في 3 يناير / كانون الثاني من عام2020، شنّت طائرات
مسيّرة تابعة للولايات المتحدة الأميركية هجوماً ضمن الأراضي العراقية، أدّى الى مقتل
قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني، ومسؤول الحشد الشعبي
أبو مهدي المهندس ورفاقهما.
أثارت الحادثة العديد من ردود الفعل
الدولية والاقليمية، التي تخوّفت من تدحرج الأمور الى حرب إقليمية، كما العديد من ردود
الفعل الشاجبة والمنددة بالعملية، كان آخرها تقرير المقررة الأممية الخاصة المعنية
بحالات الإعدام خارج القضاء، أنياس كالامار، التي رفعت تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة في 3 يوليو / تموز 2020، والتي اعتبرت ان عملية الاغتيال غير
قانونية وتنتهك الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وبالرغم من كل الأصوات القانونية وغير القانونية
داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية، ما زال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق
إدارته، يتحدثون عن العملية كونها "إنجاز"، معتبرين أن اغتيال سليماني
"جعل الولايات المتحدة وحلفائها أكثر أمناً في الشرق الأوسط". بينما زعم
ترامب أن "سليماني كان يستحق هذه الضربة
القاسية ... لأنه قتل آلاف الأميركيين"، وأن الولايات المتحدة استخدمت مبدأ
"الدفاع عن النفس" لأن سليماني كان يخطط "لهجمات وشيكة وشريرة"
ضد مواطنين وسفارات أميركية، في وقت خرجت تصريحات معاكسة منها، تصريح وزير الدفاع الأميركي
السابق مارك إسبر المناقض لأقوال ترامب والذي قال بإنه "لم ير أدلة على أن إيران
تخطط لشن هجوم على أربع سفارات أميركية"، كما زعم ترامب.
لا شكّ أن ترامب حاول إضفاء شرعية قانونية على العملية،
عبر العديد من الذرائع ونفنّدها كما يلي:
1- تذرع ترامب بالضربة
الاستباقية من ضمن مبدأ الدفاع عن النفس:
بالمبدأ، يحظّر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة
أو التهديد باستخدام القوة بين أعضاء الأمم المتحدة باستثناء حق الدفاع الأصيل عن النفس،
المنصوص عليه في المادة 51، وهو مستمد أساسًا من العرف الذي سبق تشكّله إقرار ميثاق
الأمم المتحدة عام 1945.
وتعرّف الحرب الاستباقية، بأنها شنّ هجوم مباغت
على العدو استنادًا الى وجود خطر حقيقي "جاهز وموجود” imminent، لذا فإن عنصر المفاجأة
والاستباق والقيام بالضربة الأولى يعدّ من ضمن المعايير المقبولة لشنّ الحرب.
في هذا الإطار، يتبين من تصريح أسبر، إن ذريعة
"الخطر الجاهز والحقيقي والمتربص" لم تكن تتوافر في قضية سليماني وبالتالي
لا شرعية ولا قانونية لتلك الضربة ضمن القانون الدولي الذي يحدد أسس شنّ الحرب.
2- الاغتيال كعملية
وقائية دفاعاً عن النفس:
يستند هذا الى مبدأ أقرّه
"جورج بوش الابن" في استراتيجيته عام 2002، والتي تدعو الولايات المتحدة
الى الهجوم عندما "تظن" ان قدرات ما تتجمع لدى العدو ويمكن أن تؤهله للهجوم،
ولو كان التوقيت أو المكان أو التحرك المحتمل للعدو غير معلوم، أو بعيد في المستقبل.
مع العلم أن "الحرب الوقائية" أو حق الدفاع "الوقائي" عن النفس،
عمل محظور في القانون الدولي العام ويتناقض كليًا مع ميثاق الأمم المتحدة، خاصة المادة
2(4) التي تمنع استعمال القوة أو التهديد باستعمالها بين اعضاء الأمم المتحدة.
إذًا، من الناحية القانونية، تعدّ عملية الاغتيال
التي قامت بها طائرات مسيّرة أميركية بذريعة "الدفاع المشروع عن النفس" غير
قانونية من ناحية القانون الدولي، فمبدأ الدفاع عن النفس المشروع الذي تستند إليه الدول
لتبرير شنّ ضربات على اراضي أو مسؤولي دولة أخرى لا يمكن الاعتداد به هنا، لأن لهذا
المبدأ شروطه ومعاييره القانونية التي لا تتفق وحالة اغتيال سليماني والمهندس ورفاقهما.
3- الاغتيال من ضمن
مبدأ الضرورة العسكرية:
وهو مبدأ أقرّه القانون الدولي للنزاعات المسلحة
والتي تعطي الحق للدولة بشنّ هجوم قد لا يتناسب والمعايير الدولية لحماية المدنيين.
لكن، هناك بعض الشروط التي يجب توفرها للاعتداد
بالضرورة العسكرية هي: أن يكون اللجوء اليها لتحقيق أهداف عسكرية مشروعة لا
يمكن إنجازها إلا بإجراء عسكري غير معتاد ، وأن ينجم عن تلك العمليات العسكرية أقل
قدر ممكن من الخسائر التي تطال المدنيين أو الأعيان المدنية.
لكن لا يعتد بمبدأ الضرورة العسكرية إلا في حالة
الحرب أو النزاع المسلح، وبالتالي لم يكن كل من الولايات المتحدة وإيران في حالة حرب
(معلنة أو غير معلنة) للإعتداد بمبدأ الضرورة العسكرية لعملية الاغتيال، بل إن تصريحات
ترامب في مرحلة ما بعد الاغتيال، اشارت الى أن العملية ليس هدفها التصعيد للوصول الى
الحرب بل منع الحرب!.
4- "الجنرال"
سليماني ورفاقه كهدف "عسكري" مشروع:
لا يحظّر القانون الدولي للنزاعات المسلحة قتل المتحاربين،
لكنه يحظّر قتل المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال، وكذلك الهجمات العشوائية وتلك
التي تؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين.
كما يشير القانون الدولي للنزاعات المسلحة الى مبدأ
أساسي وجذري يحدد الأفراد والأعيان التي يعدّ استهدافها من ضمن الأهداف المشروعة للعمل
العسكري، وهو مبدأ المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية.
بالرغم من أن لسليماني ورفاقه صفة عسكرية، لكن الإعتداد
بمبدأ "الهدف العسكري المشروع" لا ينطبق إلا في حالة الحرب أو النزاع المسلح،
وبالتالي لو كان هؤلاء متواجدون في معركة، لكانوا، بموجب القانون الدولي، أهدافًا عسكرية
مشروعة كمقاتلين. لكن العملية لم تأتِ في سياق نزاع مسلح قائم، بل إن سليماني كان بمهمة
رسمية داخل الأراضي العراقية، ما يعطيه صفة "مسؤول ايراني" ذو صفة رسمية،
وليس كقائد عسكري ضمن معركة قائمة، وبالتالي إن استهدافه يعتبر غير قانوني بموجب القانون
الدولي الإنساني.
5- الاغتيال من ضمن
"الحرب على الإرهاب":
بعيداً عن الاطار السياسي الفضفاض الذي تستخدمه
الدول لوسم كل معارضيها بالارهاب، من الناحية القانونية لا يمكن لترامب أن يغطي العمل
بمبدأ محاربة الارهاب، فمبدأ محاربة الارهاب - بحسب التوصيف الاميركي- ينطبق على الأشخاص
أو الكيانات غير حكومية (غير دولتية) التي تقوم باستخدام العنف أو التهديد به لخدمة
أهداف سياسية، أو دينية، أو أيديولوجية، أو اجتماعية الخ... وهذا التوصيف لا ينطبق
على سليماني الذي كما أسلفنا كان بمهمة رسمية وهو - حتى بصفته العسكرية - يعتبر مسؤولاً
إيرانيًا، وبالتالي لا ينطبق عليه التوصيف الأميركي لمحاربة الارهاب.
ثم، إن قانونية أي ضربة عسكرية من ضمن محاربة الارهاب،
يجب ان تتحلى بضوابط دولية قانونية أهمها: أن يكون الهدف الارهابي مدرجاً على لوائح
الارهاب العالمية (الأمم المتحدة) وأن يكون قد صدر قرار من مجلس الأمن، بموجب الفصل
السابع ، يجيز استخدام القوة ضد الهدف الارهابي.
إذًا، إن الاستناد الى القانون الدولي بكافة فروعه،
وخاصة قانون حقوق الانسان والقانون الدولي للنزاعات المسلحة، كما الاستناد الى العرف
الدولي، بالاضافة الى مراجعة ممارسات الدول في إطر النزاعات الدولية وغير الدولية،
تؤكد أن عملية اغتيال سليماني ورفاقه غير قانونية وغير شرعية بموجب القانون الدولي.
وهذا يطرح على بساط البحث، سؤالاً جوهرياً يرتبط بمدبأ المساءلة، وكيف تشكّل قوة الدول
حصانة لمرتكبي الجرائم الدولية، بالرغم من التطور في القضاء الجنائي الدولي والذي كرّس
مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية في المحاكم الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق