يعاني
لبنان من أزمات عدّة، تفاقمت في السنوات الأخيرة بعد أن افرغت الخزينة العامة، وتم
نهب اموال المودعين في البنوك، واختلاس الأموال في مصرف لبنان وهدرها وتوزيعها على
البنوك والمحاسيب من اعلاميين وسياسيين وإداريين وأمنيين.
ولقد
تفاقمت الأزمة بتهريب الأموال الذي حصل خلال الإقفال الذي قامت به البنوك
اللبنانية خلال انتفاضة 17 تشرين الاول، والتي تبيّن أنها كانت إنقلاب محضّر له من
الخارج، أدواته الفعلية هي قوى 14 آذار وبعض القوى من 8 آذار، بالاضافة الى أخطبوط
ومافيات الدولة العميقة... ولقد انجرف المواطنون اللبنانيون الى الشوارع مدفوعين
بالرغبة في التغيير وبناء دولة لطالما حلموا بها.
واليوم،
بعد مرور سنوات على هذا الحدث الذي كان له تأثير كبير على اندفاع لبنان في مسار
أسرع نحو الهاوية، وبعد أن تمّ رفض كل الخطط الإصلاحية التي وضعتها حكومة حسان
دياب، من قبل الطبقة السياسية نفسها التي تسببت بالانهيار، يتوجه اللبنانيون الى
انتخابات نيابية، يحيط بها ما يلي:
- إحباط عام ممن تفاءلوا
بالثورة. فعلياً لم تفرز الثورة قيادات لها وزنها على الساحة السياسية، بل إن
المتكلمين باسم الثورة اليوم، هم (بمعظمهم) من متسلقيها من أحزاب وقوى سياسية
سابقة على الثورة، أو قوى تلبس لبوس المجتمع المدني لتخفي انتماءاتها السياسية
الحقيقية.
- أقصى ما تطمح إليه
القوى السياسية التي تسمي نفسها "قوى التغيير" هو تحقيق بعض الخروقات في
لوائح الأحزاب السياسية، التي يتوقع أن تحصل على الغالبية العظمى من المقاعد
النيابية. يتم الحديث في أوساط "التغييريين" أنه بعد الانتخابات، يمكن
ان يشكّل هؤلاء تحالفاً بينهم وبين الكتائب وبعض القوى السياسية التي أعلنت استقلاليتها بعد تطورات 17 تشرين الاول،
لتشكيل كتلة برلمانية.
المشكلة
التي ستواجه هؤلاء، أن هذه الكتلة مهما كان قوامها وعدد أعضائها لا تستطيع أن تحقق
شيئاً إلا إذا حصلت على غالبية مطلقة متجانسة في المجلس النيابي، فهل يمكن لهؤلاء
الاتفاق على برنامج موحّد في المجلس النيابي وهم لم يستطيعوا الترشح على لوائح
موحدة في الانتخابات، بل تشتتوا في لوائح متنافسة، وانضوى العديد منهم في لوائح
السلطة؟
كذلك،
تبيّن التجربة اللبنانية – أقلّه منذ عام 2005- أنه حتى الغالبيات النيابية لا
يمكنها أن تتخطى موازين القوى الواقعية على الأرض، فلا 14 آذار استطاعت نزع سلاح
حزب الله حين حازت على الأغلبية النيابية لسنوات طويلة، ولا تحالف التيار الوطني
الحر مع قوى 8 آذار الذي يقال انه يملك الغالبية النيابية منذ عام 2018، استطاع أن
يطبق برنامجاً لبناء الدولة، بل أن أركانه يتنافسون ويتقاتلون بين بعضهم البعض،
بينما تجد تحالفاً راسخاً بين بعض أركان قوى 8
آذار و14 آذار ضد التيار الوطني الحر.
- مهما كان عدد نواب
الكتلة التي ينوي "التغييريين" تشكيلها مع الكتائب وبعض الشخصيات
السياسية التي انقلبت على أحزابها بعد 17 تشرين، فإنه من الصعوبة بمكان تحقيق أي
تغيير فعلي، فهناك تحالف راسخ بين قوى السلطة من 8 و14 آذار، يمنع أي مساس في
منظومة الدولة العميقة، وسيبقى على حاله ضد أي قوة "تغييرية" تحاول أن
تخرقه.
الأمل
الوحيد الذي يمكن أن يتكل عليه اللبنانيون، هو تحالف عابر للطوائف، داعم للقضاء
وللتدقيق الجنائي في جميع ملفات الدولة وفي مصرف لبنان، وتحديد المسؤوليات ومحاسبة
المتورطين. بدون هذا، سيبقى كل التغيير المنشود مجرد كلام شعبوي للاستهلاك السياسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق