بعد الانتهاء من فرز الأصوات واحتساب الكتل النيابية
وأرقام الخاسرين والناجحين، صدرت أصوات عديدة من هنا وهناك تشير إلى
"أكثرية" مختلفة عما كانت عليه سابقاً، وادّعت بعض القوى امتلاكها
"غالبية سياسية" حتى لو لم تكن هذه الغالبية موحدة في إطار سياسي واحد.
يبدو الفريق المطالب بنزع سلاح حزب الله الوحيد الذي
يدّعي امتلاك غالبية حالية، بالرغم من إدراك الجميع أن صناديق الاقتراع لم تفرز أي
غالبية واضحة لأي مكوّن سياسي. مع العلم، أن حسابات هذا الفريق وأرقامه تتباين
أيضاً، فقائد القوات اللبنانية سمير جعجع اعتبر أن موازين القوى الجديدة في المجلس
النيابي، التي "جعلت الأكثرية في مكان آخر"، تسمح بأن يكون القرار
الأمني والعسكري بيد الجيش اللبناني، وبالتالي نزع سلاح حزب الله الذي يتخطى سقف
الدولة. وفي الإطار نفسه، اعتبر النائب الجديد مارك ضو، أن فريق نزع السلاح (هم
والقوات) يملكون ثلثاً معطلاً، أما رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، فاعتبر أنهم
باتوا يملكون "نصف المجلس".
واقعياً وموضوعياً، أظهرت النتائج أن حزب الله والتيار
الوطني الحر وحلفاءهما فقدوا الغالبية التي حصلوا عليها عام 2018، والتي لم تقدم
لهم شيئاً فعلياً يمكن لهم الاستفادة منه، بل زادت الاستقطاب الدولي ضد لبنان الذي
اعتُبر أنه بات في محور إيران بالكامل، بعدما حصل الفريق المتحالف مع المقاومة
الغالبية النيابية ورئاسة مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية، واعتبر سعد الحريري
"ضعيفاً" ومتواطئاً مع الثنائي حزب الله - حركة أمل.
لكن المجلس النيابي اللبناني يتميز بـ 3 كتل غير متساوية، تختلف وتقترب بين
بعضها، وضمن بعضها البعض بحسب الموضوع والقانون، وليس انطلاقاً من فرز سياسي عمودي
تقريباً كما كانت عليه الحال في فترة الانقسام بين 8 و14 آذار.
انطلاقاً من هذا التقسيم السياسي والنيابي الجديد، هل
يمكن بالفعل أن يحصل جعجع وحلفاؤه على "أكثرية" نيابية تصوّت ضد سلاح
حزب الله في المجلس النيابي؟
لقد أعلن الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم أن
مَن سمّاهم "فلول 14 آذار" تراجعت حصتهم في هذه الانتخابات من 47 نائباً
إلى 36 نائباً، وأن هناك 77 نائباً في المجلس النيابي الجديد مع مقاومة
"اسرائيل".
عملياً، يقوم سمير جعجع باحتساب جميع المستقلين والقوى
التغييرية وقوى 14 آذار في موقف واحد، علماً بأن بعض القوى من المستقلين أو من
الوجوه الجديدة، هي علناً مع خيار المقاومة، وأعلنت أنها ومن ضمن استقلاليتها في
المجلس لن تصوّت ضد مبدأ "مقاومة إسرائيل"، معتبرة أن المقاومة ركن
أساسي من قوة لبنان.
زد على ذلك، أن رئيس
الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومنذ عام 2009 ولغاية اليوم، يتخذ
مواقف متمايزة عن حلفائه في قوى 14 آذار وقد أعلن قبل الانتخابات: "أننا لم
نتخلّ عن طرح نزع سلاح حزب الله، وقد قلنا سابقاً من غير الممكن الاستدامة بهذا
السلاح خارج إطار الدولة، لكن لن أسير في نظريات نزع السلاح بالقوة، لأنّ هذا
مستحيل ويورطنا في حرب أهلية".
أما في موضوع المقاربة الدولية والتي ستؤثر في مواقف
الأطراف المكوّنة للبرلمان، فيبدو لبنان محكوماً بـ 3 مقاربات دولية، لها نوابها
في البرلمان، في ما يختص بموضوع نزع السلاح، وهي على الشكل التالي:
1- المقاربة
الفرنسية الواقعية، التي تعتبر حزب الله لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاوزه في أي
تسوية مقبلة، وأن ما يحتاجه لبنان اليوم ليس انقساماً عمودياً جديداً حول نزع
السلاح، بل إلى إجراء إصلاحات جدية فورية وعميقة لانتشاله مما هو فيه. انطلاقاً من
هذه المقاربة، بقيت قنوات التواصل بين باريس وحزب الله مفتوحة في جميع الظروف.
2- المقاربة
السعودية التصعيدية، التي تتجه إلى التصعيد داخلياً وإقليمياً ضد حزب الله، معتبرة
أن لا إصلاح ولا ازدهار ولا مساعدات في ظل وجود السلاح. هذه المقاربة تبتعد عن
الواقعية، ولا تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى على الأرض، وتسعى إلى الكسب
السياسي بغض النظر عن الأكلاف التي يتحملها المجتمع والاقتصاد والمواطن اللبناني.
3- المقاربة
الأميركية، التي تريد بالطبع نزع السلاح، ولكنها أكثر براغماتية من التوجه
السعودي، وأقل تسامحاً من المقاربة الفرنسية. لقد عبّر كل من شينكر ودايفد هيل عن
هذه المقاربة، بالقول إنه من الوهم الإيمان بالقدرة على التخلص من حزب الله في
لبنان، وبقدرة النواب الجدد على خلق تغيير حقيقي كما يريده الأميركيون. وقد دعا
هيل إلى مقاربة أميركية أكثر واقعية، حول القدرة على الحدّ من نفوذ حزب الله عبر
تقليص حضوره البرلماني.
في الخلاصة، يبدو لبنان مقبلاً على فترة من خلط
الأوراق، إذ سيحتاج معها إلى تسوية إقليمية تُخرجه من الواقع الذي هو فيه، وتسمح
بالسير في طريق الإصلاحات، وبالتالي الخروج من الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية.
من دون تلك التسوية، سيكون أمام اللبنانيين أيام صعبة جداً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق