الأسلحة العشوائية الأثر.
- خلَصت المحكمة إلى أنه في حال القانون الدولي الراهن،
ليس في وسعها أن تصل إلى نتيجة حاسمة بشأن ما إذا كان التهديد بالسلاح النووي أو
استخدامه مشروعاً في حال الدفاع عن النفس، وفي حال الظرف الأقصى، وحيث يكون بقاء
الدولة نفسه معرضاً للخطر.
في النتيجة، وقياساً على الفتوى التي
أصدرتها محكمة العدل الدولية والنتائج التي خلَصت إليها، نجد أن الروس استغلوا
الثغرة القانونية التي أشارت إليها محكمة العدل الدولية، حين ربطوا استخدام السلاح
النووي بالدفاع عن النفس، حين يكون بقاء دولتهم أو مصيرها مهدّداً من قبل عدو
خارجي، وهو ما يجيزه غموض وصمت القانون الدولي في هذه القضية.
في المقابل، إن اللعب على حافة الهاوية
الذي يمارسه الطرفان الروسي والأوروبي، قد يدفع العالم إلى أن يشهد حرباً تُستخدم
فيها رؤوس نووية تكتيكية، تؤدي إلى كوارث مهولة في القارة الأوروبية وروسيا، سواء
على الصعيد الإنساني أو البيئي أم لناحية الدمار والضحايا التي ستخلّفها، وتبقى
الشعوب– الضحية الكبرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق