في
وقت يقف العالم مذهولاً بفعل حجم الإجرام والفظائع التي يرتكبها الإسرائيليون بحقّ
الفلسطينيين العزّل في القدس واقتلاعهم من أرضهم في حيّ الشيخ الجراح، عطّلت إدارة
الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاقاً في مجلس الأمن حول نصّ بيان يطالب "إسرائيل
بالتوقف عن اعتداءاتها على الفلسطينيين، واحترام مبدأ حرية العبادة وحقهم في ممارسة
شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى من دون خوف أو ترهيب".
وعلى
الرغم من أن نصّ البيان متواضع أمام حجم الارتكابات الإسرائيلية، فإنَّ إدارة الرئيس
بايدن اعترضت عليه، معتبرة أنَّ من غير المفيد توجيه رسالة عامة في هذه المرحلة. وفي
كلّ الأحوال، وفي ظلّ فشل مجلس الأمن في إصدار بيان إدانة ضد "إسرائيل"،
فإنَّ القانون الدولي واضح في توصيف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
وفي
هذا الإطار، نورد في ما يأتي بعض الملاحظات القانونية حول الانتهاكات التي تقوم بها
"إسرائيل" في حي الشيخ الجراح حصراً، آخذين بعين الاعتبار أن "إسرائيل"
تنتهك حقّ الفلسطينيين في أرضهم وفي تقرير مصيرهم، وغير ذلك من الحقوق الأساسية، كشعب
وأفراد، وخصوصاً الحقّ في الحياة والكرامة، إذ تقوم بقتلهم والتنكيل بهم واعتقالهم
تعسفياً، وهي ممارسات مستمرة منذ بدء الاحتلال ولغاية اليوم.
1 - صلاحيّة المحاكم الإسرائيليّة في أراضي القدس الشرقيّة
بغضّ
النظر عن الاتفاق الثنائي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو، والذي تمت تسميته
"صفقة القرن"، والذي لا يعني شيئاً في المعيار القانوني، فإنَّ القانون الدولي
والمعاهدات الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بفلسطين ما زالت تعتبر القدس الشرقية
جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي لا صلاحية للمحاكم الإسرائيلية
عليها، إذ ينصّ القانون الدولي الإنساني على أن "على السلطة القائمة بالاحتلال
واجب احترام الممتلكات الخاصة في الأراضي المحتلة، ولا يمكنها مصادرتها، ويجب عليها
احترام القوانين السارية في البلد المحتل."
وعليه،
لا يحق لـ"إسرائيل" أن تفرض مجموعة قوانين خاصة بها في الأراضي المحتلة،
بما في ذلك القدس الشرقية، لطرد الفلسطينيين من منازلهم وتوطين آخرين مكانهم. وتنص
المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على الآتي: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل
جزءاً من سكانها المدنيين أو تنقلهم إلى الأراضي التي تحتلّها"، كما يحظر
"النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة".
2 - تهجير السكّان في القانون الدولي الإنساني
تؤكّد
اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية المرتبطة بها، إضافة إلى نظام روما الأساسي
(نظام المحكمة الجنائية الدولية)، أن تشريد السكان المدنيين أو ترحيلهم أو نقلهم بشكل
قسري يعتبر جريمة حرب، وقد يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. تتأتى أهمية هذا التوصيف
من أن الجرائم ضد الإنسانية هي الجرائم الواسعة النطاق أو الممنهجة التي تحصل خلال
الحرب أو في أوقات السلم، وهو ما يميّزها عن جرائم الحرب التي تحصل خلال النزاعات المسلّحة
فحسب.
أ
- التهجير والإبعاد القسري للفلسطينيين جريمة ضد الإنسانية
ينصّ
نظام روما الأساسي على أنّ إبعاد السكان أو نقلهم قسراً يشكّل "جريمة ضدّ الإنسانية"
متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج موجّه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين
(المادة 1: 7 – د).
يتأكّد
هذا الجرم في حال كان إبعاد السكان ونقلهم بشكل قسري من المنطقة التي يتواجدون فيها
بصفة مشروعة (بالطرد أو بأيّ فعل قسري آخر) نهجاً سلوكياً يتضمّن ارتكاب هذا الأمر
بشكل متكرّر ضد تلك المجموعة من السكان، تنفيذاً لسياسة دولة تقضي بارتكاب هذا الهجوم
أو تعزيزاً لتلك السياسة.
بالفعل،
إنّ موجة الإخلاءات القسرية المتتالية التي تقوم بها "إسرائيل" ليست مجرد
سياسة عشوائية أو طارئة، بل تأتي ضمن إطار سياسة "دولة" ممنهجة، تهدف إلى
اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم لتوسيع الاستيطان، وهو ما يؤكّد ارتكابها جريمة ضد الإنسانية،
بحسب القانون الدولي الإنساني.
ب
- الاستيطان ونهب القرى الفلسطينيّة جرائم حرب
تشير
المادة 8 من نظام روما الأساسيّ إلى أنَّ "قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر
أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلّها، أو إبعاد أو
نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها"، يشكّل جريمة
حرب.
كما
تؤكّد المادة نفسها أنّ "نهب أيّ بلدة أو مكان، وإن تم الاستيلاء عليه عنوة"،
أو "تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها، ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء
مما تحتمه ضرورات الحرب"، يشكل جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي.
3 - الإخلاءات القسريّة انتهاك لقانون حقوق الإنسان الدوليّ
تنتهك
عمليات الإخلاء القسري التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في حي الشيخ الجراح
المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنصّ على أنه
"لا يجوز تعريض أي شخص لتدخل تعسفي أو غير قانوني في حياته الخاصة أو أسرته أو
منزله...". كما قد تنتهك عمليات الإخلاء القسري الحقّ في حماية الأسرة (المادة
23).
وتؤكّد
السوابق القانونية واجتهادات المحاكم أنّ تهجير السكان قسراً يعدّ انتهاكاً للحقوق
المكرسة في المواثيق الدولية؛ ففي عدّة قضايا متشابهة، وجدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
أن تنفيذ قرار الإخلاء القسري يعدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان، معتبرة أن من الواجب على
السلطات أن تمتنع عن تشريد السكّان بشكل تعسّفي، وخصوصاً إذا كان الشخص الذي يتمّ تهجيره
مسؤولاً عن قاصرين.
4- انتهاك حقوق الفلسطينيين في الصّلاة في الأقصى
جاء
في المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "لا يجوز، في
الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتسبون
إلى الأقليات المذكورة من حقّ التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره
أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم".
نستنتج
مما سبق أنّ كلّ ممارسات الاستيطان والتهجير والإخلاءات القسرية التي تقوم بها
"إسرائيل" بحق المواطنين الفلسطينيين مخالفة لكلّ القوانين والمواثيق الدولية،
ناهيك بالشرائع الإنسانية والأخلاقية والدينية، لكن بما أنَّ المبدأ الوحيد الثابت
في العلاقات الدولية هو أن القانون الدولي يثبت الحق، ولكنه لا يحميه، بل إنّ الحقّ
يحتاج إلى قوة لتحصّله وتحميه، فما على الشعب الفلسطيني إلا الاتّكال على نفسه، وعلى
شاباته وشبابه، لتحصيل الحقوق، ومنع التعسّف، ومنع الاقتلاع والتهجير الممنهج الّذي
تعتمده "إسرائيل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق