كان لافتاً التصريحات الإلمانية المبكرة حول الملف النووي الإيراني والتي أعادت التركيز على "مطالب" يريدها الغرب من إيران في صيغة اتفاق نووي معدّل يريد الغرب فيه أن تقوم إيران بالتنازل عن برنامجها الصاروخي بالإضافة الى التفاوض حول دورها الإقليمي، وذلك في إشارة واضحة الى أن بايدن ومعه الغرب سيحاولون استثمار سياسة الضغوط القصوى التي قام بها ترامب، لتحقيق مكاسب استراتيجية من الايرانيين.
لكن، المطالب الإلمانية هي نفس
المطالب التي طلبها دونالد ترامب ولم تقبل بها إيران، بل اعتبرت أن العودة الى الاتفاق
النووي الأساسي مرتبط برفع العقوبات كلياً عن إيران، وعدم قبولها بمجرد الحديث عن برنامجها
الصاروخي.
فماذا في يد إيران للتفاوض؟
أولاً؛ الأكيد، وكما أعلن بايدن
أنه يريد العودة الى الاتفاق النووي. المشجع في الأمر ان مستشار الامن القومي لبايدن
جايك ساليفان هو أحد مجموعة المفاوضين السريين ثم العلنيين بين ادارة اوباما وايران
من فترة 2013 ولغاية 2015، كما أن وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن هو أحد مهندسي
الاتفاق في عهد أوباما، بالإضافة إلى وجود كل من سوزان رايس وجون كيري وغيرهم من فريق
إدارة أوباما الذي ينسب له الفضل في أن يبصر الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران
النور.
ثانياً؛ بالنسبة للعقوبات؛ قد
يكون من الصعب إزالة العقوبات المفروضة من الكونغرس وهذا يحتاج الى وقت وجهد وتوازنات
ليست في صالح إيران، ولكن كمرحلة أولى يمكن لبايدن ان يلغي القرارات التنفيذية التي
وقعها ترامب، وهذا أمر مقدور عليه ويمكنه كسر الجليد بينه وبين الايرانيين، لتنطلق
المرحلة الثانية من المفاوضات والتي من المقدر أن تكون في خريف عام 2021، أي بعد انتهاء
الانتخابات الايرانية واستقرار الحكم الجديد في كل من إيران والولايات المتحدة.
سيحاول بايدن أن يبدأ من حيث
انتهى ترامب وليس من حيث انتهى اوباما، ولذا قد يعمد الى مفاوضة الايرانيين لأخذ مكاسب
في ملف الصواريخ الباليستية وملف النفوذ الاقليمي، علماً أن موضوع الصواريخ هو خط أحمر
إيراني، وليس بيد السلطة السياسية بكل الأحوال. أما في موضوع النفوذ الاقليمي، فيمكن
للإيرانيين التفاوض على تقديم بعض المكاسب لبايدن في بعض الساحات مقابل انسحاب أميركي
أو تنازلات أميركية مقابلة.
ثالثاً؛ الضغوط من اسرائيل والدول
الخليجية ستكون عائقاً امام الانفتاح لكنها لا تستطيع أن تعطله كلياً، لأن هناك مكاسب
استراتيجية لادارة بايدن في الانفتاح على ايران، أهمها نظرة الادارة الجديدة الى التهديد
الروسي وخطره ومحاولة احتواء روسيا، إذ أن بايدن يعتبر التوسع الروسي خطر على المصالح
الأميركية وتوسعها في الشرق الأوسط يضرّ بالمصالح الأميركية، بينما أعتبرها ترامب شريك
وساهم في تقوية النفوذ الروسي في سوريا، وهذا سيلعب لصالح ايران في بعض المجالات، خصوصاً
اذا عاد الحديث عن مشروع مد أنابيب الغاز من بحر قزوين عبر تركيا الى أوروبا، وحاجة
الخط هذا الى الغاز الايراني لتشغيله.
رابعاً؛ يمتلك الايرانيون أوراق
قوة يمكنهم استخدامها، أبرزها:
- مستوى التخصيب: سيفاوض الايراني على العودة الى مستوى
تخصيب منخفض كان قد اقرّه الاتفاق النووي السابق، ما يعني أن محاولة الغرب الكسب من
عقوبات ترامب سيقابلها تمسك إيراني بما تمّ تحقيقه خلال فترة ترامب.
- الرد على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده،
إذ أن التريث الإيراني في الردّ واعتماد سياسة "الصبر الاستراتيجي" ستمكّن
إيران من التفاوض على كيفية ونوعية الرد الحتمي، فيمكن لها أن تأخذ تنازلات معينة مقابل
ردّ مضبوط.
- عدم الاستمرارية الأميركية: سيتسلح المفاوض الايراني
بخطورة عدم الاستمرارية وبقاء السياسة الاميركية تجاه ايران رهن رغبات الرئيس وقراراته
التنفيذية، ما يعني عدم استقرار الأمر وعودة الخطر عام 2024، بقدوم رئيس جديد، لذا
سيطالب الايرانيون بإلتزامات أكثر وضوحاً واستمرارية.
إذاً، سيكون عام 2021 عام الشدّ والجذب في المنطقة حيث سيحاول كل طرف أن يحصّل مكاسب على حساب الطرف الآخر، وستكون مرهونة بتطورات انتخابية أبرزها الانتخابات الايرانية في حزيران 2021.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق