خرج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمر صحفي
يوم الأحد شارحاً كل التفاصيل والحيثيات التي سبقت إعلان الأميركيين العقوبات عليه،
ومفنداً بشيء من التفصيل المطالب التي طلبها الأميركيون قبل الوصول الى فرض تلك العقوبات.
ولا شكّ أن المظلومية التي يتعرض لها باسيل كان قد تعرّض
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمظلومية أكبر منها، حين كان رئيساً للحكومة الانتقالية
بين عامي 1988 - 1990 حين تعرض لضغوط أميركية شديدة، ومطالب تمسّ بسيادة لبنان واستقلاله،
مستعملين معه اسلوب العصا والجزرة، أي التهديد بالعقاب الشديد أو الوصول الى رئاسة
الجمهورية وكان ردّ "الجنرال" حاسماً برفض الاغراءات "أريد الجمهورية
لا رئاسة الجمهورية"... ما دفع الأميركيين الى تهديده بالتصفية.
وما زال العالم يذكر جملة "الجنرال" الشهيرة؛
"يستطيع العالم أن يسحقني ولن يأخذ توقيعي" والتي أكدّت بشكل لا يقبل الشكّ
أن كل الضغوط الخارجية لن تثنيه ولن تردعه، وأن مصلحة لبنان واللبنانيين تبقى فوق كل
اعتبار.
لم يغفر الأميركيون للعماد ميشال عون واقعة طرد السفير
الأميركي من قصر بعبدا، فكلّفه ذلك ضوءًا أخضر أميركياً لعملية عسكرية لاقتلاعه من
قصر بعبدا ونفيه الى فرنسا، بعدما كان قد تعرض الى محاولات اغتيال عدّة، منها اطلاق
الرصاص عليه من قبل أحد المندسين في التظاهرات أمام قصر بعبدا، وقصف مكتبه في القصر
الجمهوري وإصابة مباشرة للكرسي الذي يجلس عليه، والذي شاءت الصدف عدم وجوده هناك في
ذلك الوقت.
واليوم، يتعرض جبران باسيل لعقوبات أميركية، بعدما كان
قد تعرّض لمحاولات اغتيال سياسي وإعلامي، برزت بشكل واضح وجلّي خلال "ثورة 17
تشرين" 2019، والتي حاولت تكريس باسيل (وحده) مسؤولاً عن كل الفساد المنظم والممنهج
منذ التسعينات عبر التصويب عليه بشكل مركّز وأساسي ولو أن الثورة اتخذت شعار
"كلن يعني كلن".
لقد كان واضحاً من المؤتمر الصحفي لباسيل والوقائع التي
ذكرها، ما هي التنازلات التي قدمها الحريري ليتم قبول عودته الى رئاسة الحكومة، كما
كان واضحاً لماذا قام الحريري بمصالحة مع الجميع باستثناء باسيل، كما بات واضحاً جداً
ان استقالة الحريري بعد الثورة لم تكن سوى
وصفة لإخراج التيار الوطني الحر وحزب الله من الحكومة، بطلب من الأميركيين، وهو ما
كنا قد توقعناه بالتحليل السياسي، وبات اليوم معروفاً بالوقائع.
والآن، ماذا بعد؟
لقد تعلمّ اللبنانيون والتيار الوطني الحر من دروس
" 13 تشرين" مع العماد ميشال عون، أن التاريخ يخلّد وقفات العز الوطنية وأنه
يدوس المتزلفين وبائعي الوطن. إن التحدّي الذي قام به العماد عون للإرادة الأميركية
في وقت مفصلي في تاريخ العلاقات الدولية وفي وقت كانت الولايات المتحدة تتجه للهيمنة
على العالم ولأن تصبح صاحبة الكلمة الأوحد في الكون، أثبت صوابيته فيما بعد، رغم أنها
كلّفت الرجل هزيمة معركة عسكرية ونفي الى الخارج ومحاولة تشويه صورته واتهامه بملفات
مالية خرج منها جميعها منتصراً وثبتت مظلوميته وبراءته.
وعليه، إن المؤتمر الصحفي الذي عقده باسيل كشف الكثير
من الوقائع وبقي الكثير غير المعروف، وكشف كيف يمكن للإعلام وحملات التشويه الممنهج
أن تغتال أحدهم معنوياً وسياسياً. لكن، في التاريخ اللبناني، الكثير الكثير من الضحايا ممن قدموا أرواحهم ودماءهم،
وممن دفعوا اثماناً أكبر من ذلك، لكي يبقى الأهم: لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق