لا شكّ أن
زيارة الوفد الروسي الرفيع المستوى الى سوريا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب رئيس الوزراء
الروسي يوري بورسيف، وبحضور وزير الخارجية سيرغي لافروف بالإضافة الى عدد من المسؤولين
السياسيين والاقتصاديين، شكّلت علامة سياسية فارقة في المشهد السوري بعد انقطاع دام
لمدة ثماني سنوات، أي منذ عام 2012.
واقعياً،
وبالرغم من الحضور العسكري الروسي في الميدان السوري، وزيارات رئاسية روسية متكررة
لروسيا، توقفت زيارات الوفود الروسية الى سوريا بعيد صدور بيان جنيف واحد (2012) الذي
حدد نوعاً من خارطة الطريق لمرحلة "انتقالية" في سوريا، قاربتها كل من المعارضة
والحكومة السورية وداعموهم بطرق متباينة.
واليوم،
وبعد التغيرات الميدانية الكبيرة التي حصلت والتدخل العسكري الروسي المباشر في الميدان
السوري، وإنكفاء الدور العسكري الأميركي في الجغرافيا السورية، وتركيز الرئيس الأميركي
دونالد ترامب على هدف وحيد هو " استغلال النفط"، يمكن قراءة الزيارة الروسية
من خلال مقاربة غير عسكرية، تبدو على الشكل
التالي:
أولاً، إن
تركيبة الوفد الروسي تشي بأن الروس يراهنون على الحصول على مزيد من الاستثمارات في
مجالات الاقتصاد والطاقة والتجارة والثقافة والتعليم الخ.. وكما استفاد الروس من حضورهم
العسكري في الميدان السوري، ومن ترتيبات وتفاهمات استطاعوا ترتيبها لتحرير 75 بالمئة
من الجغرافيا السورية وإعادتها الى كنف الدولة السورية، يبدو أن الحضور الروسي سيكون
متزايداً في مجالات أخرى حين تنتفي الحاجة للعمليات العسكرية ( مع بقاء القواعد العسكرية
الروسية لإقامة توازن قوى في شرق المتوسط).
ثانياً؛
يتمنى الروس أن يحققوا تسوية - ولو جزئية- في سوريا قبل رحيل دونالد ترامب من البيت الأبيض. يدرك الروس
أن عودة ترامب في ولاية ثانية ستحرره من قيود كثيرة كان يخشاها في ولايته الاولى نؤثر
على طموحه للتجديد، ومنها الضغوط حول تقديم تنازلات الى الروس في ملف سوريا، وبالتالي
من مصلحتهم فوزه وإقامة تسوية شاملة معه، تعطيهم اليد الطولى في كل من سوريا وأوروبا
الشرقية. لكن في حال رحيل ترامب ومجيء جو بايدن،
فإن الإدارة الأميركية ستسعى الى تطبيق سياسة شبيهة بسياسة أوباما، ما يعني مزيداً
من الضغوط على الروس في ميادين عدّة، ومنها سوريا التي نفذّ فيها أوباما "استراتيجية الاستنزاف" لمحاولة إغراق
الروس في المستنقع الروسي ( بالرغم من أنها لم تنجح).
أما التسوية
الجزئية التي يتمنى الروس حصولها قبيل الانتخابات الأميركية أو على الأقل قبل 20 كانون
الثاني 2021 موعد التسلم والتسليم في البيت الأبيض، فتقضي ببقاء التواجد العسكري الروسي،
زانسحاب كافة الجيوش الأجنبية من الجغرافيا السورية، بما فيها الأميركية والإيرانية.
وكان المبعوث الأميركي ومسؤول الملف السوري في الإدارة الأميركية جيمس جيفري، قد دعا
في أيار الماضي الى خروج جميع القوات الأجنبية التي لم تكن موجودة قبل 2011 بما فيها
التركية والإيرانية والأميركية عدا الروسية.
وهذا ما
يطمح إليه الروس قبل رحيل ترامب، وقد سرّبت بعض وسائل الاعلام عن طلب بهذا الشأن تقدم
به لافروف الى الرئيس السوري بشار الأسد، يقضي بإنسحاب الإيرانيين وحلفائهم من سوريا
مقابل انسحاب أميركي من الشرق السوري.
قد يكون في هذا الطرح بعض الربح المياداني للدولة السورية، لكن الواقعية السياسية والخبرة الميدانية والسياسية وتباين المصالح الدولية ودروس التاريخ التي تشي بأن الدول الكبرى عادة ما تضحي بحلفائها حين تنتهي مهمتهم، تفترض أن لا تفرّط القيادة السورية بأي من حلفائها في هذا الوقت بالذات، أولاً للحاجة للتحرير العسكري في ظل وجود أجزاء من الجغرافيا السورية خارج سيطرة الدولة، وثانياً لحفظ الذات على أبواب انتخابات رئاسية قادمة عام 2021.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق