سرت
العديد من التكهنات بأن هناك بعض الأطراف الخارجية والداخلية تسعى الى تأجيل
الانتخابات النيابية، بسبب تأكدها من عدم القدرة على التغيير الفعلي في نتائج
الانتخابات النيابية، وعدم القدرة على قلب موازين القوى لصالحها.
ولقد
تبادلت الأطراف السياسية الاتهامات بالسعي الى هذا التأجيل، وذكرت العديد من
التقارير الصحفية أن الفوضى الأمنية باتت أمراً مطلوباً لهذا الغرض. وقد ردّ حزب
الله – المتهم من قبل قوى 14 آذار والسفارات الغربية بأنه يسعى لتأجيل الانتخابات-
بأن الانتخابات "يجب أن تحصل، وفي موعدها" وأن الـتأجيل (المرغوب
أميركياً- بحسب رأيه) لا يمكن أن يمر.
اليوم،
وقبل أقل من أسبوعين على الانتخابات، يبدو أن حظوط التأجيل قد تراجعت، وبات الجميع
يتصرف وكأن الانتخابات حاصلة لا محالة، وأن التأجيل ليس خياراً مطروحاً على
الطاولة. وفي خضّم هذه الحماوة الانتخابية، يسيطر على المشهد الانتخابي، الظواهر
السياسية التالية:
1- تشظي تيار المستقبل
بالرغم من
قرار تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري بمقاطعة الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً، إلا
أن العديد من قيادات المستقبل تمردت على قرار قيادتها وأعلنت ترشحها وشكّلت لوائح
خاصة بها، وقام السنيورة بتشكيل لوائح (بالتحالف مع القوات اللبنانية) ودعمها في
جميع المناطق التي فيها كتل سنّية وازنة.
وعليه،
يبدو أن تصويت الناخبين السنّة سيتوزع بين لوائح شخصيات تيار المستقبل السابقة
كمصطفى علوش وسواهم، ولوائح القيادات السنيّة من ضمن 8 آذار، ولوائح المجتمع
المدني، لوائح القوات المدعومة من السنيورة الخ.. ما يعني ان هذه الانتخابات (وبغض
النظر عن الارقام والأحجام) ستفرز تعددية في مراكز القرار داخل الطائفة السنية،
وأن زمن هيمنة قوى سياسية معينة على الغالبية العظمى من مقاعد الطائفة السنية،
واحتكار قرارها السياسي قد ولّى.
2- تضخيم حجم القوات
اللبنانية
لا شكّ أن
القوات اللبنانية تتمتع بفائض مالي وإعلامي كبير جداً، يسمح لها بهامش إعلاني ضخم
حول قوتها وإتساع نفوذها على مساحة الوطن. ولقد بدأت حملة تضخيم حجم القوات منذ ما
بعد انتخابات عام 2018، من قبل القوات أنفسهم بالاشتراك مع بعض إعلاميي وقوى 8
آذار، حين اعتبروا أن حصول القوات وحلفائها على 16 مقعداً هو فوز ساحق للقوات،
بينما حصول التيار الوطني الحر وحلفائه على 29 مقعداً، هو خسارة مدوية.
اليوم،
يطغى على المشهد الاعلامي صورة مضخمة للقوات وحجمها، علماً إن التدقيق في تحالفات
القوات اللبنانية، يشير الى أن مَن تحالفوا مع القوات من القوى السياسية
(الاشتراكي، السنيورة) قد قاموا بذلك بناءً على رغبة المملكة العربية السعودية،
بينما تنصل الاشتراكي من هذا التحالف حيث استطاع. ولقد رفضت قيادات المستقبل
التحالف مع القوات في المناطق بالرغم من كل الضغوط.
الأكيد أن
الفائض الكبير في القوة المالية والدعم السياسي الخليجي يسمح للقوات بهامش جيد في
الانتخابات، علماً أن القوات قد تعرضت لعدّة نكسات انتخابية، منها انسحاب المرشحين
الشيعة من لائحة بعلبك الهرمل، وعدم قبول لائحة الاشتراكي – القرعاوي لضمّ القوات
في دائرة البقاع الغربي- راشيا، وإنسحاب القوات ترشيحاً واقتراعاً من دوائر الجنوب
الثانية والثالثة ودعوتها الناس الى المقاطعة في تلك الدوائر، في الوقت الذي تقول
فيه أوساط المجتمع المدني أن دعوة القوات للمقاطعة هي ضدها وليست ضد الثنائي
الشيعي.
3- انعدام فرص
"التغيير المدني"
أظهرت
الانتخابات أن ما قيل عن "قيادات مدنية تغييرية" ستغيّر في مسار السياسة
في لبنان، وتؤسس لبناء دولة مدنية قوية وعادلة تحفظ حقوق مواطنيها، ما هي إلا
شعارات "ثورية" إعلامية سرعان ما انكشفت على حقيقتها.
لقد أظهرت
فترة التحضير للانتخابات، أن ما يسمى "قوى الثورة" لم تستطع أن تتفاهم
مع بعضها البعض على تشكيل لوائح موحدة، بسبب تباين الرؤى السياسية الجذري بينها من
جهة، وطمعها بالمقاعد النيابية من جهة أخرى، واختراقها من قبل الأحزاب السياسية من
جهة ثالثة.
إن اقتتال
مرشحي المجتمع المدني في معارك طاحنة بين بعضها البعض وبينها وبين القوى السياسية،
وانكشاف المطامع والارتهان السياسي والخارجي للبعض منها، يجعل القدرة على
"الاستثمار في الحنق الشعبي ضد القوى السياسية" للحصول على مقاعد نيابية
ولتحقيق خروقات انتخابية صعباً جداً.
4- تراجع شعبي (مفترض)
للتيار الوطني الحر والحزب الاشتراكي
ما انفك
الاعلام اللبناني والعربي وحتى الأجنبي منذ 17 تشرين الأول 2019، يسوّق لمقولة
"خسارة التيار الوطني الحر لشعبيته في مناطقه، وأن قوى الثورة قد سحبت البساط
من التيار وأنه لم يعد يتمتع بالشعبية في المناطق المسيحية". ومؤخراً،
وبالتزامن مع التحضير للانتخابات، أوردت بعض التقارير الصحفية أن الحزب الاشتراكي
أيضاً قد خسر جزءًا من قواعده لصالح الثورة.
واقعياً،
لا يمكن قياس صحة ودقة هذه الأخبار في نتائج هذه الانتخابات، فالتحالفات، وشخصية
المرشحين/ات، والمال الانتخابي يلعب دوراً كبيراً في حجم الأصوات التي يحصل عليها
اللوائح والمرشحون أنفسهم.
لكن، يمكن
أن نشير الى أن أيًا من الحزبين لم يشهدا إنشقاقات هامة بعد 17 تشرين الاول 2019،
بل إن ما شهده التيار الوطني الحر من انفكاك بعض الشحصيات السياسية من التحالف معه
وانسحابهم من التكتل لا يعكس بالضرورة قواعده الشعبية في الاقضية، بل يعكس مصالح
تلك الشخصيات بشكل أساسي وارتهان البعض منها لرغبة السفارات الأجنبية.
في النتيجة، مهما يكن من أمر هذه الانتخابات، الأكيد أن وعود التغيير الشامل التي يطلقها البعض كوعود انتخابية، سرعان ما ستتبدد على مذبح الواقعية السياسية، وموازين القوى اللبنانية، وسيعود اللبنانيون الى التسويات، كما في كل تاريخهم، على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق