منذ إعلان صفقة القرن وتوقيعها بين ترامب ونتنياهو،
وبالرغم من أن الرجلين قد غادرا السلطة، وتحوّلت الإدارة الأميركية الى إدارة
ديمقراطية تحاول أن تقطع مع إرث ترامب إلا أن مسار صفقة القرن والتطبيع الذي بدأه
ترامب وخدم به الاسرائيليين، ما زال مستمراً ويبدو أنه نهج عميق ومتواصل ويسير
بخطى متسارعة، ونجد فيه ما يلي:
-
استخدام الدين في خدمة مسار التطبيع
بالرغم من أن العرب واليهود تاريخياً وبحسب الأساطير
القديمة يتحدرون من أصل "سام" إبن نوح، إلا أن استخدام الرابط
"السامي" بين الطرفين لم يكن مفيداً للاسرائيليين، لأن شعارات وحملات
"معاداة السامية" التي تحوّلت الى مضبطة اتهام لكل من يعادي اسرائيل من
عرب وغير عرب، أفادت الاسرائيليين الى حدٍ بعيد وخدمتهم خاصة في أوروبا.
وبسبب عدم الاستفادة من الرابط "السامي"
ذلك، تحوّل "النبي ابراهيم" الى رابط ديني بين العرب واليهود، لذلك أطلق
على اتفاقيات التطبيع الموقعة بين اسرائيل والدول العربية اسم " الاتفاقيات
الابراهيمية".
يحاول
الاسرائيليون والغربيون من خلال مفهوم "الدين الابراهيمي" الحث على
السير بمسار التطبيع، وذلك انطلاقاً من فكرة مفادها أن اليهود والمسيحيين
والمسلمين هم أبناء إبراهيم، وهم يؤمنون بالله الواحد، وبأن النبي ابراهيم
"أبو الأنبياء" قد يكون إطاراً توحيدياً جامعاً لشعوب المنطقة التي يمكن
لها أن تتعايش إنطلاقاً من مشتركاتها الدينية.
-
تحويل القضية الفلسطينية من قضية وجودية
الى قضية اقتصادية مادية
كان واضحاً أن صفقة القرن استفادت من الضعف العربي
العام، والصراع السني الشيعي، والصراع الجيوبوليتيكي بين الدول الفاعلة في المنطقة
والذي استعر وتحوّل الى فوضى عارمة مع الربيع العربي.
لم تتحدث صفقة القرن عن حقوق شعب في تقرير مصيره، ولا
عن حقوق مواطنين في العودة الى ديارهم، بل وأنكرت على الفلسطينيين الحق بالتعويض عن
اللجوء عبر مساواة التهجير والاقتلاع الفلسطيني، بهجرة اليهود من الأراضي العربية
بعد حربي 1948 و1967، والقول بحق اليهود بالتعويض عن هجرتهم من دولهم العربية أسوة
بالفلسطينيين، الذين تمّ تدمير قراهم وارتكاب أفظع المجازر بهم لدفهم دفعاً الى
الرحيل.
لقد حوّلت صفقة القرن القضية الفلسطينية الى مجرد قضية
اقتصادية مادية، تهدف الى توفير سبل عيش مادي للفلسطينيين الموجودين في غزة حصراً،
فالضفة الغربية (التي يطلق عليها الاسرائيليون اسم يهودا والسامرة) ستقضمها
المستوطنات الى أن تصبح بأكملها تحت السيادة الاسرائيلية.
-
استخدام الاقتصاد في إخضاع الشعوب
تعاني جميع شعوب المنطقة منذ ما بعد الربيع العربي، من
كوارث اقتصادية واجتماعية دفعت الشعوب الى التلهي عن القضايا الكبرى في المنطقة
الى البحث عن لقمة العيش وسد الرمق.
لقد تحوّلت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الى عنصر
ضاغط على الشعوب، ترافقت مع تسويق اعلامي وسياسي بأن السير بالسلام والتطبيع مع
اسرائيل يؤدي الى بحبوحة اقتصادية والتخلص من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية،
علماً أن تجربتي مصر والأردن في توقيع اتفاقيات السلام لم تؤدِ الى ازدهار وبحبوحة
كما يتم التسويق لها.
وهكذا، يمكن النظر الى الأزمات المتلاحقة التي تطارد
شعوب المنطقة، إلى أنها جزء من مخطط يهدف الى إخضاع تلك الشعوب، للقبول بالسلام
والتطبيع مع اسرائيل، والأدهى أن الأمر يتم باستخدام أدوات داخلية تمارس الخيانة
الوطنية والفساد والإفساد ونهب المال العام، وتستمد نفوذها وقوتها من الخارج، بحيث
يشعر المواطن باستعصاء قدرته على التغيير مهما فعل ومهما قاوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق