راقب
اللبنانيون اجتماع المجلس النيابي لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال
عون، والتي هي من صلاحياته التي أقرّها له الدستور في المادة 53 (الفقرة 10). كما راقب
المشاهدون الكلمات التي ألقيت فيها، والخلاصات التي خرج بها المجلس _كما كان متوقعاً-
وهي التأكيد على ما هو وارد في الدستور اللبناني، لناحية تشكيل الحكومة الللبنانية
وهما أمرين:
- التأكيد على الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور اللبناني، والتي تنص
على أن "رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة
ومراسيم قبول استقالة الوزراء او اقالتهم"، وهذا يعني أن كل الكلام الذي ساقه
الحريري في معرض شرحه لوجهة نظره بأنه يريد التشكيل منفرداً وأنه لا يريد لرئيس الجمهورية
أن يتدخل في عملية التشكيل، لا يُبنى عليه دستورياً ولا قانونياً، ولا يُصرف في أي
مكان.
- الأكيد أن المجلس النيابي لا يستطيع تحديد مهلة لرئيس الحكومة المكلف
لتشكيل الحكومة، لأن الدستور ايضاً لا ينص على مثل هذه المهلة، وهذا ما أكده اجتماع
المجلس.
هذا
في القانون، أما في السياسة والواقع العملي، فالأزمة السياسية اللبنانية، لها وجه داخلي
ووجه خارجي، والاثنان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وذلك على الشكل التالي:
أولاً:
أزمة ثقة داخلية
لا
شكّ أن استقالة الحريري بعد 17 تشرين الأول 2019، وبدون التنسيق مع شركائه في الحكم،
خلقت نوعاً من عدم الثقة بينه وبين رئيس الجمهورية، خاصة وأن الرئيس عون كان قد اعتبر
الحريري ابناً له بعد أزمته في السعودية عام 2017. ولقد ظهرت تلك الاستقالة والمواقف
التي اتخذها الحريري فيما بعد، انقلاباً على التسوية الرئاسية التي أتت به الى رئاسة
الحكومة وأتت بالعماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.
أزمة
الثقة هذه من الصعب أن تزول، خاصة ان رئيس الجمهورية يشترط أن تنفّذ الحكومة القادمة
برنامجاً اصلاحياً وتعتمد التدقيق الجنائي، وكما هو واضح من المواقف الحريرية ومن الدعم
والمواقف المعلنة لتحالف الترويكا، بأن الحريري لن ينفذ أي إصلاح جدّي، ولن يلتزم بمكافحة
الفساد ولا التدقيق الجنائي، وهو ما يعتبره الرئيس عون معركته الشخصية ولا يريد أن
تنتهي ولايته بدون تحقيقه.
ثانياً:
الموقف الاقليمي
يرتبط
الموقف السعودي الرافض لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، باعتقاد سعودي بأن الحريري
غير قادر على مواجهة حزب الله والنفوذ الايراني في لبنان بل هو بالعكس ساهم في تقوية
هذا النفوذ، ومن هنا أتت قضية استدعائه الى السعودية وإجباره على الاستقالة عام
2017.
وبالرغم
من كل المحاولات التي قام بها الحريري لإرضاء ولي العهد السعودي، والوساطات التي قامت
بها دول متعددة قصدها الحريري لهذا الغرض، يبدو أن بن سلمان لن يقبل بالحريري رئيساً
لحكومة لبنان مهما كان الثمن.
وبما
أن المنطقة تتجه الى تسويات اقليمية بدأت تباشيرها تظهر بعودة التفاوض على الملف النووي
الايراني، واللقاءات السعودية الايرانية في العراق، والكلام الايجابي الذي صدر عن ولي
العهد السعودي في هذا الإطار، فإن تشكيل الحكومة اللبنانية بات مؤجلاً الى حين نضوج
تلك التسويات، أي بعد الانتخابات الايرانية وبعد التقدم في الملف النووي الايراني،
والذي سيتبعه انفراج في الملف الخليجي الايراني.
من
هنا نفهم سبب تمسك الثنائي الشيعي بالحريري وقيام الرئيس بري بثنيه عن الاعتذار عن
تشكيل الحكومة والذي كان يهمّ بتقديمه الاسبوع الماضي. فبما أن التسوية قادمة، وان
الحريري سيكون ثمن لهذه التسوية عاجلاً أم آجلاً، يجب أن يكون هناك تنازلات من الأطراف
الأخرى، وثمن مقابل تخلي الثنائي الشيعي عن الحريري، مثلاً: يتراجع الرئيس عون بموضوع
التدقيق الجنائي وهو ما يهمّ فريق الرئيس بري وجنبلاط، ويتم التفاوض مع السعودية على
اسم رئيس حكومة غير استفزازي وهو ما يهمّ حزب الله، أو قد يكون هناك أشياء أخرى غير
معروفة اليوم يمكن أن تكون مادة للتفاوض في الأروقة الاقليمية والدولية حول التسوية
الاقليمية.
بكل الأحوال، التسوية ستأتي عاجلاً أم آجلاً، والى أن يأتي أوانها، سيدفع اللبنانيون الثمن كما دائماً، مآسٍ ومشاكل اقتصادية واجتماعية وفقر ومجاعة وطوابير على الخبز والبنزين الى ما لا نهاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق