2022/04/05

أي نظام دولي بعد الحرب الأوكرانية؟

توعّد الرئيس الأميركي جو بايدن روسيا بفرض مزيد من العقوبات رداً على الأحداث في بوتشا الأوكرانية، كما توعد الفرنسيون ومفوضية الاتحاد الأوروبي بفرض حزمة جديدة من العقوبات على الروس في الاسبوع القادم.

يقول الخبراء الاقتصاديون أن العقوبات على روسيا والتي يبلغ عددها 6000، هي في بعضها لم يسبق له مثيل في التاريخ، فعلى سبيل المثال، قام بنك التسويات الدولية في بازل في سويسرا (المعروف باسم البنك المركزي للبنوك المركزية) بتعليق عضوية روسيا ومنعها من الوصول الى احتياطاتها الخارجية، في إجراء تاريخي لا سابقة له منذ إنشاء البنك عام 1931، وحتى لم يحصل مثيل له خلال الحرب العالمية الثانية.

ويفرض الغرب هذه العقوبات بهدفين:

1-  تأليب الشارع الروسي ضد بوتين وبالتالي تشجيع الداخل على الاطاحة به.

في البداية، تحدث الغرب عن قيام النخبة الاوليغارشية بالاطاحة ببوتين بسبب تضررها المالي من العقوبات المفروضة عليهم، ثم في وقت لاحق وبعدما تبين عدم قدرتهم أو عدم رغبتهم  بالانقلاب على بوتين، تحدث الغرب عن سخط شعبي على بوتين سيتسبب به الانهيار الاقتصادي.

وتشير التقارير والاحصاءات من روسيا، ان شعبية بوتين لم تتأثر بالعملية بالعسكرية، لا بل إن بعض مراكز الاحصاء الروسية تشير الى تحسّن شعبيته وإقتناع  شعبي روسي بالدوافع التي حددها الكرملين للعملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا.

2-  انهيار الاقتصاد الروسي وبالتالي وقف العملية العسكرية الروسية بسبب الافلاس.

وهذا يبدو متعذراً أيضاً. لقد استعدّ الروس للعقوبات منذ عام 2014، وقد بنى الروس "حصناً مالياً" عبر بناء الاحتياطيات الدولية للبلاد وتنويعها بعيدًا عن الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني. كما عززوا تعاونهم الاقتصادي مع الصين، وحققوا اكتفاءً ذاتياً في مجال الغذاء والدواء والتكنولوجيا.

الخطأ الذي ارتكبه الروس هو ترك ما يوازي 45 %  تقريباً من تلك الاحتياطيات في البنوك المركزية الأجنبية (فرنسا، اليابان، إلمانيا، الولايات المتحدة، بريطانيا)، ما أدى إلى مصادرتها الآن. لكن مع ذلك، يشير الخبراء الى أنه لدى روسيا إمكانية الوصول إلى أكثر من 300 مليار دولار من احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية، أي أكثر من معظم دول العالم.

وبالرغم من الدعاية الغربية التي تقول أن العقوبات سببت تقصيراً روسياً في دفع رواتب الجنود و عدم قدرة على شراء الأسلحة، فإن الخبراء العسكريين يشيرون الى أن الآلة العسكرية الروسية، في معظمها، لا تعتمد على الواردات بل إن روسيا مصدر رئيسي للأسلحة في العالم، وبالتالي يتم الحصول على السلاح محلياً، ويدفع ثمن السلاح ورواتب الجنود بالروبل الروسي ولا أزمة لدى الروس في هذا المجال.

 

في المقابل،  يبدو أن نظام العقوبات سيرتد سلباً على معدّيه، وذلك على الشكل التالي:

-      تراجع هيمنة الدولار:

أشارت جيتا جوبيناث، نائب مدير عام صندوق النقد الدولي، في حديث لصحيفة فاينانشيال تايمز إن العقوبات المالية المفروضة على روسيا تهدد بالتخفيف تدريجيًا من هيمنة الدولار الأميركي ويمكن أن تؤدي إلى نظام نقدي دولي أكثر تشتتًا"[1].

-      تراجع نفوذ الغرب:

إن نظام العقوبات الذي استخدمه الغرب ضد فنزويلا وسوريا وإيران وكوريا الشمالية، سوف يفقد أهميته وسيؤدي لتقليص نفوذ الغرب في العالم، فعلى سبيل المثال، استطاع الغرب حصد تأييد سياسي لإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا في الجمعية العامة للامم المتحدة (143 من 193)، لكنهم لم يستطيعوا فرض عزلة اقتصادية على روسيا، حيث امتنعت معظم دول العالم عن تأييد تلك العقوبات، حتى تلك التي صوتت ضد روسيا في الأمم المتحدة رفضت الاشتراك في تطبيق العقوبات، بل إن بعضها اندفع الى مزيد من التعاون التجاري والاقتصادي مع الروس.

-      صعود الآليات الصينية الموازية:

تستعمل الصين  نظام صيني CIPS بديل لنظام SWIFT الذي يديره الغرب. إن الدول والشركات والمؤسسات المالية التي تريد التعامل مع الروس أو مع دول أخرى مفروض عليها عقوبات، سوف تضطر لاستخدام البديل الصيني وهو ما سيحوّله الى آلية عالمية موازية، بالاضافة الى استخدام اليوان في التعاملات التجارية الدولية.

تشير دراسة أعدها الدكتور غراهام أليسون، ونشرتها هارفرد أن العملة الصينية ستصبح عملة عالمية نظرًا لحجم وتطور الاقتصاد الصيني[2]، وهو ما سيعزز نفوذ الصين الأقتصادي، ويسمح لها بتسييله سياسياً في المستقبل.

إن اتجاه الصين الجديد باستخدام نفوذها السياسي لحماية حلفائها كما حصل مع عمران خان في باكستان ودعوتها الى تحقيق الاستقرار في افغانستان، وتأسيس قواعد عسكرية لها خارج حدودها كما حصل في جيبوتي، وتوسعها الاقليمي وتوقيعها اتفاقيات أمنية  كما حصل مع جزر سليمان (الواقعة بالقرب من استراليا) الخ... كلها عوامل تفيد بأن عصر الهيمنة الغربية السياسية والمالية والاقتصادية على العالم، سيكون من الماضي، وأن سياسة العقاب عبر العقوبات  التي يمارسها الغرب على كل من يقف ضد سياساته ستصبح بلا جدوى، وسيكون نظام الهيمنة الآحادية الأميركية على العالم، أقصر نظام عرفه العالم في تاريخه.

لقد عرف العالم أنظمة عالمية متعددة، تغيرت بعد حروب كبرى، ومنذ عام 2008 والعالم يعيش على وقع إعادة تشكيل نظام دولي جديد، ستبرز ملامحه بعد الحرب (العالمية) على الأراضي الأوكرانية، ويبدو أن التنبؤ السابق نحو نظام متعدد الأقطاب قد أسقطه الغرب باستفزاز روسيا ودفعها نحو الحرب لكسرها عسكرياً وإقتصادياً ( وهو ما لم يستطع فعله لغاية الآن).

وعليه، يصبح توقع نظام ما بعد الحرب مكوّن من كتلتين: غربية تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وشرقية – أوراسية تقودها الصين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق