استأنفت في فيينا، يوم الاثنين في التاسع والعشرين من
تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، المفاوضات بين إيران والدول (4+1)، بعدما كانت قد
توقفت في الصيف الماضي بدون التوصل الى اتفاق يرفع جميع العقوبات الاميركية عن
إيران كما يطالب الايرانيون، أو عودة إيران الى الاتفاق النووي الموقع عام 2015،
وتنفيذ خطوة مقابل خطوة كما يريد الاميركيون.
وبالرغم من التفاؤل الحذر الذي يسود الأجواء في فيينا،
ومحاولة بث الايجابية حول الجدية التي يبديها جميع الاطراف للتوصل الى اتفاق، لا
يبدو الطريق معبداً أمام إتفاق سريع، وذلك لأن الهوة بين ما يطلبه الأميركيون
والغرب بشكل عام، وما يمكن أن يقبل به الايرانيون، تبدو كبيرة.
وبكل الأحوال، إن أكثر المتفائلين لا يمكن أن يتوقع
التوصل الى حلول للمشاكل والتعقيدات العديدة التي تحيط بالملف في الجولة الاولى من
الحوار، وبالتالي يحتاج الأطراف الى جولات عدّة لتذليل العقبات والتوصل الى إتفاق،
بشرط توافر الظروف المؤاتية ، والتي يجب أن تبدأ عبر الممهدات التالية:
أولاً: من ناحية الطرف الأميركي:
-
اعتراف أميركي أن سياسة الضغوط القصوى
التي مارسها ترامب وقيامه بإعادة فرض عقوبات شاملة وقاسية على الايرانيين - والتي
لم توفر الأماكن المقدسة- لم تؤدِ الى النتائج التي ينتظرها الأميركيون أو الى دفع
إيران الى طاولة المفاوضات كما كان يدعوها ترامب. بالعكس، قامت إيران خلال هذه
الفترة بزيادة مخزونها من اليورانيوم، وباتت أقرب الى القدرة على تصنيع سلاح نووي
خلال أشهر (فيما لو أرادت ذلك).
-
إقتناع أميركي بعدم جدوى وعدم القدرة على
إعادة إحياء الاتفاق الأصلي الذي تخطته الظروف والتطورات التي حصلت، فإيران لن
تقبل العودة الى الوراء، كما أن مطالب الوفود الغربية بالسير بالاتفاق الأصلي،
وكأن فترة السنوات الست التي مرّت منذ توقيع الاتفاق وكأنها لم تكن، لن تكون شرطاً
مقبولاً عند الايرانيين لاستمرار المفاوضات.
بالمقابل، إن طرح إمكانية تراجع إيران عن برنامجها النووي أو تفكيكه من أجل
رفع العقوبات، لا يبدو أنه أمر مطروح لدى الايرانيين، خاصة بعدما استطاع الاقتصاد
الايراني استيعاب العقوبات القصوى وسجّل نمواً مقبولاً بعد سنوات من التراجع،
وتحوّل الايرانيون شرقاً عبر توقيع اتفاق استراتيجي مع الصين.
-
ركزت الصحافة الاسرائيلية على إمكانيات
الذهاب الى مواجهة عسكرية، ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر في الوفد الأميركي
الى فيينا، أن واشنطن" لن تسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي، هذا الأمر
مفروغ منه حتى لو اضطرنا إلى استخدام القوة العسكرية". وتعكس هذه المقاربة،
قلقاً إسرائيلياً أكثر مما تعكس إرادة أميركية حقيقية بالعودة الى الانخراط في
نزاعات الشرق الأوسط، أو فتح جبهات جديدة يدرك الجميع استحالة الانتصار فيها.
إن رضوخ إدارة بايدن للضغوط الداخلية سواء من الحزب
الجمهوري، أو من اللوبيات المختلفة للاستمرار في سياسة العقوبات على إيران، لن
تؤدِ إلا الى مزيد من القدرة النووية الايرانية، وستعقّد الحل. كما أن التهديدات
الاسرائيلية بمواجهة عسكرية وقصف المفاعلات النووية في حال التوصل الى اتفاق، لجرّ
الأميركيين الى مواجهة شاملة في منطقة، يبدو نوعاً من الجنون الاسرائيلي، في ظل عدم قدرة أي طرف على تحمل كلفة حرب شاملة
في المنطقة، وفي ظل تأكيد إدارة بايدن على أولوية التوجه نحو آسيا لاحتواء توسع
النفوذ الصيني العالمي.
-
يحتاج الأميركيون الى كلام صريح وواضح مع
الحلفاء في المنطقة حول أهداف واستراتيجيات السياسة الأميركية في منطقة الشرق
الأوسط، خاصة في ظل مشاهد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والذي أظهر الولايات
المتحدة بمظهر العاجز عن تأمين انسحاب جنودها ناهيك عن تأمين مظلة لحماية حلفائها.
إن "تطمين الحلفاء" في المنطقة حول أمنهم وتعميق الشراكات الاستراتيجية
بينهم وبين الولايات المتحدة بعد التوصل الى اتفاق جديد مع إيران، يبدو شرطاً
أساسيًا لإدارة بايدن للتخلص من العراقيل والاشكاليات التي واجهت إدارة أوباما في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران
عام 2015.
ثانياً: من الناحية الايرانية:
من الطبيعي أن إيران هي الطرف الأكثر تضرراً من
استمرار سياسة العقوبات ومن عدم التوصل الى حل أو الى اتفاق جديد، لذا فإن المفاوض
الايراني الذي وضع سقفاً أعلى لمفاوضاته، يملك هامشاً من الحركة بين ما هو ممكن
وما هو مستحيل القبول به.
تبدو بعض الشروط الايرانية صعبة التحقق. إن جزءًا
كبيراً من العقوبات المفروضة على إيران يمكن إزالته، خاصة تلك التي فرضها ترامب
عبر أوامر تنفيذية (هي من صلاحيات الرئيس الأميركي)، وبالتالي باستطاعة بايدن
إلغاءها بأوامر تنفيذية أخرى. لكن، في ظل
الظروف الحالية التي تتسم بالانقسام العامودي، وفي ظل نظرة معادية لايران ثابتة
تتخطى الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة الاميركية، وفي ظل رغبة جمهورية
وديمقراطية في خطب ودّ الناخبين الأميركيين على أبواب انتخابات نصفية، من الصعب
على الإدارة الأميركية الحالية إلغاء العقوبات المفروضة على إيران من قبل الكونغرس
الأميركي.
كما أنه من الصعب على الإدارة الأميركية الحالية،
كفالة عدم قيام الإدارات اللاحقة بالتراجع أو الانسحاب من الاتفاق. إن قدرة أي
قرار أو اتفاق على تخطي رغبات الرئيس الأميركي وصلاحياته في التنصل من أي اتفاق
جديد، تحتاج الى أن يتم عرضه على الكونغرس للمصادقة عليه، كما يحتاج اي قرار
للحصول على موافقة أغلبية ثلثي مجلسي النواب والشيوخ لكي يصبح ملزماً للرئيس
الأميركي، وتخطي قدرته على وضع الفيتو عليه.
في المحصلة، وبالرغم من أن إدارة الرئيس رئيسي لا تبدو
مهرولة نحو اتفاق جديد، لكن المصلحة الايرانية الأكيدة هي في رفع العقوبات لتحفيز
النمو في الاقتصاد الايراني، ولجذب الاستثمار الأجنبي، لذا فإن التوصل الى إتفاق
مرحلي جزئي يتم بموجبه إلغاء العقوبات التي فرضها ترامب مقابل تجميد عمليات تخصيب
اليورانيوم، قد يكون مفيداً لجميع الأطراف، باستثناء اسرائيل طبعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق