2022/10/31

هل يكرر ريشي سوناك تجربة باراك أوباما؟

سابقة هي الأولى من نوعها، اختار حزب المحافظين في بريطانيا، البريطاني–الهندي الأصل ريشي سوناك ليكون رئيساً للحزب، وبالتالي رئيساً لمجلس وزراء بريطانيا، ما عده كثيرون "لحظة تقدمية" في السياسة البريطانية التقليدية التي عُرفت رئاسة الوزراء فيها بأنها للبريطانيين البيض حصراً.

لا شك في أن المهمة الملقاة على عاتق سوناك ليست سهلة بعد سلسلة من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية التي امتدت منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مروراً بفترة حكم تيريزا ماي، فبوريس جونسون، وصولاً إلى ليز تراس التي انهار معها الجنيه الإسترليني وانهارت معها الأسواق المالية، ما دفعها إلى الاستقالة على الرغم من أيامها المعدودة في الحكم.

وإذا كان سوناك قد وصل على خلفية المأزق القيادي الذي وصل إليه حزب المحافظين البريطاني، فإن اللحظة التاريخية البريطانية تشبه إلى حدٍ بعيد اللحظة الأميركية التي أوصلت باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وذلك على النحو التالي:

1-   المأزق السياسي الحزبي:

تعاني الأحزاب الغربية عموماً أزمة قيادية، تتراوح بين طبقة تقليدية "هرمة" تسيطر على مقدرات الحزب وتمنع تداول السلطة مع قيادات شابة، وقيادات شعبوية تحاول اختصار الأحزاب بشخصها وتحويلها من مؤسسات حزبية إلى أحزاب-الشخص القائد الملهم.

في وقت سيطر فيه دونالد ترامب على الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية واختصره بشخصه وأقصى معارضيه، فإن الحزب الديمقراطي ينقسم إلى تيارات ثلاثة متصارعة: التيار التقليدي الأول بزعامة الرئيس الأسبق باراك أوباما وامتداداً إلى الرئيس جو بايدن، والتيار التقليدي الثاني بزعامة هيلاري وبيل كلينتون، في مقابل تيار ليبرالي تقدّمي بزعامة بيرني ساندرز

في المقابل، وصل سوناك إلى رئاسة حزب المحافظين، وورث حزباً منقسماً على خطوط عدة، تتراوح بين اليسار واليمين. الصعوبة الكبرى التي سيواجهها سوناك، مصدرها الجناح الشعبوي المؤيّد لجونسون، وهو أكثرها تطرّفاً في موضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي يمكنه -إذا أراد جونسون- أن يُغرق سوناك ويطيحه بالتزامن مع الإضرابات العمالية المتوقعة هذا الشتاء.

2-   أزمة اقتصادية عالمية:

وصل أوباما إلى البيت الأبيض في ظل أزمة اقتصادية عالمية، بدأت في الولايات المتحدة وامتدت إلى أنحاء العالم، وعُدّت الأسوأ على الإطلاق منذ زمن الكساد الكبير عام 1929. بدأت الأزمة بما سمّي أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة وامتدت إلى المصارف الأميركية، التي انهار منها 19 مصرفاً عام 2008.

وبالمشهد نفسه تقريباً، يصل سوناك إلى رئاسة مجلس الوزراء في المملكة المتحدة، في ظل تنبّؤات بركود اقتصادي عميق وارتفاع في أسعار الكهرباء والطاقة والتضخم، وأزمات اقتصادية متوقعة ترتبط بأزمة جائحة كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا والعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا.

في عام 2008، استطاع أوباما أن يقنع غالبية الناخبين الأميركيين، بأنه أكثر المرشحين تأهيلاً لقيادة البلاد في الأوقات الاقتصادية المضطربة فاختاروه وخسر "بطل الحرب" جون ماكين، واليوم احتاج حزب المحافظين إلى شخصية اقتصادية تستطيع أن تعطي "أملاً" بإمكانية خروج الاقتصاد البريطاني من كبوته العميقة وتُخفّف الضغوط الشعبية عن الحزب، فكان ريشي سوناك، وزير الخزانة الأسبق المتمرّس في سوق المال والأعمال.

3-   تعثّر الإمبراطورية:

ورث أوباما عن سلفه جورج بوش الابن، دولة منخرطة في حربين مكلفتين في الشرق الأوسط، وأصواتاً شعبية في الداخل تطالب بعودة الجنود الأميركيين إلى منازلهم، وكثيراً من الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسة القوة الصلبة التي أضرّت بصورة الولايات المتحدة في الخارج.

وبالطريقة نفسها، كان أداء حزب المحافظين سيئاً في معالجة الأزمات التي استجدت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كان التصويت الإيجابي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016 العامل الرئيس في زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في بريطانيا.

 كما جورج بوش والمحافظين الجدد الذين انخرطوا في حروب خارجية في الشرق الأوسط من دون رؤية واضحة للمستقبل، لم يكن هناك رؤية واضحة لدى حزب المحافظين تجاه ما يعنيه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فغرقت تيريزا ماي وبوريس جونسون في المشكلات والتحديات، وكانت رئاسة ليز تراس لمجلس الوزراء الأقصر على الإطلاق بعد سلسلة من المشكلات التي تسبّبت بها بنفسها وقلة خبرتها.

وفي النتيجة، ومع أن الظروف الموضوعية والحزبية الداخلية هي التي أملت هذه "الثورة" التغييرية داخل الولايات المتحدة وبريطانيا، لكن تجربة باراك أوباما على الصعيد الاجتماعي–السياسي الداخلي لم تكن مشجعة فقد ساهمت في تعميق الانقسامات وزادت القلق على الهوية الحضارية لدى الطبقات البيضاء، بالتزامن مع مشكلات اقتصادية أضرّت بالطبقات المتوسطة

لقد أدّت الأزمة الاقتصادية العالمية، وتراجع مستوى معيشة الطبقات المتوسطة البيضاء، ووصول شخص من ذوي البشرة السوداء، أي باراك أوباما إلى البيت الأبيض للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، إلى زيادة حدّة الانقسامات وارتفاع نسبة التأييد لأشخاص أمثال دونالد ترامب ومارغوري غرين المتطرفة وغيرهم، لذا يحتاج ريشي سوناك في المملكة المتحدة إلى المزايدة في التطرف ليوازي الشعبوية التي يتمتع بها بوريس جونسون، وهذا سيجعل المشكلات البريطانية تتفاقم ربطاً بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المرتقبة وصعوبة الملفات الشائكة كملف إيرلندا الشمالية والاتفاق على آليات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

  

2022/10/24

الترسيم البحري بين لبنان وسوريا... ماذا عن روسيا؟



يسير لبنان قدماً وبوتيرة متسارعة لناحية حسم أمور الترسيم البحري مع كل من سوريا وقبرص، وذلك بعد الانتهاء من الملف الأكثر صعوبة وهو انهاء الترسيم البحري مع "اسرائيل"، الذي من المتوقع أن يتم التوقيع النهائي عليه خلال هذا الأسبوع الجاري.

وليس من المتوقع أن يستغرق ملف الترسيم مع الدولتين السورية والقبرصية الوقت الذي استغرقته المفاوضات الأخرى، وذلك لأن "اسرائيل" اعتادت على استخدام الضغوط الدولية وخاصة الأميركية لتأخذ ما ليس لها ولتقضم حقوق الآخرين.

لقد وجدت اسرائيل دائماً لدى الطرف الغربي وخاصة الأميركي (من الحزبين) الاستعداد لفرض ضغوط قصوى على الطرف الآخر للاستسلام والتنازل عن حقوقه، حتى لو أدّت تلك الضغوط الى تجويع الشعوب، ومنعها من استغلال ثرواتها، وإبقائها بلا كهرباء، تماماً كما حصل مع غزة في حقل غزة-مارين، وكما حصل مع لبنان على مدى 12 سنة، حين فرض المفاوض الأميركي شروطاً على لبنان أقلّها "القبول بالتصور الأميركي للترسيم، وإلا بقاء الغاز في البحر وبقاء الأزمة الاقتصادية" (راجع حديث شينكر مع موقع الهديل).

واليوم، يطرح على بساط البحث، بدء مسار الترسيم البحري بين لبنان وسوريا، وقد أوردت التقارير الصحفية أن الروس عرضوا أنفسهم "وسطاء" دوليين، في حال تعذّر الوصول الى اتفاق، او لحلّ اي مشاكل تقنية قد تطرأ بين الدولتين – الجارتين.

وبعد وصول الأمور الى هنا، من المفيد إبداء الملاحظات التالية:
1- يبدو أن التطورات الدولية والاتفاقيات التي تسير على قدم وساق، ستفرض نوعاً من تقاسم النفوذ الدولي "الواقعي" في منطقة المشرق العربي، فيكون النفوذ الأميركي مكرساً في كل من العراق ولبنان، بينما يكرّس النفوذ الروسي في سوريا.

أما النفوذ الاقليمي، فعلى ما يبدو (لغاية الآن) أن لكل من إيران وسوريا دور في لبنان بدون الاخلال بالمصالح الغربية، وقد تفرض التطورات أن يلجأ العرب الى سوريا لحفظ مصالحهم في الساحة اللبنانية، كما فعلت في عقود سابقة، حين حافظت على التوازنات الدولية والاقليمية بدقّة بعد اتفاق الطائف.

2- وعليه، وبحسب سير المفاوضات بين لبنان وسوريا حول الترسيم البحري، قد يكون أحد الحلول لتقاسم البلوكات المشتركة على الحدود بين الدولتين، هو أن تقوم نفس الشركة الروسية المشغلة بالعمل على ضفتي الحدود ويكون هناك صندوق مشترك يتمّ عبره تقاسم للعائدات.

وهنا، تجدر الاشارة الى البند المتعلق باستثناء "الشركات التي عليها عقوبات دولية" في نص الاتفاق بين لبنان و"اسرائيل" برعاية أميركية، والذي أثار لغطاً إعلامياً.

وبالعودة الى نص الاتفاق، نجد أن العبارة التي استبدلها لبنان من "عقوبات أميركية" الى "عقوبات دولية" هي حصراً متربطة بالعمل في البلوك رقم 9 (ومن ضمنه حقل قانا اللبناني) وليس جميع البلوكات اللبنانية التي يبقى للبنان الحرية في التعاقد مع الشركات التي تتقدم بأفضل عرض للاستثمار.

علماً أن عبارة "العقوبات الدولية"، تعني أن هناك قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي بموجب قرار أممي بموجب الفصل السابع، يفرض تلك العقوبات، وهذا مختلف عن العقوبات الآحادية الجانب التي فرضها الجانب الأميركي أو بالتكافل مع حلفائه الغربيين والدوليين على الشركات الروسية أو الايرانية أو غيرها، التي تبقى غير ملزمة إلا للدول التي أعلنت التزامها بها، ولا تعني لبنان ولا أي دولة أخرى انطلاقاً من مبدأ السيادة.

في النتيجة، لقد وُضع لبنان على سكة الاستكشاف والتنقيب، وبالرغم من أن حصد العائدات يحتاج الى وقت طويل نسبياً، إلا أن الجرأة في مقاربة الملف، والسير في حسم مسألة الحدود مع "اسرائيل" وسوريا وقبرص، ستكون أحد الأسباب في إزدهار ونمو اقتصادي واعد إن أحسن اللبنانيون إدارة هذا الملف وتوزيع عائداته بدون فساد ونهب. 

2022/10/23

استراتيجية بايدن: تقييم جديد للحلفاء والمصالح في الشرق الأوسط

تأتِ استراتيجية الأمن القومي الأميركي، والتي أصدرتها إدارة بايدن، بجديد على صعيد الشرق الأوسط، فلقد أكدت ما كان ظهر من خلال التصريحات الأميركية، وما تمّ استنتاجه من زيارة بايدن الأخيرة للمنطقة، والتي أجمع المراقبون على أنها لم تكن على قدر التطلعات الأميركية، وأنها كانت حملة علاقات عامة متواضعة النتائج.

ومن خلال المقارنة العلمية لاستراتيجية الأمن القومي الحالية، مع الاستراتيجيات التي نشرتها كل من إدارتَي دونالد ترامب وباراك أوباما، تبدو التهديدات الاستراتيجية العالمية، الواردة في الوثيقة الحالية، أقرب إلى وثيقة الأمن القومي لإدارة ترامب المنشورة عام 2017. أمّا القسم المرتبط بالتصور الاستراتيجي للشرق الأوسط، فيبدو امتداداً لاستراتيجية الأمن القومي الأولى، التي نشرتها إدارة باراك أوباما عام 2010، والتي تتضمن رؤية بعيدة المدى، بعكس تلك المنشورة في الولاية الثانية لأوباما عام 2015، والتي عكست فشل "الربيع العربي"، وعودةَ الانخراط الأميركي من أجل "مكافحة الإرهاب"، تحت عنوان محاربة "داعش".

في الوثيقة الحالية لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط، نجد ما يلي:

1- التركيز على خفض التصعيد:

تتعهّد الوثيقة تعزيز الشراكات والتحالفات ودعم الدبلوماسية لخفض التصعيد وتهدئة التوترات وتقليل مخاطر نشوب صراعات جديدة في الشرق الأوسط. ومن أجل تحقيق هذا الغرض تتعهّد الوثيقة التخلي عن سياسة الانخراط العسكري وتغيير الأنظمة بالقوة.

أوردت الوثيقة ما يشبه المراجعة النقدية لسياسات الانخراط السابق في الشرق الأوسط، فألقت اللائمة على تلك السياسات وتسبُّبها بتخلّف الولايات المتحدة عن التقاط الفُرص الملائمة للأولويات العالمية، مؤكدة أن السياسات السابقة كانت تستند إلى "إيمان غير واقعي بالقوة وبتغيير الأنظمة لتحقيق نتائج مستدامة"، الأمر الذي فوّت الفرصة الملائمة للانخراط في مناطق أخرى.

لكن، على الرغم من هذه المراجعة بشأن فشل سياسة تغيير الأنظمة، وعلى رغم أن الوثيقة لا تذكر صراحة العمل على تغيير النظام الإيراني، فإنّها تتعهّد "الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني"، الذي "يناضل من أجل الحقوق الأساسية والكرامة، التي حرمها النظام في طهران منذ فترة طويلة"، بحسب نص الوثيقة

2- ادّعاء امتلاك "ميزة نسبية" لا تضاهى لتحقيق الاستقرار:

تشير الوثيقة إلى امتلاك الولايات المتحدة "ميزة نسبية" في بناء الشراكات والائتلافات والتحالفات، من أجل تعزيز الردع وتحقيق الاستقرار الطويل الأمد في المنطقة، علماً بأن عبارة "الميزة النسبية" تُستخدم على نحو كبير في التجارة والاقتصاد، وتعني أن الشخص عادة ما يتمتع بميزة نسبية في إنتاج شيء ما، الأمر الذي يعني أنه كان في إمكانه إنتاجه بتكلفة أقل من أي شخص آخر، بينما امتلاك "ميزة مطلقة" يعني أنه الأفضل على الإطلاق في إنتاج ذلك الشيء.

وفي هذا الإطار، تتعهّد الوثيقة العمل على مبادئ خمسة، هي:

أ‌- المبدأ الأول: تعزيز الشراكات مع الدول التي تشترك في النظام الدولي القائم على القواعد، ومساندتها في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية

واللافت، في هذا البند، أن الوثيقة تخلّت عن عبارة "الحلفاء"، الذين عادة ما يتم الحديث عنهم في الأدبيات الأميركية، لمصلحة مجموعة محددة من الدول، هي التي تلتزم القواعد الأميركية (وهنا قد يتم استثناء بعض الحلفاء التقليديين).

ب‌- المبدأ الثاني: "عدم السماح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتهديد حرية الملاحة عبر الممارّ المائية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب. ولا تتسامح مع الجهود التي تبذلها أي دولة للسيطرة على أخرى - أو المنطقة - من خلال التعزيزات العسكرية أو التوغلات أو التهديدات".

ويُقصد هنا إيران بصورة أساسية، والتي تشير اليها الوثيقة في أماكن متفرقة، وتتعهّد عدم حصولها على سلاح نووي، وعدم التسامح مع تهديداتها ضد الشعب الأميركي والمصالح الأميركية، من خلال استخدام الدبلوماسية مع الإبقاء على الخيارات الأخرى على الطاولة.

ج- في المبدأ الثالث، تستدرك الوثيقة فتتراجع عن اللغة التهديدية الواردة في المبدأ الثاني، فتؤكد أنه "حتى عندما تعمل الولايات المتحدة على ردع التهديدات، التي يتعرّض لها الاستقرار الإقليمي، فإننا سنعمل على تقليل التوترات، وخفض التصعيد، وإنهاء النزاعات، حيثما أمكن ذلك، من خلال الدبلوماسية".

د- المبدأ الرابع يؤكد عمل الولايات المتحدة على التكامل الاقليمي "من خلال بناء روابط سياسية واقتصادية وأمنية بين شركاء الولايات المتحدة، وفيما بينهم... مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة".

هـ‌- المبدأ الخامس يتحدث عن تعزيز حقوق الإنسان.

3- الالتزام "الصارم" فيما يتعلق بأمن "إسرائيل":

لا تنسى الوثيقة تأكيد "الالتزام الصارم فيما يتعلق بأمن إسرائيل"، ودعم التطبيع والعلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية و"اتفاقيات أبراهام"، و"ترويج حل الدولتين" على أساس حدود عام 1967، مع "مقايضات متفَق عليها" بين الطرفين.

في النتيجة، تشكّل وثيقة الأمن القومي الأميركي، بصورة عامة، الخطوط العريضة للرؤية الاستراتيجية الأميركية في مرحلة وزمان معينين، وهي تتبدّل وفق تبدُّل الظروف والأخطار والتحديات العالمية. وعليه، نجد أن الشرق الأوسط - وإن كان محورياً دائماً في التفكير الاستراتيجي الأميركي- لكنه مقبل على تطورات مهمة ترتبط بالرؤية الأميركية للمرحلة المقبلة، التي ستوازن بين تخفيف الانخراط الأميركي لمصلحة مناطق أخرى والمحافظة على المصالح الأميركية، في آن واحد. وهذا قد يتطلّب تغيير الشراكات والبحث عن بدائل ترتبط بالرؤية الأميركية للتهديدات الاستراتيجية الصينية والروسية، وتقييم أداء الحلفاء "التقليديين" في الشرق الأوسط. 

2022/10/18

استخدام السلاح النووي: غير محظور في القانون الدولي

يستعد حلف شمال الأطلسي لإجراء مناورات عسكرية نووية في بلجيكا تهدف إلى اختبار مدى جاهزية الدول الأعضاء لأي ضربة نووية محتملة، وقد سميت على هذه المناورات عملية " الظهيرة الثابتة" "Steadfast Noon، وذلك في الفترة الممتدة ما بين 18 و26 أكتوبر/أكتوبر الجاري بمشاركة جيوش أربع عشرة دولة من الدول الأعضاء في الحلف، باستثناء فرنسا، حيث يعتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن على الناتو تجنب الانجرار إلى صراع نووي محتمل مع روسيا في أوكرانيا

وكان مسؤولون غربيون، ومنهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد هددوا بـ"القضاء" على الجيش الروسي إن استخدم بوتين أسلحة نووية ضد أوكرانيا، حتى لو كان هذا السلاح تكتيكياً صغيراً لا سلاحاً شاملاً.

وبسماع التهديدات المتبادلة، يحبس العالم أنفاسه خشية تكرار مأساة استخدام السلاح النووي، علماً أن تجربة الحرب العالمية الثانية دفعت إلى إقرار عدد من المعاهدات الدولية وحاولت الوصول إلى حظر شامل للتجارب النووية، ولكنها أخفقت وبقي الأمر مرتبطاً بالحظر الجزئي للتجارب النووية في الفضاء والغلاف الجوّي وفي قعر البحر، وجرى استثناء حظر التجارب النووية في باطن الأرض.

1-معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية:

هي التقدم الأبرز الذي استطاع العالم الوصول إليه في مجال انتشار السلاح النووي. جرى توقيع تلك المعاهدة عام 1968، ودخلت حيز التنفيذ عام 1970، ومع أن الاتفاقية كانت محددة بتوقيت زمني مسمّى، إلا أن موقعيها اتفقوا على أنها سارية المفعول إلى ما لا نهاية، وذلك في مؤتمر مراجعة المعاهدة الذي انعقد في نيويورك في 11 أيار/ مايو عام 1995.

تقوم الاتفاقية على ركائز ثلاث:

1.  الحد من انتشار الأسلحة النووية.

2. الحق في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية.

3.نزع السلاح النووي.

بالنسبة إلى الركيزة الأولى، تعترف المعاهدة بخمس دول حائزة أسلحة نووية، هي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. تتعهّد تلك الدول بعدم نقل الأسلحة النووية وبعدم مساعدة الدول غير حائزة أسلحة نووية وتشجيعها أو حضها على حيازة متفجرات نووية بأي شكل من الأشكال (المادة الأولى). أما الدول غير الحائزة أسلحة نووية فتتعهد بعدم السعي لامتلاكها.

الركيزة الثانية وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأولى، فهي تميّز بين السلاح النووي والطاقة النووية التي تحتاج إليها الدول للتصنيع أو لتوليد الكهرباء وغيرها، وهي غير محظورة بل من حق كل دولة أن تحصل على التقنية النووية.

وتبقى الركيزة الثالثة، وهي نزع السلاح النووي وهي الأصعب على الإطلاق، مع أن الدول الحائزة سلاحاً نووياً قد اتفقت على خفض ترسانتها النووية من الأسلحة، إلا أن هذه الركيزة في المعاهدة (المادة 6) بقيت غامضةً، وزادها التباساً الرأي الذي أعطته محكمة العدل الدولية التي قال فيه إن الالتزام بنزع السلاح النووي في المعاهدة ملزم لجميع الأطراف الموقّعة، وليس للدولة التي تمتلك سلاحاً نووياً وحسب، وأن ليس هناك إطار زمني محدّد لنزع هذا السلاح.

2-قانونية استخدام السلاح النووي في الحروب:

في المبدأ، لا ينص القانون الدولي على حظر شامل أو عالمي على استخدام الأسلحة النووية في الحروب. وعلى الرغم من صدور عدد من التوصيات والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تدفع نحو عدم مشروعية استخدام السلاح النووي في النزاعات المسلحة، وعدم جواز التهديد بها، لكن الأمر بقي محل اختلاف بين الدول وفقهاء القانون الدولي، لأن ما من نصّ دولي صريح أو اتفاقية دولية أَقرّت هذا الحظر أو عدم جواز استخدام هذا السلاح في الحروب صراحة.

في معرض النظر في الفتوى التي طلبتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية التي قامت فيها بتحليل مفصّل للقانون الدولي الإنساني (قانون النزاعات المسلحة)، تطرقت المحكمة إلى مشروعية استخدام الأسلحة النووية في الحرب، وقد تباينت آراء القضاة فيها. ورأت المحكمة في فتواها ما يلي:

- اعتبر القضاة أن الحق في الدفاع عن النفس أهم قيمة أساسية، وأن بقاء الحضارة والكوكب ككل له الأهمية القصوى.

- أكدت المحكمة بأغلبية وازنة (11 في مقابل 3) أن ليس في القانون الدولي العرفي أو التعاهدي أي حظر عام وشامل للتهديد بالأسلحة النووية تحديداً أو باستخدامها، مع أن التهديد باستخدام القوة يعارض المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.

- أكدت المحكمة أن استخدام السلاح النووي في الحرب (ولو كان غير محظور صراحة) لكن على مستخدمه أن يحترم مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تميّز بين المدنيين والعسكريين، والتي تحظر استخدام الأسلحة العشوائية الأثر.

- خلَصت المحكمة إلى أنه في حال القانون الدولي الراهن، ليس في وسعها أن تصل إلى نتيجة حاسمة بشأن ما إذا كان التهديد بالسلاح النووي أو استخدامه مشروعاً في حال الدفاع عن النفس، وفي حال الظرف الأقصى، وحيث يكون بقاء الدولة نفسه معرضاً للخطر

في النتيجة، وقياساً على الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية والنتائج التي خلَصت إليها، نجد أن الروس استغلوا الثغرة القانونية التي أشارت إليها محكمة العدل الدولية، حين ربطوا استخدام السلاح النووي بالدفاع عن النفس، حين يكون بقاء دولتهم أو مصيرها مهدّداً من قبل عدو خارجي، وهو ما يجيزه غموض وصمت القانون الدولي في هذه القضية.

في المقابل، إن اللعب على حافة الهاوية الذي يمارسه الطرفان الروسي والأوروبي، قد يدفع العالم إلى أن يشهد حرباً تُستخدم فيها رؤوس نووية تكتيكية، تؤدي إلى كوارث مهولة في القارة الأوروبية وروسيا، سواء على الصعيد الإنساني أو البيئي أم لناحية الدمار والضحايا التي ستخلّفها، وتبقى الشعوب– الضحية الكبرى.

  

2022/10/17

الانتفاضة والترسيم واتفاق 17 أيار...


أعوام ثلاثة مرّت على انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 لم تستطع خلالها تحقيق المطالب التي نزل الشعب اللبناني من أجلها، بالرغم من أن الاندفاعة الأولى لتلك الانتفاضة حظيت بتأييد الاغلبية من اللبنانيين، قبل أن يستدرك العديد من المتظاهرين ومعهم القوى السياسية أن هناك من يستغل المطالب المشروعة للبنانيين لتحقيق انقلاب سياسي ليس في صالح لبنان.

وإذا كان من أرباح حققتها تلك الانتفاضة، بإنها كشفت جميع الأقنعة السياسية "تقريباً"، فمن كان ينظر إليه كرجل دولة، بات بنظر كثيرين "الناهب الأكبر للدولة اللبنانية"، وانكشف جبل جليد التسويات والكيديات السياسية التي عطّلت البلاد وحرمت اللبنانيين من حقوقهم الأساسية بسبب السمسرات والصفقات والكيديات.

لكن، منذ ذلك التاريخ، تبدلت أحوال اللبنانيين، فسرقت الودائع، وانهار الاقتصاد اللبناني وتعطلت الكهرباء وانهارت المؤسسات وسحقت الطبقات المتوسطة والفقيرة ... أما سياسيًا، انهارت معه التسويات السياسية الناظمة للعلاقة بين أركان الحكم، وخرج سعد الحريري من الحكم معتزلاً الحياة السياسية بشكل نهائي، ما يمكن اعتباره الخاسر الأكبر من انتفاضة تشرين الأول، بينما صمد شريكه في التسوية جبران باسيل، واستطاع أن يقلب المعادلات في خلال أقل من ثلاث سنوات، فيصبح رقماً أساسياً في معادلة الترسيم البحري الذي رعته أميركا.

وبالعودة الى اتفاق الترسيم البحري، فبالرغم من الفرحة العارمة التي يشعر بها معظم اللبنانيون على اختلاف مشاربهم، تستمر الكيدية السياسية والشعبوية في محاولة منع اللبنانيين من الفرح والأمل بمستقبل أفضل، أما الجديد في هذه الجدال السياسي والاعلامي، فهو الادعاء بأن اتفاق 17 أيار أعطى لبنان أكثر مما أعطاه ملف الترسيم الحالي، ونلفت في هذا الاطار بعد إجراء مقارنة علمية بين الوثيقتين، لما يلي:

أ‌-     يختلف 17 أيار 1983، بشكل جوهري وأكيد عن اتفاق الترسيم البحري الحالي بين لبنان واسرائيل، فالاتفاق الاول هو – بالمبدأ- معاهدة سلام مع اسرائيل فيها علاقات دبلوماسية وأطر أمنية وتعاون وتنسيق اقتصادي وسياسي وعسكري وأمني الخ، بينما اتفاق الترسيم البحري هو مجرد تفاهم على تقسيم بلوكات وثروة بحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، بدون اي تعاون أو تفاهم أو تنسيق أو تطبيع بين الطرفين.

ب‌-  بعكس ما يشاع عن أتفاق 17 أيار أعطى لبنان مساحات أوسع من اتفاق الترسيم الحالي، يجب التأكيد أن اتفاق 17 أيار لم يقم بأي ترسيم مطلقاً والخريطة المرفقة ليست للترسيم بأي شكل من  الأشكال.

ت‌- بالعودة الى المادة 3 من اتفاق 17 أيار وملحق "الترتيبات الأمنية"  الذي يتضمن الخريطة (المادة الاولى/ فقرة ب) والتي يتم استخدامها في الاعلام، نجد أن هدف الخريطة واضح ومحدد في المادة الثانية في الملحق _الترتيبات الأمنية، وهو قيام القوى الأمنية اللبنانية بتأمين أمن اسرائيل، وهي تنص حرفياً على ما يلي: "تتخذ السلطات اللبنانية تدابير أمنية خاصة لكشف النشاطات العدائية ومنعها، كما لكشف ومنع إدخال أو تحرك المسلحين غير المسموح لهم وكذلك إدخال أو تحرك التجهيزات العسكرية غير المسموح بها في المنطقية الأمنية أو عبرها....."

ث‌- كما هو واضح من نصوص الترتيبات الأمنية التي ترتبط بها الخريطة المشار إليها أعلاه، نجد أن "اسرائيل" كانت تهدف الى جعل "الجيش اللبناني والشرطة اللبنانية والانصار" – كما هو وارد في النص- حراس حدود "لاسرائيل". وحددت الاتفاقية بالتفصيل مهامهم، والأسلحة التي يستطيعون استخدامها، وجعلت هؤلاء تحت اشراف لجنة عسكرية مشتركة لبنانية- اسرائيلية بقيادة ضباط اسرائيليين، تجتمع كل اسبوعين للتنسيق.

ج‌-  لا تكتفي اللجنة الأمنية بالتحقق والسهر على امن اسرائيل في البحر، لكنها تتحقق أيضاً من تأمين أمن "اسرائيل" من كل النواحي، وتقوم بكمّ الافواه في الداخل اللبناني وتمنع انتقاد "اسرائيل"، وذلك تطبيقاً لنص المادة 4 من هذا الاتفاق، والتي تنص على عدم السماح لجهات أو لمنظمات غير حكومية أو غير ذلك "بالتدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر" أو القيام بأعمال تهدد أمنه وشعبه أو تقوم "بالتحريض" ضد اسرائيل الخ... ويتعهد لبنان باتخاذ التدابير "الوقائية والاجراءات القانونية بحق الأشخاص والمجموعات التي ترتكب أعمالاً مخالفة لأحكام هذه المادة".

 

في الخلاصة، سواء كانت المقارنة الجديدة بين اتفاق الترسيم واتفاقية 17 أيار، ينطلق من كيدية سياسية، أو يهدف الى تمجيد اتفاق 17 أيار لغايات سياسية ترتبط بداعمي هذا الاتفاق في لبنان وداعمي العلاقة مع اسرائيل سابقاً، أو سواء كان مطلقوه قد تعرضوا لحملة تضليل من الفئات السابقة، أو كانوا من فئة الشعبويين الذين يهدفون الى حشد المصفقين، فإن المقارنة لا تصحّ، وإن الاستمرار في هذه الكذبة بعد التفسيرات المتتالية، تعطي أنطباعاً بأكثر من البساطة والجهل والكيدية السياسية، بل بسوء النيّة ورغبة مبيتة في التعامل والتطبيع مع اسرائيل.

 

2022/10/10

الترسيم البحري: بين الانجاز والتخوين

أعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية أنّ الرئيس ميشال عون سوف يتلقى الصيغة النهائية من اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وأن الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، أطلعه على النتائج الأخيرة للاتصالات حول ترسيم الحدود، وتعهدت الرئاسة بأن يقوم الطرف اللبناني بدراسة التعديلات بسرعة والردّ عليها.

عملياً، تقلّصت الفجوات بين الرؤيتين اللبنانية و"الاسرائيلية" الى نقطتين:

-        خط العوامات (الطفافات): والتي تريده اسرائيل شريطاً أمنياً، وهو ما لن يقبل به لبنان.

-        ربط عمل توتال في البلوك رقم 9 (ومن ضمنه حقل قانا) بالتسوية بينها وبين اسرائيل، وهو ما رفضه لبنان بحق، إذ تبين فعلاً أن هناك سوء نيّة مبيّتة في هذا البند بدليل رفضه اسرائيلياً.

وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية ان توتال تعهدت مؤخراً بفصل التنقيب في الحقول اللبنانية عن موضوع تسوياتها مع اسرائيل (وهكذا تكون هذه النقطة قد تمّ معالجتها).

وتحدث الاعلام "الاسرائيلي" باسهاب عن الانقسام بين القوى السياسية، وان الانتخابات ألقت بثقلها على موضوع الترسيم، حيث قام نتنياهو ومعه العديد من قوى المعارضة باتهام حكومة يائير لابيد بالخضوع لحزب الله، وأن الاتفاق "سيء لحقوق اسرائيل". أما على المستوى الأمني، فالواضح أن هناك اتفاقاً بين الجهات المحتلفة بأن "اسرائيل" غير مستعدة ولا تريد الذهاب الى تصعيد مع لبنان، وأن "الاتفاق جيد" كونه يجنّب اسرائيل حرباً لا تريدها.

في المقابل وعلى الجهة اللبنانية، نجد ما يلي:

أ‌-       التشكيك بقوة لبنان:

بالرغم من تشكيك بعض الجهات السياسية والاعلامية بموقف حزب الله، فإن التهديد الحربي الذي قامت به المقاومة قد فعل فعله وحوّل مسار المفاوضات من مماطلة وتسويف وفرض شروط مجحفة على لبنان، الى إقرار بحقوق لبنان في مياهه وغازه والاقرار برفع الفيتو الذي وضعه الأميركيون ومارسوا من خلاله ضغوطاً مخيّرين لبنان: "إما أن يقبل لبنان بالتصور الأميركي (خط هوف) وأما أن يبقى الغاز مدفوناً الى الأبد".

الأكيد أن "اسرائيل" لا تفهم سوى لغة القوة، وهو ما انعكس في اعلانها أن بدء عملية الضخ التجريبي العكسي من الشاطئ إلى منصة "كاريش" هو لفحص جاهزية منظومة التوصيل البحرية بين المنصة والشبكة على اليابسة. يضاف الى ذلك، ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية أن "تل أبيب طلبت من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين إبلاغ لبنان أنّها لن تستخرج الغاز حالياً من حقل كاريش"، وأن "تل أبيب معنية بأن تصل الرسالة إلى الأمين العام لحزب الله بأنّها لا تريد حرباً".

ب‌-    التخوين السياسي:

صدرت العديد من الأصوات التي اتهمت المفاوضين بالتفريط بحقوق لبنان، علماً أن مروحة واسعة من الأطراف تتعامل مع هذا الملف وتبدي رأيها فيه وتدخل عليه تعديلات، منها المعلن وغير المعلن، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

1-     القوى المعلنة رسمياً - التي أبدت رأيها وأعطت موافقتها على المسودة ما قبل النهائية:

-        رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه.

-        رئيس الحكومة نجيب الميقاتي وفريقه.

-        رئيس مجلس النواب نبيه برّي وفريقه.

-        الجيش اللبناني والفريق المختص.

-        الامن العام بقيادة اللواء عباس ابراهيم.

-        حزب الله واللجنة التي شكّلها.

 

2-     القوى غير المعلنة رسمياً:

القوى السياسية الحليفة للولايات المتحدة التي أطلعها الأميركيون على سير الملف وشرحوا لهم بالخرائط تفاصيل التسوية المزمع عقدها مع لبنان، وتلك التي تنسّق مواقفها مع الأميركيين قبل إبدائها.

في النتيجة، إن مروحة القوى السياسية الواسعة جداً والفضفاضة التي توافقت (أو اطلعت) على مسودة اتفاق الترسيم يجب أن تعطي بعض الثقة بأن الاتفاق وإن لم يكن مثالياً فعلى الأقل هو أفضل ما يمكن تحصيله للبنان، ولو استطاعت الفرق المعنية تحصيل حقوق أكبر للبنان لما توانت عن ذلك، أما إدعاء البعض  بأن حزب الله أعلن وقوفه خلف الدولة اللبنانية، فهذا لا يعني أنه غير معني بالاطلاع وإبداء الملاحظات وإعطاء الموافقة المسبقة على ما "سيقوم بحرب ويقدم شهداء" من أجله.

هذا في السياسة الداخلية، أما في المبادئ السياسية العامة، فيمكن الاشارة الى أمرين:

-         أولاً أن المفاوضات لا يمكن أن تخاض بمنطق صفري: " أما أحصل على كل شيء، أو أنسف كل شيء"،

-        والثاني، أن الأرباح تقاس بالارباح النسبية وليس الأرباح المطلقة، فكل خيار سياسي يلجأ اليه صانع القرار يجب أن يأخذ بعين الاعتبار"الكلفة- الأرباح"، وما يستطيع تحصيله بأقل كلفة وأكثر ربحاً، هو الأفضل على الاطلاق. 

2022/10/04

لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟


الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي أعلن فيه الاعتراف باستقلال الجمهوريات عشية الحرب الأوكرانية في شباط/فبراير 2022، وفيه دعوة للروس والعالم إلى الاعتراف بالدور العالمي لروسيا، وأن الروس سيحصلون على هذا الاعتراف عبر قوتهم، ولن يثنيهم أي شيء عن استرداد "مجد" روسيا التاريخي.

يشهد التاريخ الروسي عبر العصور على العديد من التسويات التاريخية لفترات ما بعد الحروب التي ما زالت تطبع الذاكرة الجماعية الروسية، وفيها تسويات الانتصارات وتسويات الإذلال.

 1- تسويات ما بعد الانتصار العسكري

أ‌-   تسوية يالطا

بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، وبهدف تقريب وجهات النظر في الكثير من القضايا المطروحة، سواء فيما يتعلق بالحرب وتسوياتها أو المبادئ والكيفية التي سيشيّد وفقها التنظيم الدولي الجديد، عُقد مؤتمر يالطا بين 4 و11 شباط/فبراير 1945، بحضور الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والرئيس السوفياتي جوزيف ستالين.

وقد نجم عن هذا المؤتمر العديد من النتائج المهمّة فيما يتعلّق بقضايا الحرب وتسوياتها، واستطاع ستالين أن يحوّل انتصار روسيا على النازية إلى مكاسب سياسية وجيوبوليتكية في أوروبا، واستطاع أيضاً فرض شروطه ومطالبه على حلفائه الغربيين.

لقد تمكن ستالين من أن يحقق لروسيا ما كانت تسعى إليه دائماً، وهو ضمّ العديد من الدول – العازلة إلى كنف الاتحاد السوفياتي. لطالما كان الدفاع عن الدولة الروسية في محيط أوروبي تنافسي يتطلَّب وجود عمق استراتيجي. لذا، سعت روسيا القيصيرية منذ منتصف القرن السادس عشر وما بعده لدفع حدودها إلى الخارج، عبر ضمّ الأراضي لكسب عمق إستراتيجي أو موانع طبيعية أو تأمين - بالحد الأدنى- دول حاجز لمدّ النفوذ إلى المدى الذي يعتبره الحكام الروس ضرورياً للحفاظ على أمنهم

 ب‌- نظام الوفاق الأوروبي 

واقعياً، كرّس هذا النظام مفهوم "توازن القوى" بين القوى الكبرى، وعلى رأسها روسيا. في صياغةٍ لتسويةٍ مرحلة ما بعد حروب نابليون، سعت الدول الأوروبية لمعالجة الأخطار الاستراتيجية وتداركها، فمنح المنتصرون في تلك الحروب أنفسهم وضعاً جديداً رسمياً بصفتهم فئة دول متميّزة أكثر أهمية لتقرر مصير أوروبا، واعتبروا أنهم - وحدهم - مسؤولون عن الحفاظ على السلام.

 2- تسويات ما بعد الهزيمة 

تستمرّ في الذاكرة الروسية مآسي حرب القرم (1853 – 1856)، التي هُزمت فيها روسيا في وجه تحالف فرنسا وبريطانيا العظمى والإمبراطورية العثمانية وسردينيا، وتوّجت بمعاهدة باريس للسلام عام 1856.

بخسارة روسيا والشروط المجحفة التي فُرضت عليها، خرقت القوى الغربية "القانون الأهم" لنظام دول الوفاق الأوروبي القائل إنه "لا ينبغي تحدي أي قوة عظمى أو السعي لإذلالها"، وبالتالي ساعدت على زوال نظام دول الوفاق الأوروبي نفسه، ما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى فيما بعد.

وبالمثل، ومنذ تفكّك الاتحاد السوفياتي، يشعر الروس باستمرار بأنهم كانوا ضحية ظلم غربي تاريخي لم يتعامل معهم إلا كمهزومين، وأن اللحظة التاريخية التي كانت سانحة للتصالح مع الغرب في تسعينيات القرن العشرين استغلها الغرب لمحاولة إذلال روسيا.

يعتبر الروس أنَّ تسوية ما بعد الحرب الباردة تشبه إلى حد بعيد التسوية التي فُرضت على روسيا خلال الحرب العالمية الأولى. لقد استغلّت دول المحور خلال تلك الحرب الضعف الروسي لتفرض معاهدة "بريست ليتوفسك" على البلاشفة، الذين اضطروا إلى التنازل عن أراضيهم التاريخية في هذه المعاهدة. ووفقاً للمؤرخ سبنسر تاكر، "وضعت هيئة الأركان العامة الألمانية شروطاً قاسية على الروس بشكل غير عادي، صدمت حتى المفاوض الألماني".

 3- أيّ تسوية بعد أوكرانيا؟

 عشية الحرب الأوكرانية، وقبلها بأشهر عديدة، حاول بوتين من خلال التهديد بالقوة أن يصل إلى تسوية تاريخية مع الغرب تتيح له أن يعيد روسيا إلى مصافِ الدول العظمى، كما كانت في تاريخها السابق، فكان يسعى للوصول إلى تسوية مشابهة لتسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية (تقسيم مناطق النفوذ بشكل مشابه لما حصل في يالطا عام 1945)، أو ما يمكن تسميته "يالطا -2"، أو التحوّل إلى نظام يشبه الوفاق الأوروبي 1815 الذي كانت روسيا دولة أساسية فيه... وهما النظامان اللذان - بحسب الروس- قد يحققان الاستقرار في النظام الدولي.

فشلت محاولة بوتين في الدفع إلى تسوية تاريخية تؤدي إلى الاعتراف لروسيا بدورها العالمي قبيل الحرب الأوكرانية، لأن تسوية يالطا، وقبلها تسوية عام 1815، كانتا نتيجة حروب كبرى عاشتها أوروبا، واستطاعت فيها روسيا أن تحقق انتصارات كبرى وتكون المنتصر الفعلي، سواء على هتلر أو نابليون.

خلال تاريخهم، لم يقبل الأوروبيون بمنح الروس مساحة نفوذ في محيطهم الأوروبي من دون حرب كبرى ينتصرون فيها، فيجبرونهم على الاعتراف لهم بعظمة دولتهم ودورها العالمي. وهكذا، لا يجد الروس أمامهم سوى خيار الانتصار في الحرب الأوكرانية، كما فعلوا ضد هتلر ونابليون. لذا، يهددون بالسلاح النووي، فإما الانتصار والاعتراف بدورهم العالمي وإما الإذلال كأمة وشعب ودولة.