تتراوح المحاولات الاسرائيلية والأميركية في موضوع ترسيم الحدود البحرية، بين محاولات شراء الوقت لقضم حقوق لبنان بدون الوصول الى التصعيد العسكري الذي هدد به حزب الله في حال فشل الحلول السلمية، وفي الوقت نفسه إشاعة الأجواء الإيجابية للإبقاء على مسار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، حتى لو طال عقوداً، كما كان الحال منذ بدء الحديث عن هذا الملف عام 2010، حيث تقوم اسرائيل بالاستكشاف والاستخراج بينما يبقى لبنان على قارعة الانتظار.
ولا شكّ أن عوامل عدّة تطغى على هذا الملف:
1- الموقف الأميركي:
تحدث الاعلام الاسرائيلي
مراراً عن تدخل الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً في موضوع المفاوضات مع لبنان، وأن
بايدن شدد على "ضرورة التوصل الى اتفاق خلال الاسابيع المقبلة".
الأكيد أن الموقف الأميركي تطغى عليه عدم الرغبة في تدحرج الأمور الى
الحرب في المنطقة، كما الرغبة في تأمين وصول الغاز الاسرائيلي الى أوروبا لما فيه
من فائدة للطرفين الاسرائيلي والاوروبي، لكن، بالرغم من كل ذلك يريد الاميركيون أن
يخرجوا باتفاق لصالح اسرائيل يحفظ لها هيبتها ونفوذها وتفوقها في المنطقة كما كانت
الحال في جميع الاتفاقيات التي قاموا برعايتها منذ عقود.
من ناحية أخرى، يهم الأميركي أن لا يحقق حزب الله أي انتصار عسكري أو
سياسي أو حتى اعلامي في الداخل اللبناني، فهم صرفوا الكثير من المال والنفوذ وساروا
في استراتيجية الضغوط القصوى التي ساهمت (بالاضافة الى الفساد والنهب وسوء الادارة
الداخلي) في انهيار الاقتصاد اللبناني وذلك بهدف "تحجيم حزب الله" كما
أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو نفسه.
2-
الموقف
الاسرائيلي
لم
يعتد الاسرائيلي على تقديم التنازلات بل إن جميع المساعي الدبلوماسية لتوقيع
اتفاقيات سابقة في المنطقة كانت تترافق مع تدخلات أميركية وغربية جعلت الأطراف الأخرى
عرضة لضغوط هائلة، تؤدي بها الى تقديم التنازلات لاسرائيل (وأحياناً غير المقبولة
منطقياً).
اليوم،
يحاول الاسرائيليون الاستمرار في استخدام الوسائل السابقة نفسها مع لبنان، إذ يريدون
من الولايات المتحدة الاستمرار في الضغوط التي مارستها على لبنان سابقاً للقبول بقضم حقوق لبنان وإلا الانهيار والجوع (راجع
تصريح شينكر وسواه حول القبول بالتصور الأميركي للحلّ). ومن هذا المنطلق، يمكن أن
يُفهم حديث هوكشتاين السابق الى قناة الحرّة، والمماطلة التي يقوم بها اليوم.
أما
التصريحات الإعلامية الاسرائيلية حول
الحرب مع لبنان والاستعداد لها، فهي ليست سوى تعبير عن قلق اسرائيلي حقيقي من حرب
مع لبنان لا يريدونها، لأنهم غير مستعدين لها، ولا يستطيعون ضبط مسارها، ومتأكدين
من عدم قدرتهم على الانتصار فيها (راجع تصريحات رئيس الأركان الاسرائيلي المعيّن
حديثاً هرتسي هليفي).
3-
الموقف
اللبناني:
وهو
الموقف الأسوأ لناحية وضوح الرؤية الداخلية وتوحدها على السعي الى المصلحة الأفضل
للبنان. منذ بدء مسار التفاوض حول ترسيم الحدود مع قبرص ثم مع "اسرائيل"،
يتعامل بعض المسؤولين اللبنانيين بـ"خفة" مع هذا الملف إن لم نقل بـ"عمالة"
للخارج.
في
الوقت الذي يعيش فيه اللبنانيون أسوأ أيام حياتهم، ينظر بعض المسؤولين الى هذه
الملف من زاوية داخلية كيدية ضيقة ويحاول تسجيل النقاط لمنع توقيع الاتفاق في عهد
الرئيس عون (مهما كانت النتائج الكارثية لهذا الخيار).
الأخطر
في هذا التصور، أن هؤلاء يعتقدون ان "اسرائيل" سوف تعود لإعطاء لبنان
حقوقه لاحقاً بعد مغادرة الرئيس عون والتخلص من تهديد حزب الله بالتصعيد الحربي!!
4-
السيناريوهات
المحتملة:
في
النتيجة، لم يصل ملف ترسيم الحدود الى خواتيمه بعد بالرغم من التقدم، لكن مسار
تقديم التنازلات الاسرائيلية يشي بأنه سيصل الى خواتيم جيدة بالنسبة للبنان، وعليه
سنكون أمام سيناريوهات ثلاث في المرحلة الحالية:
أ-
المماطلة
وحرق الوقت لمحاولة تحصيل بعض المكاسب الاضافية لاسرائيل، ثم توقيع الاتفاق في
النهاية بالطرق الدبلوماسية، بدون تصعيد عسكري... علماً أن لبنان حذّر أن المهلة
ليست مفتوحة.
ب- أن
يضطر لبنان الى إرسال بعض رسائل القوة (بدون استخدامها)، للضغط على المفاوض
الاسرائيلي والوسيط الأميركي لإعطاء لبنان حقوقه، والسير بالاتفاق والتوقف عن حرق
الوقت وإخراج "الأرانب" من قبعة هوكشتاين... يؤدي في النهاية الى توقيع
الاتفاق بدون تصعيد عسكري فعلي.
ت-
أن
يتعنت الاسرائيلي والاميركي، فيقوم لبنان باستخدام القوة (المحدودة)، فتردّ
اسرائيل وتتدحرج الأمور الى أيام قتالية، فيندفع الأميركيون والأوروبيون الى
معالجة الأمر، حيث توضع الأمور على السكة لتوقيع الاتفاق ولو في وقت لاحق.
يبقى
الاحتمالين الأول والثاني أهون الشرور والأكثر احتمالية، لأن الخيار الأخير محفوف
بالمخاطر فلا أحد يستطيع أن ينبئ بمسار الحروب ولا يمكن التأكد أن المعركة ستقتصر
على أيام قتالية معدودة، ولا يحتاج العالم الى حرب في منطقة الشرق الأوسط بالاضافة
الى الحرب الدائرة في أوروبا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق