فجأة وفي خضّم الخروج من
الانتخابات النيابية وفي وضع مأساوي ينذر بمزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي وخلط
الأوراق السياسي المرشح للتفاقم والاستقطاب، طُرحت فكرة الزواج المدني لتعيد
الاصطفافات السياسية وتصدر مواقف التكفير من هنا وهناك للعديد من القوى النيابية
الجديدة التي أعلنت تأييدها له.
الحديث عن الزواج المدني ليس
جديداً في لبنان، وبعكس ما يروّج كثيرون فإن الزواج المدني – بحدّ ذاته- معترف به
في لبنان بدليل أن الأشخاص الى يريدون عقد زواج مدني يذهبون الى قبرص ويتزوجون
ويأتون الى لبنان فيسجلون زواجهم وتعترف به السلطات اللبنانية تماماً كالزواج
الديني.
المشكلة في لبنان ليست في الاعتراف
بالزواج المدني، بل بالقدرة على عقد هذا الزواج داخل لبنان، والأهم هو قانون
الأحوال الشخصية، الذي يعطي لكل مذهب قوانينه الخاصة، ويميّز بين اللبنانيين،
ويجعل من قضايا الطلاق والميراث مرهونة برغبة السلطات الدينية التي تملك صلاحيات
واسعة واستنسابية فتختلف النظرة والقرار في نفس القضايا بين رجل دين وآخر.
هي ليست المرة الأولى التي
تُطرح مسألة الزواج المدني في لبنان، بل إن الموضوع طرح مرات عديدة منذ إنتهاء
الحرب ولغاية اليوم، إذ طرحه لأول مرة بعد الطائف الرئيس الأسبق الياس الهراوي عام
1998، وتمكّن من إقناع أكثرية الوزراء بالتصويت لصالح المشروع، إلا أن رئيس
الحكومة آنذاك، رفيق الحريري، وضع فيتو على المشروع، بعد تحريض وشجب واستنكار قامت
به السلطات الدينية في البلاد.
عام 2013 طُرح الموضوع
مجدداً، فأعلن الرئيس الأسبق سعد الحريري تأييده له ورفض تكفير الناس، ثم طرحته
الوزيرة ريا الحسن عام 2019، إلا أن ردّة الفعل كانت عنيفة وقاسية وتخوينية أيضاً،
علماً أن ما هو مطروح سابقاً واليوم، هو الزواج المدني "الاختياري"،
الذي يعطي الحق لمن يريد بأن يعقد زواجاً مدنياً أن يقوم به في لبنان بدل أن يسافر
ويعقده في الخارج ثم يأتي به الى لبنان.
إن اعتراف السلطات اللبنانية
بالزواج المدني المعقود في الخارج، والرفض المستمر للسلطات الدينية بعقده في
لبنان، يعني أن هذا الرفض سيبقى حصراً سارياً على الطبقات الفقيرة التي لا تستطيع
السفر للخارج لعقد زواج مدني في ما لو ارادت ذلك. علماً أن عقد الزواج لن يغيّر
الكثير، إن لم يحصل تطوير موازٍ لقوانين الاحوال الشخصية، التي تميّز بين
اللبنانيين في الحقوق والواجبات، ولا تساوي بينهم.
بالمحصلة، إن طرح مسألة
الزواج المدني اليوم في ظل أزمات اقتصادية وأزمة رغيف وبنزين ومآسٍ احتماعية، تبدو
ترفاً سياسياً، إلا إذا كان مَن طرح السؤال على النواب الجدد في حلقة تلفزيونية أراد
إغراقهم سياسياً وتأليب شارعهم ضدهم، خاصة أنه على علم بأنه موضوع "شائك جداً"
لم يستطع سياسيون مخضرمون وثابتون في قواعدهم كالرئيس رفيق الحريري وبعده سعد
الحريري والوزيرة ريا الحسن من الوقوف في وجه موجة تخوين شعبية بتحريض من السلطات
الدينية، والذي استدعى رداً من الوزير وليد جنبلاط الذي قال حينها "هل
بالإمكان أن ندلي برأينا حول الزواج المدني من دون التعرّض للتكفير؟ كفى استخدام
الدين لتفرقة المواطنين".. والسؤال المطروح اليوم، هل كان هذا السؤال على
النواب الجدد، وقبل وصولهم الى الندوة البرلمانية لاستلام مقاعدهم، بريئاً أم
مكيدة سياسية مبكرة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق