استفاض العديد من اللبنانيين في التعليق على ما حصل في سيريلانكا، منهم من أراد من اللبنانيين أن يقتحم القصر الجمهوري، ومنهم من تفتقت أريحته الشعرية للتغزل بالسيرلانكية في بيته باعتبارها نموذجاً ملهماً للشعوب، وهو لم ينفك يمارس عليها عنصرية شوفينية ويحجز لها جواز سفرها، ويمنعها من الخروج في يوم عطلة.
ومفهوم كلام أولئك الذين يريدون
أن يقتحموا القصر الجمهوري بسبب غيظهم من الرئيس عون، لذلك تناسوا أن الرئيس
اللبناني بعد الطائف لا يملك أي صلاحيات، وإن كان عليهم أن يتمنوا او يتشبهوا
بالاقتحامات، فعليهم ان يقتحموا المصارف وحاكم مصرف لبنان وهؤلاء الذين قاموا
بسرقة ودائعهم ورزقهم بدون أن يرف لهم جفن.
بتحييد تلك الفئة، نستغرب هذه
الحماسة لدى الآخرين في:
-
دعوة اللبنانيين الى الثورة، وكأن اللبناني لم يقم حديثاً
بثورة ملأت الشوارع، وقامت بقطع الطرقات وسهّلت تهريب الأموال الى الخارج عبر تذرع
البنوك بالثورة للاقفال وتهريب الاموال وحجزها، وهي المسبب الأكبر للانهيار المالي
والاقتصادي.
-
دعوة العرب الى الثورة، وكأن العرب قاصرين عن الثورات،
وكأن الثورات لم تحصل في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وسوريا... أي دعوة
هذه، والعرب لم يأخذوا من الثورات سوى الارهاب والتكفير وقطع الرؤوس، والخيبات
والتشرد والهجرة والموت في المتوسط.
وخارج
هذا الاطار الكلامي الاستعراضي، لا بد من ذكر بعض الحقائق السياسية حول سيرلانكا:
1- بعد الثورة، اتفاق
بين الاحزاب في سيرلانكا على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تضم الجميع.
2- سيرلانكا ساحة
صراع إقليمي بين كل من الصين والهند، وهي جزء من مشروع طريق الحرير الصيني. وفي حين
استمرت الهند في محاولة انقاذ سيرلانكا، لم يرغب الصينيون في الاستمرار بإعطاء
الحكم في سيرلانكا مزيداً من الاموال، بسبب ما نُقل عن السفير الصيني في سيرلانكا
غضبه من الحكومة الحالية التي ألغت عقود كانت الشركات الصينية قد ربحت المناقصات
فيها في منافسة عالمية خلال فترة الحكومة السابقة.
3- تدين سريلانكا
حاليًا بأكثر من 50 مليار دولار لدائنين دوليين، 10% منها للصين، و11 % لليابان، و16
قرض من البنك الدولي، و بين 30 % و 50 %، هو دين خارجي السندات السيادية الدولية
(شركات دولية كبرى) التي لها معدل فائدة أعلى وفترة سداد أقصر.
4- مزيج من الظروف
والسياسات الحكومية أدت الى الازمة، منها كورونا والارهاب الذي ضرب سيرلانكا وفجّر
الكنائس والفنادق والذي عطلا السياحة، وهي مورد رئيسي للبلاد.
5- أما الانتاج
الزراعي الذي كان الأساس الذي تتكل عليه سيرلانكا بالاضافة الى قطاع الملابس، فقد
قامت الحكومة الحالية بتشجيع من الخبراء البيئيين الدوليين بمنع استيراد الأسمدة من
أجل تحقيق "الغذاء العضوي"وذلك بدون خطة متدرجة لذلك، ما ساهم بانخفاض
الانتاج الزراعي وتحوّل سيرلانكا من الاكتفاء الذاتي الى الاستيراد، فأزمة غذائية
كبرى.
في النتيجة، لقد علمتنا التجارب في العالم العربي، أن ليس كل حركة شعبية دعت المواطنين الى حمل الاعلام والصياح في الشارع واقتحام الاماكن العامة هو عمل سيؤدي بالضرورة الى مستقبل أفضل للبلد المعني.. لقد تحولت الثورات العربي - التي ألهمت العالم وانبهر بها كمثل انبهار اللبنانيين بسيرلانكا- الى خريف أحرق الدول العربية، وها هي النماذج ماثلة أمام اعيننا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق