أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية جولته
الخليجية، من جدة، أنه أجرى مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتصالاً
هاتفياً برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في إطار مبادرة لحلحلة الأزمة بين
الرياض وبيروت.
وأكد الرئيس الفرنسي في تغريدة على تويتر: "مع
المملكة العربية السعودية، قطعنا التزامات تجاه لبنان: العمل معًا، ودعم
الإصلاحات، وتمكين البلد من الخروج من الأزمة والحفاظ على سيادته".
والملاحظ أنها المرة الأولى التي تتراجع المملكة
العربية فيها عن تصلبها تجاه لبنان منذ تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2017، حين
استدعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري،
وأجبره على تلاوة بيان استقالة شديد اللهجة تجاه ايران وحزب الله. منذ ذلك الحين،
لم يغفر بن سلمان ولم يهدأ غضبه ضد اللبنانيين، بعدما ظهر الموقف اللبناني الجامع
(تقريباً) الرافض لاستقالة الحريري، وبعدما استطاعت الضغوط الدولية التي مورست من
قبل الاميركيين والفرنسيين على إعادة الحريري الى لبنان والاستمرار برئاسة الحكومة
لغاية ما بعد ثورة 17 تشرين الأول/ اوكتوبر 2019.
واقعياً، إن التطورات المتسارعة الحاصلة في المنطقة،
والخسارات التي منيت بها السياسات السعودية على جميع الصعد وتراجع مستوى علاقتها
مع الاميركيين، هي التي أوجبت على السعوديين، اظهار الليونة والتجاوب مع مبادرة
الرئيس الفرنسي تجاه لبنان، ولعل أبرز تلك التطورات ما يلي:
1- الخسارات
العسكرية السعودية:
منيت السعودية بخسارة في جميع الجبهات العسكرية التي
خاضت فيها المملكة حروبها، وأهمها اليمن التي تتغير فيها موازين القوى العسكرية
بشكل متسارع، وسوريا التي خسرت فيها المعارضة المدعومة من السعودية، وفشل وفد
الرياض في تحقيق أي نتائج في المفاوضات مع الحكومة السورية، وفي وقت تتجه سوريا الى استعادة مقعدها في الجامعة
العربية، وعودة السفارات الغربية الى دمشق.
2- التطورات
في الملف النووي الايراني:
يدرك السعودي جيداً عدم قدرته على تغيير المواقف
الدولية تجاه ايران والاتجاه الدولي للعودة الى الاتفاق النووي. وتراقب المملكة عن
كثب فشل الاسرائيليين في تغيير الموقف الأميركي، لذا لا جدوى من محاولة سعودية مع
إدارة أميركية غير متعاونة أساساً مع السعوديين.
ويمكن الإشارة في هذا المجال، الى فشل الاسرائيليين في
إقناع الاميركيين بعدم الذهاب الى مفاوضات فيينا في وقت سابق، بالرغم من التهديد
الاسرائيلي بحرب ومواجهة مع إيران في حال التوصل الى اتفاق.
وبعد الفشل السابق، يحاول الاسرائيليون مرة أخرى الضغط
على الاميركيين واستخدام كل ما لديهم من نفوذ لمنع التوصل الى اتفاق، ولهذا الغرض
يزور رئيس الموساد الاسرائيلي ديفيد بارنيا الولايات المتحدة الأميركية، لاقناع
الأميركيين بعدم الذهاب أبعد في المفاوضات مع إيران، وللاستفادة - مما يعتبره
الاسرائيليون والاميركيون- تصلّب إيراني
في المفاوضات، وأن الايرانيين لم يبدوا جادين في التوصل الى اتفاق، بحسب المصادر
الأميركية المشاركة في مفاوضات فيينا. وكانت الصحافة العالمية قد نقلت عن مسؤول
أميركي كبير في الإدارة الأميركية (لم
تسمه) إن إيران تراجعت عن جميع التنازلات السابقة بشأن إحياء الاتفاقية النووية
لعام 2015 وأنه لن يُسمح لإيران "بالمشي البطيء" في المفاوضات الدولية
مع تكثيف أنشطتها النووية في الوقت نفسه.
وذكرت صحيفة هآرتس أن بارنيا سيسعى إلى إقناع القيادة
الأميركية بعدم السعي إلى اتفاق مؤقت لن يعيد إيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق
السابق، بل سيدعو الى حشد الدعم الدولي لفرض عقوبات صارمة على طهران. ومن المقرر
أن يزور وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس الولايات المتحدة في وقت لاحق من
الأسبوع الجاري لإجراء محادثات مع الأميركيين لنفس الهدف.
3- القلق
من تصدّر إماراتي للنفوذ الاقليمي
ينظر السعوديون بقلق الى الحركة الاقليمية لحليفتهم
الامارات، والتي تفتح أبواب التعاون والصداقة مع جميع الدول الاقليمية، خاصة مع
تركيا وإيران بالإضافة الى قيادة مسار التطبيع مع اسرائيل في المنطقة، ما يؤهلها
للعب دور اقليمي قائد.
بالإضافة الى التطبيع مع اسرائيل، يقوم الاماراتيون بالعمل
على إنهاء التوترات السابقة مع الدول الإقليمية الفاعلة. فمن ناحية يقوم
الاماراتيون بفتح صفحة جديدة مع الأتراك سياسياً، وتمّ الاعلان عن استثمارات
إماراتية بعشرة مليار دولار في الأسواق التركية، وهو أمر يحتاجه الاتراك بشدة بعد
انهيار كبير في سعر صرف الليرة التركية مؤخراً.
أما على المقلب الايراني، فلقد أعلنت كل من الامارات
وإيران في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الرغبة في فتح صفحة جديدة من العلاقات
والتعاون بين البلدين، بعد زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الإيرانية للشؤون
السياسية علي باقري الى الإمارات والكويت في خطوة انفتاح جديدة على الدول الخليجية.
وللمرة الاولى منذ أن خفضت الإمارات علاقاتها
الدبلوماسية مع طهران كانون الثاني/يناير 2016 (تضامناً مع السعودية التي قطعت
علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية)، يزور مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ
طحنون بن زايد آل نهيان طهران هذا الأسبوع لـ"مناقشة تطوير وتعزيز العلاقات
الثنائية والتشاور حول التطورات الإقليمية الأخيرة" بحسب وكالات الاعلام
الايرانية.
وهكذا، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أراد
أن ينزل السعوديين عن الشجرة، بعدما أدّت حروبهم العسكرية المباشرة وضغوطهم
الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على الدول العربية الأصغر، الى خسارة السعودية
نفوذها في العديد من البلدان المحسوبة تاريخياً عليها، وبعدما تبين أن السياسة
التي ينتهجها ولي العهد السعودي، ستدفع الى تراجع السعودية من موقع الدولة القائدة
في النظام الاقليمي. واذا استمرت السياسة السعودية في النهج المتبع منذ عام 2015،
ستجد السعودية نفسها في مرتبة متأخرة على صعيد النفوذ الاقليمي، فيحلّ محلها دول
أصغر، كالامارات على سبيل المثال لا الحصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق