شهد لبنان في الاسبوع المنصرم أحداث هامة على جميع الصعد، إن الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية، واختتم بحادث مأساوي في قرية التليل في عكار، والذي عكس انكشاف الأمن وتفكك الدولة بأجهزتها الرقابية والأمنية والمؤسساتية.
ولعل التوتر غير المسبوق الذي طبع تصرف
سعد الحريري وتياره، رداً على المجزرة التي حصلت في عكار، يشي بأن التيار الأزرق
يعاني من مشاكل عدّة ويحاول من خلال استثمار الدم تحقيق أهداف عجز عن تحقيقها
سابقاً.
فشلت الدولة العميقة، بعد تسعة أشهر من
المحاولات الحثيثة بفرض سعد الحريري رئيساً للحكومة، بهدف دفن التدقيق الجنائي،
وتجديد حكمها على اللبنانيين. وبعد اعتذار الحريري، بدا أن الميقاتي قد استفاد من
دروس تجربة الحريري في التفاوض مع رئيس الجمهوريةـ، وبدا أكثر واقعية وادراكاً
لموازين القوى السائدة، ما أشعر الجميع بأن الحكومة باتت أقرب مما كانت عليه منذ
استقالة حكومة حسان دياب بعد انفجار المرفأ في آب من عام 2020.
وانطلاقاً من بعض البشائر التي تمّ
تسريبها، استشعرت الدولة العميقة بالخطر وذلك لأن الهدف هو تقويض عهد الرئيس عون،
والاستفادة من الانهيار الاقتصادي والامني لتحقيق المغانم على حسب اللبنانيين،
ولتمرير المشاريع الخارجية المشبوهة. وعليه، بدأت المطالب الحكومية التعجيزية
تظهر، وبات من كان "يأستذ" على الآخرين بضرورة تقديم التنازلات، يتشدد
في مطالبه بخصوص الوزارات التي يريد الحصول عليها.
ولم يكفِ ذلك، فاندفعت نفس الطبقة السياسية
المتنفذة بالتكافل والتضامن مع رياض سلامة الى رفع الدعم عن المحروقات للتسبب
بكارثة اجتماعية اقتصادية ومنع أي امكانية للملمة الوضع الأمني وبهدف التسبب بفوضى
أمنية.
ومحرجاً برفض حسان دياب الدعوة الى انعقاد
مجلس الورزاء متذرعاً بالدستور، أوعز رئيس الجمهورية الى القوى الأمنية بمكافحة
الاحتكارات، ومداهمة المحطات ومراكز تخزين المحروقات وتأمينها للمواطنين بعدما
باتوا أذلاء على الطرقات، بينما يعوم لبنان على بحر من البنزين والمازوت. عطّلت
هذه الخطوة على المنظومة الفاسدة خطتها الأصلية بالتسبب بفوضى أمنية كنتيجة لرفع
الدعم الفجائي، وأحرجت أركان المنظومة وبدا أن ما فعله رياض سلامة مدفوعاً من
هؤلاء سيسرّع تشكيل الحكومة بدل عرقلتها.
وما أن حصلت حادثة التليل، حتى حاولت بعض
القوى المتضررة من تشكيل حكومة جديدة، أن تدفع الامور الى فتنة طائفية في عكار،
واقتتال مع الجيش، لكن وعي الاهالي وخروجهم للتصويب على "بطل
التهريب" النائب وليد البعريني، جعل من الخطة التفجيرية تدفن في مهدها.
وبالاضافة الى تيار المستقبل، تشعر القوات
اللبنانية نفسها متضررة من أي انفراج اقتصادي اجتماعي، لانها تعتبر ان استمرار
الازمة الاقتصادية والوصول الى الانهيار الشامل، سيعزز حظوظ القوات الانتخابية
وذلك عبر التصويب على العهد واتهامه بالتسبب الأزمة لكسب أصوات في المناطق التي
تتنافس فيها مع التيار الوطني الحر، بالاضافة الى أن التمويل الخارجي للقوات -
والذي لم ينقطع يوماً- يجعلها أكثر الأحزاب تمويلاً وقدرة مادية.
وهكذا، منذ حادثة خلدة وبعدها شويا، ثم
رفع الدعم الفجائي عن المحروقات، والاصرار عليه من قبل حاكم مصرف لبنان، وأخيراً
في انفجار خزان المازوت في قرية التليل العكارية، يبدو أن الدولة العميقة تسعى الى
التسبب بالفوضى التي تؤدي الى اقتتال داخلي، وذلك لتحقيق إعادة السيطرة ودفن
التدقيق الجنائي، والوصول الى تسوية جديدة قوامها "عفا الله عما مضى".
مواجهة هذه الخطط الشيطانية، تكون بعدم
الانجرار الى الاستفزاز في الشارع، وضبط النفس، بالاضافة الى الاسراع في تشكيل
حكومة، تقوم بما يلزم من اصلاحات اقتصادية وتدقيق جنائي، وتعالج مسالة التفلت في
سعر صرف الليرة، ومحاولة إعادة الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني الى البلاد،
تمهيداً للانتخابات النيابية في العام المقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق