2020/10/26

عودة الحريري: كيف سقطت الموانع؟

أما وقد أصبح الحريري رئيساً مكلّفاً، وتشير الأجواء الاعلامية والسياسية أن مسألة التأليف تسير بطريقة إيجابية جداً، وهذا ما أظهره بيان رئاسة الجمهورية بعد لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، يمكن القول أن "الثورة" اللبنانية التي انطلقت في 17 تشرين الاول عام 2019، هي الخاسر الأكبر اليوم.

منذ سنة،  وعلى وقع ضغط الشارع (كما قال) استقال الحريري طارحاً العودة الى السلطة على رأس حكومة "مستقلين" يختارهم بنفسه، وبدون ان يكون للقوى السياسية الأخرى أي رأي في تسميتهم. وقد تسبب هذا الطرح بصدمة حينها، إذ كانت الحكومة ستبدو وكأنها مجلس إدارة شركة من شركات الحريري وليس حكومة لبنان المتنوع سياسياً وطائفياً.

وبالرغم من استقالته وتأكيد مشاركته في الانقلاب، استمر الثنائي الشيعي بتأييد عودته على رأس الحكومة، ومعهم العديد من القوى السياسية، بينما أعاقت قوى ثلاث عودته مجدداً الى السلطة:

- أولاً؛ الفيتو الخارجي والمتمثل بشكل أساسي بالفيتو الخليجي المدعوم أميركياً، حيث اعتبر السعوديون أن الحريري ساهم في تقوية نفوذ حزب الله في لبنان، وبالتالي في زيادة النفوذ الايراني.

- ثانياً؛ الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر، الذي وجد في عودة الحريري منفرداً (كنتيجة للثورة) بدون شركائه في السلطة، تبييضاً لسجل الرجل، واتهاماً للآخرين بالفساد وتحميلهم المسؤولية الكاملة عما آلت اليه الأمور في البلاد.

- ثالثاً؛ الثورة اللبنانية بما تمثل، ومعها الكثير من اللبنانيين الذين وجدوا في خروج الحريري من الحكم، نافذة لاصلاح في هيكلية الدولة واجتثاث الفساد وتغيير جذري في طريقة الحكم، وانطلاقة لعهد الرئيس عون الذي تمّ تكبيله بالتسوية الرئاسية.

أما اليوم، فيبدو أن الأميركيين  - ومباشرة بعد موافقة لبنان على السير بمسار ترسيم الحدود- بدأوا بتخفيف سياسة الضغوط القصوى على لبنان (بدون أن تنتهي كلياً). كما يبدو أن السعوديين والإماراتيين وجدوا أن ترك الساحة السنية للفراغ، سوف يؤدي الى دخول الأتراك الى الساحة اللبنانية وتكريس نفوذهم في كل من طرابلس وعكار وصيدا الخ. وعليه، فإن العودة الى دعم الحريري قد يكون أقل كلفة.

بالنسبة للتيار الوطني الحر، الذي يريد أن "ينقذ" عهد الرئيس عون من محاولات الأغراق الذي يسعى اليه أركان الدولة العميقة في الداخل مدعومين من الخارج، لذا فهو سيسهّل ولادة الحكومة انطلاقاً من ثوابت أساسية مفادها:

- برنامج الحكومة الاصلاحي، وضرورة التأكيد على السير بمشروع التدقيق الجنائي ومكافحة الفساد والتأسيس لمؤسسات فاعلة تتسم بالشفافية وحكومة منتجة وفعالة.

- وحدة المعايير سواء في طروحات المداورة، أو في التعامل مع المكونات اللبنانية؛ فما يسري على الشيعة والسنّة والدروز يجب أن يسري على المسيحيين وبالتالي لن يتم القبول باعتبار المسيحيين أهل ذمة وأن يختار لهم الحريري وزراءهم.

- احترام الدستور وصلاحية رئيس الجمهورية في المساهمة في التشكيلة الحكومية، فالرئيس ليس مجرد ساعي بريد بين الكتل النيابية، إنما له الحق الكامل في رفض توقيع أي تشكيلة حكومية يعرضها عليه الرئيس المكلّف.

وتبقى "الثورة" اللبنانية، التي لم تستطع أن تنفّذ أياً من طروحاتها لا بل أن جردة حساب سياسية معها، تشي بأن ممارساتها وقطع الطرق والبلطجة التي مورست سمحت للبنوك بالسطو على ودائع اللبنانيين، وأدّت الى تعثّر الاقتصاد اللبناني وأتت بعدها كورونا لتضيف مأساة لبنانية فوق مأساة سابقة. قد يعمد الحريري الى توزير بعض رموز هذه الثورة، لكن قد يؤدي ذلك الى انقسام أكبر في صفوفها وتخوين من سيشارك في السلطة... بكل الأحوال، على المدى القصير والمتوسط، لقد دفنت مع فشل الثورة اي إمكانية لتحفيز اللبنانيين الى النزول الى الشارع مرة أخرى. 

2020/10/21

2020: عام المرأة!

 

لعقود قادمة، سوف يدرج التاريخ السياسي والاجتماعي لشعوب العالم عام 2020، كمحطة مفصلية في تاريخ الأمم. هذه السنة التي حفلت بالكثير من التغييرات السياسية والاجتماعية، والأعاصير والحرائق والكوارث الطبيعية، بالإضافة الى وباء كوفيد 19، ولم تزل تطوراتها تفاجئ العالم وتأخذهم على حين غرّة.

 

ولا شكّ، أن حسن طريقة التعامل مع وباء كورونا حول العالم، يشير الى دور هام للمرأة في القيادة، فمثلاً يشار الى حسن تعاطي المستشارة الإلمانية أنجيلا ميركل ورئيسة وزراء نيوزيلندا مع الوباء، فتشير الاستطلاعات - على سبيل المثال لا الحصر- الى أن الخسارة الشعبية التي كانت ميركل قد بدأت تعانيها قبل الوباء ( ما اضطرها للتنازل عن قيادة حزبها) قد انقلبت بعد الجائحة.

 

هذا على صعيد تعاطي النساء القياديات مع الجائحة عالمياً. أما وقد اقترب موعد الانتخابات الأميركية، فيؤشر مسار الانتخابات الى صعود نجم النساء بعد ترشح عدد قياسي من السيدات للانتخابات هذا العام؛ بما في ذلك ارتفاع عدد النساء المرشحات من ذوات البشرة الملونة.

 

 ولعل الأبرز في الانتخابات الرئاسية، الحديث عن أن النساء قد يسببن خسارة ترامب انتخابياً، وذلك على الشكل التالي:

 

- تباين "جندري" في استطلاعات الرأي:

 

بحسب استطلاعات الرأي، فاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأغلبية أصوات النساء البيض عام 2016، لكن هذا الدعم تآكل على مدى السنوات الأربع الماضية، حيث أظهرت الاستطلاعات الوطنية الحالية أن ترامب يواجه الآن فجوة بين الجنسين تبلغ 12 إلى 30 نقطة بين جميع الناخبات.

 

وبينما تشير نفس الاستطلاعات الى تقدم ترامب على بايدن لدى الرجال البيض، تشير الأعداد الى نسب مناقضة لدى النساء البيض. ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية النساء الجمهوريات المسجلات ما زلن يخططن للتصويت لترامب في الانتخابات المقبلة.

 

هذا وقد شكّلت الجمعيات النسائية الليبرالية العمود الفقري للتظاهرات التي خرجت ضد ترامب بعد توليه السلطة عام 2017، ويتم تجييش النساء خلال الحملة الانتخابية الحالية للتصويت ضد ترامب وضد "سياساته المعادية للمرأة".

 

- نساء الضواحي:

 

يقصد بنساء الضواحي، السيدات اللواتي يعشن في ضواحي المدن الكبرى، واللواتي يؤثرن في العديد من قرارات الأسرة سواء المالية أو السياسية أو الاجتماعية وسواها.

 

وكانت هؤلاء النسوة قد ساهمن بحملة التأييد لدونالد ترامب خلال عام 2016، ولكنهن أيضاً كنّ السبب في خسارة الجمهوريين في الانتخابات النصفية عام 2018. وإدراكاً منه بأهمية تصويت نساء الضواحي وقدرتهن على قلب المعادلات الانتخابية، توجّه ترامب برسالة الى هؤلاء النسوة، راجياً منهن "أن يحبوه"، مؤكداً أنه حمى مناطقهن ( في إشارة الى حركة "حياة السود مهمة" والتظاهرات التي وقف ترامب بقوة ضدها).

 

وتشير التقارير الى أن رسالة ترامب لهؤلاء النسوة قد لا تؤثر كثيراً في اتجاهات التصويت في الضواحي، أولاً لأن الرسالة تتوجه الى السيدات البيض بينما باتت الضواحي مناطق مختلطة عرقياً ولم تعد حكراً على المجتمعات البيضاء، بعدما شهدت المجتمعات الأخرى نهضة علمية ومادية جعلت الضواحي أقرب الى المدن المتنوعة، منها الى الضواحي البيضاء- الصافية عرقياً. وتشير أرقام إحصاء عام 2010 ، أن حوالي 35 في المائة من سكان الضواحي  كانوا من "غير البيض" ، مقارنة بـ 19 في المائة فقط عام 1990.

 

ثانياً؛ لأن طريقة تعاطي ترامب مع الوباء والمشاكل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي يعانيها الأميركيون جرّاء جائحة كورونا، واتهام ترامب بعدم القدرة على التعاطي معها بشكل فعّال، قد ضربت الضواحي وخاصة مجتمع النساء الذي تشير الاستطلاعات أنهن كنّ أكثر المتضررات من الجائحة اقتصادياً، وأن نسبة النساء التي ستعود الى العمل باكراً هي أقل بكثير من نسبة الرجال، بسبب الحاجة لوجودهن في المنزل لرعاية الأطفال.

 

إذاً، يبدو أن النساء بصدد قيادة التغيير وتحقيقه في العالم، وهو ما ستثبته تطورات عام 2020 والانتخابات الأميركية الحالية. فأين المرأة العربية من هذا التغيير؟ وهل تخلّف المرأة العربية عن ركب موجة التغيير العالمية، سيجعلها تنتظر عقوداً طويلة قادمة قبل أن تثبت نفسها كقائدة للتغيير وليس فقط متأثرة به؟ 

2020/10/13

جردة ترامب الشرق أوسطية: أميركا أقل أمناً

 

يعيش العالم اليوم على وقع قرع الطبول الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تنظر كل دولة الى مصالحها في بقاء الرئيس ترامب أو رحيله، خاصة وأن جو بايدن يشكّل استمراراً لسياسة باراك أوباما، ما يجعل من السهل توقّع سياساته الخارجية، إضافة الى أن سياسات ترامب ستكون استمراراً للسنوات الأربع التي مرّت.

 

منذ 4 سنوات، وعد المرشح دونالد ترامب بإنهاء عصر الحروب العسكرية، معتبراً أن عصر تغيير الأنظمة بالقوة بات من الماضي، ومؤكداً على نيّته الانسحاب من الشرق الأوسط وإن السلام يجب ان يعمّ هذه المنطقة وعلى الأميركيين الانتهاء من "الحروب الأبدية". لكن الوعود الترامبية، سرعان ما تبددت، باعتماده سياسات العقوبات الجماعية على كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان، ودعمه المطلق لاسرائيل وعزمه على تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء حلّ الدولتين، وتأييده للسعودية في حربها ضد اليمن. وشارفت المنطقة على الحرب في أكثر من مناسبة، ولعل أبرزها لحظة قيام ترامب باغتيال الفريق قاسم سليماني، الذي كاد يشعل حرباً إقليمية كادت تتحول الى ساحة حرب عالمية لولا ضبط النفس الذي مورس من قبل الايرانيين وردّهم المدروس.

 

لا شكّ أن الشرق الأوسط كان بشكل دائم معنياً بهوية قاطن البيت الأبيض وذلك لإهتمام الولايات المتحدة بأمن اسرائيل وتدخلاتها التي لا تنتهي في الشؤون الشرق أوسطية، والتي تزايدت بشكل مطرد بعد الحرب الأميركية على الأرهاب والاحتلال الأميركي للعراق. وبدون الدخول في الرواية الأميركية الداخلية حول علاقة ترامب المشبوهة بالروس، نجد أنه - وفي جردة لسياسات ترامب في الشرق الأوسط- أن نتنياهو وبوتين هما الرابحان الأكبر من سياسات ترامب الشرق أوسطية.

 

الأكيد أن نتنياهو استفاد بشكل أكيد من تأييد ترامب المبالغ به، والذي ساهم في تكريس سياسات اليمين الاسرائيلي ورفضه للسلام، لكن - على المدى المتوسط والطويل- إن ما فعله ترامب لن يجعل السلام أكثر قرباً من ذي قبل، ولن يجعل اسرائيل أكثر أمناً.

 

أما الرابح الثاني فكان بوتين، الذي كرّس نفسه قطباً أساسياً في الجغرافيا السورية، فجردة حساب جغرافية بين لحظة رحيل باراك أوباما منذ أربع سنوات واليوم، تؤكد أن سياسات ترامب في سوريا، خدمت الروسي بشكل أكيد وجعلته يكرّس حضوره في سوريا ويعقد الاتفاقيات مع تركيا التي ساهمت بتعزيز نفوذه في المنطقة ككل.

 

ولعل أكثر المتضررين، هي إيران وحلفائها ( لبنان وسوريا والعراق)، وهي الدول التي تعرّضت لعقوبات جماعية لم يسبق لإدارة أميركية سابقة أن لجأت الى مثيلاتها. لقد تأثرت الساحات الثلاث بالحضور الايراني في كل منها، فعانت من الضغوط الأميركية القصوى، على شكل عقوبات اقتصادية جعلت شعوب الدول الأربع على حافة المجاعة.

 

وفي تقييم للعقوبات الأميركية، يمكن أن نميّز بين الوسيلة والهدف، فالوسيلة لا تقاس بحدّ ذاتها، بل بمدى قدرتها على تحقيق الأهداف. والأكيد أن ترامب بعقوباته الجماعية التي ترقى الى مستوى جرائم حرب، قد جعل الساحات الايرانية واللبنانية والسورية والعراقية تئن تحت وطأة الجوع والعقوبات والخوف من فقدان المواد الغذائية، لكن الهدف المراد تحقيقه أي دفع إيران الى الاستسلام والذهاب الى مفاوضات استسلام لم يحصل، ولم تؤدِ العقوبات الى استسلام حزب الله ولا الى تغيير سياسي جذري في لبنان وفشلت الأدوات الأميركية في تحقيق انقلاب سياسي على نتائج الانتخابات النيابية.

 

أما في سوريا، وبالرغم من العقوبات القاسية على السوريين، لكن ذلك لم يؤدِ الى تنحّي الأسد أو خروج المظاهرات ضده أو قبوله بخروج الايرانيين من سوريا، وما زالت الساحة العراقية تقاوم الوجود العسكري الاميركي، وحيث أصبح أمن الجنود الأميركيين في العراق أقل أمناً بعد مقتل سليماني لا العكس.

 

في النتيجة، إن التفاؤل الذي ساد عند نهاية عهد أوباما ومجيء ترامب بإنهاء عصر الحروب في الشرق الأوسط، قد تحطم على صخرة شخصية ترامب النرجسية وتوقه الى إرضاء اليمين المسيحي المتطرف خدمة لطموحات التجديد الرئاسية والبقاء في البيت الأبيض وبالرغم من سياسة الضغوط القصوى التي استخدمها، لم يحقق الأهداف التي كان قد وضعها، وجعل النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط أقل مقبولية وأقل أمناً....وعليه، هل يكون نجاح بايدن في الانتخابات مقدمة لتنفس الصعداء في الشرق الأوسط كما في العديد من أنحاء العالم؟

  

2020/10/06

إصابة ترامب بكورونا: هل تخدم حملته الانتخابية؟

 

ما أن أعلن الرئيس الأميركي إصابته وزوجته بفيروس كورونا، ثم إعلان الأطباء الحاجة الى نقله الى مستشفى والتر ريد العسكري، لم تتوقف وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة وخارجها عن التعليق على الحدث، وانتشرت نظريات المؤامرة على وسائل التواصل، معتبرة أن ترامب غير مصاب، وأنه "يكذب" بشأن إصابته بالمرض، وأنه يهدف الى كسب التعاطف والتأييد لحملته الانتخابية.

 

وفي هذا الإطار، يبدو من المفيد مناقشة كل الفرضيات، حول قدرة كورونا على مساعدة ترامب في انتخاباته بعدما شكّلت الارقام الهائلة للإصابات وتراجع الاقتصاد الى خسارة التأييد الذي كان يتمتع به في بداية السنة الحالية قبل انتشار الوباء.

 

الفرضية الأولى: أن يكون ترامب بالفعل "يكذب" حول إصابته

 

دعاة هذه النظرية الافتراضية، يشيرون الى الصور والفيديوهات التي نشرها ترامب والتي تثير التعاطف، والى التضارب في التقارير التي أعلنها أطباؤه، فمن جهة هم تحدثوا عن تحسّن صحة الرئيس وأنه بخير ومن جهة أخرى أشاروا الى أعطائه عقاقير تستخدم لحالات مرضى كوفيد الصعبة.

 

هذه الفرضية تستند الى أن ترامب كان قد أدى آداءً سيئًا جداً في المناظرة مع بايدن، بالإضافة الى أن الأسبوع المنصرم حفل بالكثير من النكسات لحملته الانتخابية، منها الفضيحة حول المبلغ الزهيد من الضرائب التي يدفعها، وتسجيل صوتي مسرّب لميلانيا تتذمر فيه من القيام بمهامها في تزيين شجرة الميلاد، وغيرها... وبالتالي هو يحتاج الى كسب التعاطف والانكفاء لبعض الوقت لترتيب الحملة والهجوم مجددًا.

 

تمتلك هذه الفرضية بعض الصوابية، انطلاقاً من دروس تجربتي كل من بوريس جونسون وبولسونارو، واللذين عانيا بشدّة من انتقادات حول كيفية تعاطيهما مع الوباء، ثم أتت أصابتهما لتكسبها تعاطفاً شعبياً. ولقد بيّنت الاستطلاعات أن إصابة بولسونارو وتعاطيه "القوي" مع الإصابة، قد شدّ أواصر مؤيديه الذين - يشبهون الى حد بعيد القاعدة المؤيدة لترامب- يحبون مظهر القوة ويغرمون بـ"البلطجة والتنمر" على الآخرين.

 

الفرضية الثانية: أن يكون ترامب فعلاً قد أصيب بالفايروس

 

هذه تستند الى أن العديد من أركان جملة ترامب، بالاضافة الى العديد من العاملين في البيت الأبيض وممن حضروا الاحتفالات التي حضرها ترامب، وساعدوه في التحضير للمناظرة، قد أتت نتيجتهم إيجابية.

 

انطلاقاً، من دراسة شخصية ترامب وتركيبته النفسية، يمكن القول أن من طبيعة ترامب المكابرة وكرهه لمواقف الضعف والعجز، وتنمّره كل المرضى والعاجزين، حتى وصل به الأمر الى التنمر على معتقلي الحرب والمصابين فيها. وهذا يعني أنه من الصعب عليه أن يصطنع مواقف الضعف لكسب التعاطف، فالضعف والمرض والشفقة كلها لا تعني لترامب شيئًا بل هي رذائل يجب مكافحتها، لذا من المرجح ان يكون قد اصيب فعلاً بالفايروس وأنه لم يستطع إخفاء الأمر.

 

وبالنتيجة، وبغض النظر إذا كانت إصابة ترامب حقيقية أم مصطنعة، إلا أنها من الصعب أن تغيّر النتائج الانتخابية بشكل دراماتيكي، فالانقسام العامودي في الولايات المتحدة الأميركية والاستقطاب الذي تشهده هذه الانتخابات، من الصعب أن تغيّره قضية إصابة ترامب وزوجته، هذا بالإضافة الى أن الكلام التوفيقي والمهادن الذي استخدمه ترامب في اليومين الأولين من مرضه، عاد وتراجع عنه ليغرق متابعيه على التويتر بكمّ هائل من الدعوات الانتخابية، والصور التي توحي بأن وجوده في المستشفى ليس للاستشفاء بل أنه يمارس مهامه الرئاسية ويواصل حملته الانتخابية من الجناح الرئاسي في مستشفى والتر ريد، ما يفسح المجال للديمقراطيين للهجوم عليه من جديد. 

2020/10/05

ترسيم الحدود واتهامات الاعتراف والتطبيع

 

لم يكد الرئيس برّي يعلن أنه تمّ التوصل الى اتفاق - إطار، يبدأ بموجبه المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الاسرائيلي لترسيم الحدود في المنطقة الإقتصادية الخالصة، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الاعلامية، بأخبار وفبركات أعلامية وسياسية حول الموضوع، ونفندها كما يلي:

 

- "المفاوضات ستكون مباشرة"

 

الأكيد أن المفاوضات لن تكون مباشرة، وقد جرّب لبنان إطار المفاوضات غير المباشرة، في العديد من المراحل، منها خلال تفاهم نيسان عام 1996، وخلال الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 الخ.. ويبدو أن الإطار الذي يُحكى عنه اليوم يبدو متطابقاً مع الآلية التي اتبعت في ذلك الوقت، أي أن لبنان يتكلم مع الأمم المتحدة التي بدورها تنقل الأمر الى "الاسرائيلي" وهكذا دواليك.

 

- "لبنان سيكون الدولة الثالثة في مسار التطبيع"

 

وهي العبارة الأكثر غرابة، لأن لا إطار سياسي للتفاوض بل موضوع تقني يتعلق بأمر محدد؛ وهو رسم الحدود في المنطقة الاقتصادية الخالصة ليصبح بإمكان لبنان استثمار ثروته النفطية في بحره.

 

علماً أن تطبيع العلاقات بين بلدين لديهما تاريخ من العداء والحروب، يحتاج الى أكثر من تفاوض غير مباشر، لا بل يحتاج الى أكثر من إتفاقية سلام، بدليل أن مصر وهي الدولة العربية الأولى التي وقّعت إتفاقية سلام مع "اسرائيل" في السبعينات، لم تستطع أن تجعل الأمر طبيعياً، ولم يؤدِ ذلك الى تطبيع فعلي وحقيقي بين الشعبين.

 

- الإعتراف باسرائيل:

 

إن موضوع الاعتراف في القانون الدولي، فهو أمر أكبر من مجرد "إقامة مفاوضات غير مباشرة" لحلّ مسألة الحدود. فالاعتراف عمل سياسي ينبع من الإرادة المطلقة للدولة المعترِفة، ويشير الى «عِـلم حكومة دولة أجنبية بوجود حالة واقعية من هذا النوع وتسليمها بوجودها، وقبولها بالنتائج القانونية المترتبة على وجودها عن طريق الاعتراف بها».

 

إذًا، العلم بوجود "اسرائيل" لا يعد اعترافاً قانونياً، وإنما يتم "الاعتراف" في حال ظهرت نيّة الحكومة اللبنانية في قبول النتائج القانونية التي يرتبها القانون الدولي على وجود هذه الحالة، والذي يمكن أن يتطور لتقيم معها علاقات دبلوماسية واقتصادية وسواها...

 

وعلى هذا الإساس، إن الحديث عن أن ترسيم الحدود لا يعدو كونه "علم لبنان بوجود حالة احتلال وأمر واقع في فلسطين"، وبالتالي التعامل بما يخدم مصلحة لبنان في ثروته وبحره، وهو ما حصل منذ التسعينات ولغاية اليوم، وهو ما حصل عام 2000، حين "اضطر" لبنان للتعامل مع الحالة الواقعية المستجدة (انسحاب اسرائيل) لتثبيت حقه في أرضه.

 

وفي هذا الإطار، وإذا كنا سنسلّم مع مقولة أن التفاوض غير المباشر هو "اعتراف وتطبيع"، فهذا يعني أن اتفاقية الهدنة عام 1949 كانت اعتراف، والمبادرة العربية التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002 ووافق عليها لبنان، كانت اعتراف بوجود "اسرائيل"، وتفاهم نيسان عام 1996 هو اعتراف...

 

في النتيجة، نلاحظ أن أكثر المنتقدين لإتفاقية الإطار والذي يرمون السهام على المفاوضات قبل حصولها، هم طرفين:

 

 الأول، يريد استهداف الثنائي لأسباب سياسية داخلية، وهم الأكثر انتقادًا لمساهمة حزب الله في محاربة اسرائيل، ويدعون الى السلام انطلاقاً من فكرة  "بدنا نعيش".

 

الثاني، أصحاب المزايدات الذين يمتهنون "تعلية السقف"، بدون أن يقدموا حلول واقعية تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الواقع الموجود، والمبادئ، وما يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى السائدة.