اندفعت "اسرائيل" لتصعيد التوتر في غزة باستهداف قادة من حركة "الجهاد الاسلامي" ما استدعى رداً عسكرياً، وتصعيداً متبادلاً حيث قصفت "اسرائيل" الأماكن السكنية في غزة، وردّت الحركة بقصف المستوطنات والمدن الاسرائيلية بالصواريخ. وبنتيجة الوساطة المصرية، تمّ التوصل الى إتفاق وقف إطلاق نار وتعهد بالافراج عن أسيرين فلسطينيين تحتجزهما "اسرائيل" من قادة حركة الجهاد الاسلامي.
في العديد من المواقف السياسية والاعلامية، عبّر
الاسرائيليون عن أن أهداف هذه العملية هو توجيه رسالة للبنان، وخاصة لحزب الله،
للقول بأن أي تصعيد محتمل سيقوم به لبنان في موضوع الغاز في شرق المتوسط، وتنفيذ
التهديدات التي أطلقها السيد حسن نصرالله في حال قيام اسرائيل باستخراج الغاز من
كاريش قبل السماح للبنان بالقيام بالتنقيب، سيكون الردّ الاسرائيلي قاسياً، وأن
لبنان سيعاني كما عانت غزة خلال هذه العملية.
عملياً وواقعياً، إذا كانت "اسرائيل" –
فعلاً- تضع نصب عينيها هذا الهدف من تلك العملية، فقد فشلت في تحقيقه، بل انقلب
الى ضدّه وظهرت "اسرائيل" بمظهر أضعف مما كانت عليه قبل العملية، ذلك
كما يلي:
1- اختارت
"اسرائيل" أضعف فصيل من الفصائل الفلسطينية من الناحية العسكرية،
وبالرغم من ذلك استطاع هذا الفصيل أن يقصف المستوطنات والمدن الاسرائيلية
بالصواريخ ويروّع الاسرائيليين فيها.
2- إن
إصرار الاسرائيليين على تحييد حركة حماس ودعوتها الى النأي بنفسها، كان هدفه دق
اسفين بين الفصائل الفلسطينية وزرع الشقاق بين الفلسطينيين كما حصل سابقاً بين
السلطة الفلسطينية والفصائل المختلفة، إلا أن التحييد والاشادة بما أسماه
الاسرائيلي "نأي حماس بنفسها" عن المعركة، أظهر قلقاً اسرائيلياً من أن
تتوسع الحرب الى أيام طويلة لا يتحملها الداخل الاسرائيلي، فتنهمر صواريخ حماس
الأكثر تطوراً وعدداً على المدن الاسرائيلية.
3- لا
شكّ أن كلاً من إيران وحزب الله كانوا يراقبون الأداء الاسرائيلي الداخلي سواء على
المستوى السياسي أو الأمني أو على صعيد الجبهة الداخلية، علماً أن وقف اتفاق النار
الذي سارعت اسرائيل الى طلب الوساطة المصرية لتحقيقه، رفضه الفلسيطينيون حتى تحقيق
مطالبهم بالافراج عن الأسرى.
4- أظهرت
الأيام الحربية القليلة، أن البيئة الداخلية الاسرائيلية غير مستقرة على
المستويَين السياسي والمجتمعي، وأن قدرتها على تحمّل حرب طويلة باتت تتقلص سنة بعد
سنة، ولم تعدّ تتقبل الخسائر والتضحيات كما كانت الأجيال الاولى من المستوطنين،
وبالتالي إن حرباً مع حزب الله، الذي يمتلك صواريخاً دقيقة متطورة، وقدرات هائلة،
لن تكون نزهة للاسرائيليين.
في النتيجة،لم تكن الحرب يوماً هدفاً بحدّ ذاته، بل هي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، منها زيادة القوة أو الحفاظ على القوة أو فرض الهيبة والنفوذ. وعليه، مهما كانت الأهداف السياسية الاسرائيلية من التصعيد العسكري وجولة القتال الأخيرة التي قامت بها، لا يبدو أن الاسرائيليين قد حققوا أي انجاز سياسي يذكر من قتل الفلسطينيين في غزة، ولم يستطيعوا إرسال رسائل قوة وهيبة في الاقليم، سواء للبنان أو لإيران، ولن يكونوا بمأمن في حال قرروا المماطلة في حلّ قضية ترسيم الحدود مع لبنان، وبدأوا باستخراج الغاز في أيلول على ان يبقى لبنان ممنوعاً من الاستفادة من الغاز الموجود في مياهه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق