2020/08/31

هل يفلح أديب حيث عجز دياب؟

 

 

تبدأ في قصر بعبدا الاستشارات النيابية الملزمة اليوم، لإختيار رئيس حكومة لبنانية بات معروفاً تقريباً بعدما قام رؤساء الحكومة السابقين، بإعلان تبنيهم لمرشح وحيد لرئاسة الحكومة، وبالتالي أعلنت معظم الكتل في الغالبية النيابية تأييدها له، حرصاً على الميثاقية والعيش المشترك.

 

وكان لافتًا أن مجموعة رؤساء الحكومة السابقين، قد أعلنوا لائحة من أسماء ثلاثة، لم يتركوا الخيار فيها كبيرًا للاختيار، حيث تمّ تسمية أسمين إضافيين الى اسم السفير اللبناني في إلمانيا السيد مصطفى أديب، وحيث يعرف هؤلاء أن الأسمين الإضافيين لن يمرا عند الرئيس عون لتورطهما في قضايا مختلفة، وبالتالي إن الأصرار على أحدهما، يعني إعادة الاستشارات النيابية، إذ سيخسر المرشح المقترح من قبلهم الميثاقية المسيحية كون مرشح القوات اللبنانية كان وما يزال السفير اللبناني الأسبق في الامم المتحدة نواف سلام.

 

وبما أن النتيجة شبه محسومة بتسمية السفير مصطفى أديب، يهمنا أن نركّز على بعض الملاحظات لما سيأتي:

 

أولاً- أن التوافق السياسي لم يأخذ بعين الاعتبار موقف الشارع اللبناني من التسوية التي حصلت والتي ما زالت تأخذ بعين الاعتبار المحاصصة الطائفية وتحصر التسمية بأشخاص معينين، يحتكرون التكلم باسم الطوائف.

 

لقد تبين من اللائحة المسربة من اجتماع رؤساء الحكومة السابقين ومن التجارب السابقة، أن المتكلمين باسم الطوائف من الأحزاب السياسية كافة، أما يحتكرون السلطة لأنفسهم وعائلاتهم، أو يعمدون الى تهميش الكفاءات والشخصيات الفذّة في طوائفهم ويختارون الاضعف من بين "الرعايا" لئلا يشكّل تهديدًا لنفوذهم وللوارثة السياسية التي يحضّرون الأجواء لها، وذلك تيمنًا بالاقطاع القديم الذي كان يحتكر العلم والقيادة له ولأبنائه.

 

ثانياً- هل سيستطيع أديب أن يحقق ما لم يستطع حسان دياب أن يفعله، والرجلين يتشابهان في الخلفية السياسية والأكاديمية؟ وهل  سيسير السفير مصطفى أديب بالاصلاحات الاقتصادية ومنها مكافحة الفساد التي ستسمح بتدفق الأموال على لبنان، علماً أن هناك العديد من الملفات التي تتورط فيها جهات سمّت السيد أديب وزكّته الى هذا المنصب؟

 

ثالثاً- هل سيكون مسار التأليف معبّداً أمام رئيس الحكومة الجديد؟ وماذا عن التحاصص الطائفي والحرد الابتزازي، وادعاء الكتل المجهرية بحقها في وزارات خدماتية وأكثر من نسبة تمثيلها في البرلمان، كما حصل مع تيار المردة خلال تشكيل حكومة حسان دياب؟

 

رابعاً والأهم- هل سيستطيع أديب أن يتخطى الألغام التي ستنوجد داخل حكومته، والتي تهدد بتفجيرها كلما وصل الامر الى إقرار قانون يطال الفاسدين من النافذين السياسيين وأزلامهم؟

 

إن الملاحظات السابقة وغيرها، تشي بقدرة الدولة العميقة وأزلامها وسياسييها وأعلامييها على تقويض الحكومة اللبنانية الجديدة كما حصل مع حسان دياب. وللأسف، لم يعد أمام اللبناني إلا أن يأمل خيرًا بالضغوط الخارجية التي تدعو الى الاصلاح، والتي تربط الاصلاحات بالمساعدات التي يحتاجها لبنان بشكل كبير.

 

لقد بيّنت الأحداث منذ ما قبل 17 تشرين ولغاية اليوم، أن معظم المشاكل والكوارث تمّ افتعالها داخلياً لملاقاة الضغوط الخارجية على لبنان، ولإعطاء قوة دفع لسياسة الضغوط القصوى التي تمارسها إدارة ترامب على لبنان، فهل يتعظ الساسة اللبنانيون، بعدما شاهدوا بأم العين أن غرق المركب اللبناني سيُغرق الجميع بمن فيهم أركان الدولة العميقة نفسها؟ نتمنى ذلك.

2020/08/25

هل انتهت قيادة أميركا للعالم الغربي؟

 

 

تعرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمزيد من الخيبات على الصعيد الدولي، خاصة من الحلفاء الأوروبيين الذين - على ما يبدو- لم يعودوا مقتنعين بالقيادة الترامبية للعالم الغربي، فلقد ظهر من التصويت في مجلس الأمن في الملف الايراني وقبله، أن الأوروبيين لا يتعاطون اليوم مع الولايات المتحدة كما كانوا يتعاطون معها في السابق، أي بصفة القائدة لعالم غربي وليس مجرد الشريكة فحسب.

 

ويمكن أن نذكر أن التعاطي الأوروبي مع ترامب عام 2020، كان مليئًا بالخيبات، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر:

 

الدعم الاوروبي لمنظمة الصحة العالمية بعد إعلان ترامب انسحابه منها، واعلان المفوضية الاوروبية أنها ستدعم المنظمة بالمال بعدما هدد ترامب بقطع التمويل ردًا على ما سماه "انحياز المنظمة للصين". هذا بالاضافة الى الرفض الأوروبي القاطع لتهديدات ترامب بفرض عقوبات على شركات أوروبية بسبب مساهمتها في مشروع السيل الشمالي 2، حيث اعتبر ترامب ان هذا يعطي روسيا استفادة جيوسياسية في حين أنه يطالب إلمانيا بشراء الطاقة من الولايات المتحدة ولو بأسعار أعلى.

 

ثم، رفض المسشارة الأميركية أنجيلا ميركل دعوة ترامب لعقد قمة الدول الصناعية السبعة في واشنطن، متذرعة بظروف كورونا، بينما يشير العديد من الباحثين الأميركيين والاوروبيين الى أن رفض ميركل أتى نتيجة لسياسات ترامب الدولية؛ خاصة أنها لم ترد أن تعطي ترامب دعمًا في سياسة العداء ضد الصين، ولم تكن موافقة على دعوته للروس الى القمة، بالاضافة الى أنها لم تكن تريد للقمة أن تظهر وكأنها تعطي ترامب دفعًا في الانتخابات الأميركية القادمة.

 

أما في الموضوع الايراني، فلقد رفض مجلس الأمن الاقتراح الأميركي الخاص بتمديد حظر الأسلحة على إيران والذي تنتهي مدته في تشرين الأول / اكتوبر القادم ( بحسب الاتفاق النووي لعام 2015)، باعتراض روسيا والصين، وامتناع 11 دولة عن التصويت، من بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا. وقد اعتُبر هذا الرفض بمثابة ضربة هامة للدبلوماسية الأميركية، الأمر الذي جعل ترامب يهدد باستخدام آلية "سناباك" لإعادة فرض جميع العقوبات الأممية على إيران.

 

ثم تلقت إدارة ترامب ضربة جديدة، بعدما أعلنت كل من بريطانيا وإلمانيا وفرنسا رفضهم إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، وفي بيان مشترك اعتبرت كل فرنسا وألمانيا وبريطانيا "أن الولايات المتحدة لم تَعد مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحابها من الاتفاقية" في "2018 وبالتالي لا يمكنها "أن تدعم هذه المبادرة التي تتعارض مع جهودنا الحالية الرامية لدعم خطة العمل الشاملة المشتركة". الأمر الذي  جعل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يعتبر أن "الحلفاء  الأوروبيين يختارون الانحياز إلى آيات الله الايرانيين".

 

كل هذه الأمور وغيرها، تشي بأن ترامب قد أدخل الولايات المتحدة في عزلة عن حلفائها، وجعل الحلفاء يتمردون على القيادة الأميركية للعالم التي يجدون أنها تتعسف في استخدام القوة، والتي باتت تضرّ بالاوروبيين كما تضرّ بسواهم من دول العالم.

 

وعليه، يبدو أن الانتخابات الأميركية القادمة، لن تكون فقط عنوانًا للتغيير في داخل أميركا، ولكنها ستضع القيادة الأميركية للعالم الغربي على المحك. إن عودة ترامب ستعني مزيدًا من التوتر العالمي ومزيدًا من الابتعاد الغربي عن السير خلف القيادة الأميركية. بينما فوز جو بايدن الذي يتوقع أن يطبّق نموذجًا تقليديًا للسياسة الأميركية الخارجية، حيث التعاون مع الشركاء والحلفاء لقيادة العالم، ولمحاولة نشر القيم الليبرالية عبر قيم التعاون وتشجيع التجارة الحرّة والابتعاد عن الحمائية، ومواجهة المعارضين والمنافسين من دول العالم عبر القوة الناعمة والثورات الملونة والابتعاد عن القوة العسكرية والحروب التجارية ما أمكن.

2020/08/18

كيف يستفيد لبنان من تجربة بيلاروسيا؟

 

 

كما العديد من دول وسط وشرق أوروبا، وبسبب لعنة الجغرافيا والتاريخ المليء بالحروب والتنازع والصراع بين الامبراطوريات الكبرى، تجد بيلاورسيا نفسها اليوم كدولة - حاجز بين كل من روسيا والغرب.

 

منذ القدم، وفي ظل التنافس العالمي والاقليمي، تشكّل المساحات الجغرافية بين دولتين أو محورين متصارعين، مساحة إضافية للتنافس عبر السيطرة على المساحات الجغرافية واختراقها. ولعل التطور في أنماط الحروب، جعل الاحتلال العسكري لتلك المناطق أقل قابلية، مع اعتماد وسائل أخرى مختلفة منها الثورات الملونة للإطاحة بالحكام وإحلال النفوذ السياسي من خلال تغيير الطبقة السياسية الحاكمة.

 

وهكذا، يتأثر الفضاء الجغرافي بقوة بهذا التنازع، فعدم سيطرة أي قوة على هذا الفضاء أو العداء مع القوتين المتنازعتين، وبقائه بدون حماية، يجعل تلك المنطقة تدخل في "فراغ استراتيجي" ما يفاقم الصراع عليها، وتكون أكثر عرضة للتدخلات الخارجية في شؤونها.

 

وهكذا، يمكّن أن نعرّف الدولة الحاجز، بأنها دولة ضعيفة في نظام اقليمي محكوم بصراع تنافسي شديد بين قوتين اقليميتين، وتكون عرضة للتجاذب بينهما بسبب موقعها الاقليمي، والعامل الاهم الذي يحفظ لها استقرارها هو الاستتباع لدولة منهما، أو التوازن الاقليمي بينهما.

 

وبالعودة الى بيلاروسيا التي تشهد اليوم كما أوكرانيا عام 2014، ثورة شبابية ملونة، تهدف الى تغيير سياسي داخلي، تخفي في طياتها صراع نفوذ بين الغرب وروسيا على تلك الدول.

 

شهدت العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا علاقات جيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، خاصة بعد وصول لوكاشينكو الى السلطة عام 1994. وقد وقع البلدان معاهدة "اتحاد" عام 1999، تنص على توحيد السياسات الخارجية والامنية والدفاعية والمالية الخ على ان تحتفظ كل منهما بسيادتها ووحدة أراضيها وأجهزة دولتها ودستورها وعلمها وشعارها..

 

وبعد مجيء فلاديمير بوتين الى السلطة في روسيا، اقترح على بيلاروسيا الانضمام الى الاتحاد الروسي، الأمر الذي رفضه لوكاشينكو، وبالرغم من الترغيب الروسي بقي الحال على ما هو عليه. وبعد أزمة أوكرانيا عام 2014، شعر لوكاشينكو بالتهديد، كما معظم دول شرق ووسط أوروبا التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي سابقًا، فعمل على محاولة اتخاذ سياسات قومية وتشجيع الابتعاد عن الهوية الروسية لصالح الهوية القومية البيلاروسية، ما أدى الى تأزم العلاقات بينهما، لكن سرعان ما عادت الى طبيعتها عام 2017.

 

ويبدو ان الخيارات التي اتخذها لوكاشينكو ابتداءً من عام 2019 ولغاية اليوم ساهمت في تعميق الخلاف بين بيلاروسيا وموسكو، خاصة بعد اعلانه إن بلاده "تتوق إلى إقامة علاقات أفضل مع حلف شمال الأطلسي"،  وأنه "يتعين على بيلاروسيا تغيير اتجاهها طوال الوقت، لأنها تقع في وسط أوروبا".

 

تمّ تتويج هذه الانعطافة للوكاشينكو، بلقاء مع جون بولتون عام 2019 ثم بزيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى مينسك في شباط 2020 وتمّ الاتفاق على شراء الطاقة من الاميركيين.

 

وهكذا، يبدو أن لوكاشينكو لم يتعظ من دروس كل من جورجيا (2008) واوكرانيا (2014) وتغاضى عن كل دروس التاريخ والجغرافيا، وساهم بإدخال بلاده في دائرة "الفراغ الاستراتيجي"، الأمر الذي فاقم النزاع والتنافس بين كل من أوروبا وروسيا على بيلاروسيا. علمًا أنه من الصعب جدًا تخلّي روسيا عن بيلاروسيا والسماح بتوجه قادتها نحو الغرب، لأسباب عدّة منها الأمن القومي الروسي نفسه، ومنها تجديد الاتفاقية الأمنية (التي تنتهي صلاحيتها عام 2021) والتي تسمح للقواعد العسكرية الروسية بالتواجد في بيلاروسيا.

 

أما لبنانيًا، وبالرغم من عدم التشابه بين حالة لبنان وحالة دول وسط وشرق أوروبا من ناحية التنافس بين الروس والغرب، إلا أن لبنان كدولة حاجز، يمكن أن يتعظ من تجارب الدول الأخرى المصنّفة في هذا الإطار، وهذا يعني أن أمامه أحد الخيارات التالية في سياسته الخارجية:

 

- أما التحوّل الى دولة تدور كليًا في فلك أحد المحاور المتصارعة وهذا صعب جدًا وسيسبب صراعًا كبيرًا وقد يؤدي الى حرب أهلية؛

 

- اعتماد "الحياد"، وهو أمر صعب جدًا أيضًا، لأن الحياد يفترض أن تكون الدولة قوية عسكريًا لتفرض على الآخرين احترام حيادها، وأن تعترف الدول المتصارعة بهذا الحياد ( وهو أمر أساسي)، وهذا يعني أن الدول المتصارعة يجب أن تستفيد من ذلك الحياد، اي أنه يحقق لها مصالحها، وهو أمر يدفعنا الى الخيار الثالث أي توازن القوى مع الحفاظ على السيادة اللبنانية.

 

وهكذا، يبدو أن لبنان محكوم بخيار سياسة "توازن القوى"، أي توازن النفوذ بين محورين، بحيث تحفظ مصالح كل منهما، وهما بالأساس يتمتعان بنفوذ وحلفاء في الداخل اللبناني، وبسبب التنوع الثقافي اللبناني والذي يجعل من الصعب-  بحسب التجارب اللبنانية-  السير فيه بصيغة غالب ومغلوب.

 

2020/08/10

لبنان.. تحقيق دولي أو تحقيق مدوّل؟

 

مباشرة بعد الانفجار - الكارثة التي ضربت بيروت، تعالت الأصوات السياسية الداخلية التي تشكك مسبقًا في نزاهة التحقيقات التي ستجريها الدولة اللبنانية، وتطالب بتحقيق دولي معتبرة أن هناك ما ستحاول الدولة أن تخفيه وبالتالي يجب أن يتم تدويل القضية وتحويلها الى الخارج.

 

ويعيدنا هذا الأمر الى سيناريو لبناني سابق تمّت تجربته عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث طالب جزء من الطبقة السياسية بتحقيق دولي متهمين السلطات اللبنانية والأجهزة الأمنية اللبنانية بالتواطؤ مع السوريين في اغتيال الحريري.

 

واقعيًا، وإن لم نكن نريد أن نستعيد كل تجارب تسييس التحقيقات الدولية التي خاضتها دول عديدة، ومنها تجربة العراق والتفتيش المزعوم عن أسلحة الدمار الشامل، يمكن لنا أن نستفيد من تجربة لبنان الخاصة في التحقيق الدولي وفي مسار العدالة المتأخرة والمسيّسة في المحكمة الخاصة بلبنان، ونذكر بعض الدلائل للعبرة:

 

مباشرة بعد اغتيال الحريري، شكّلت الأمم المتحدة اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، وعيّنت المحقق الإلماني ديتليف ميليس على رأسها، بالرغم من أن ميليس كان متهمًا بالفساد القضائي في إلمانيا، وأنه فبرك الاتهامات في قضية الملهى الليلي في ألمانيا ضد ليبيا .

 

ثم ما إن جاء ميليس الى بيروت، حتى فاحت رائحة الفساد الدولي مع المسؤولين اللبنانيين، وتمّ الكشف عن العديد من خيوطه؛ منها قضية الشهود الزور والتي أدّت الى توقيف الضباط الأربعة ظلمًا. وقد اعترف الشاهد السوري زهير الصديق، الذي تمّ اعتقاله في فرنسا، أنه تلقى أموالاً طائلة لتوريط مسؤولين لبنانيين وسوريين في شهادته الكاذبة، الأمر الذي جعل ميليس يبدل في تقريره المقدم الى الأمم المتحدة، بعدما جرى توزيعه بالفعل، ما سبب فضيحة في أروقة الأمم المتحدة، استقال على أثرها ميليس.

 

 

والفضيحة الثانية والأكبر، كانت في اعتراف شاهد الزور هسام هسام، والذي قال أن مسؤولين لبنانيين- من بينهم سعد الحريري- أجبروه على الشهادة زورًا أمام التحقيق الدولي لاتهام مسؤولين لبنانيين وسوريين. هذا ناهيك عن الشاهد بن عودة، الذي تبين أنه متورط مع الموساد الاسرائيلي وان تقرير ميليس كان قد استند الى شهادته...

 

هذا نموذج متواضع عن نزاهة التحقيق الدولي المطلوب، والذي لن تكفيه مجلدات لو أردنا أن نعدد كل ارتكاباته والتسييس في التحقيق الذي سبق إنشاء المحكمة والذي تلاه بعد تأسيسها، والذي يصرّ نفس السياسيين اللبنانيين على استجلابه الى لبنان مجددًا.

 

بكل الأحوال يبقى أن هناك قلقًا شعبيًا لبنانيًا مشروعًا من أن يتعرقل التحقيق اللبناني وأن يكون هناك تعمية على مرتكبين وفاسدين، أو أن تتدخل الوساطات السياسية أو الدينية للتغطية على المرتكبين أو المتورطين بالفساد أو بالاهمال أو غيره.. وعليه، يجب أن يكون الحلّ، بتحقيق لبناني مدوّل، أي تحقيق يحفظ السيادة اللبنانية، على أن يستعين بخبرات ومحققين دوليين، خاصة من الدول المتضررة والراغبة بالمشاركة في التحقيق بسبب مقتل مواطنيها أو تعرضهم للايذاء في انفجار بيروت.

 

دوليًا، درجت العادة أن تسمح الدول لمحققين من دول أجنبية في المساهمة في تحقيقات داخلية، في حال تعرّض مواطنو تلك الدول للأذى داخل أراضيها. وبالرغم من هذا يبقى ضمن العرف الدولي، ولا شيء يجبر تلك الدول على القبول بمشاركة أجانب في تحقيقات داخلية، إلا أن الموضوع يتعلق بالشفافية وبمحاولة السلطات المحلية رفع مسؤوليتها عن التسبب بالأذى، وحفظ حق الضحايا في التعويضات المستحقة لهم.

 

في المحصلة، يكفي لبنان ما سببته التحقيقات الدولية في اغتيال الحريري، من عدم استقرار سياسي وأمني، ومن استغلال دولي لتوجيه الاتهامات الجنائية بحسب المصالح الدولية. فليقم اللبنانيون بالحفاظ على سيادتهم واستقرارهم، ويقيموا تحقيقهم المحلي المطعّم بخبرات دولية، على أمل أن تتحقق العدالة والانصاف للضحايا، بعيدًأ عن الفساد والاستغلال السياسي الرخيص. 

2020/08/03

أعداء لبنان الحقيقيين- المخفيين

 

 شكّلت مناسبة الأول من آب هذا العام، الذكرى الخامسة والسبعون لتأسيس الجيش اللبناني، والتي تزامنت مع حجر صحي قسري فرضته ظروف جائحة كورونا، والتي منعت الاحتفال بتخريج ضباط المدرسة الحربية كما جرت العادة كل عام.

 

ولقد ألقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة متلفزة، خاطب فيها الضباط المتخرجين، وحدد فيها أعداء لبنان؛ معتبرًا أن لبنان يشهد - بالاضافة الى العدو الاسرائيلي والعدو الارهابي التكفيري - أعداء آخرون حددهم الرئيس بما يلي:

 

- العدو الأول للبنان هو الفساد المستشري في المؤسسات وفي الكثير من النفوس، وهو يقاوم بشراسة ولكن الخطوات نحو استئصاله تسير وإن يكن ببطء ولكن بثبات.

 

- العدو الثاني للبنان هو كل من يتلاعب بلقمة عيش المواطنين ليراكم الأرباح.

 

- العدو الثالث للبنان هو من ساهم ويساهم بضرب عملتنا الوطنية ليكدّس الأموال.

 

- العدو الرابع للبنان هو كل من يطلق الشائعات لنشر اليأس وروح الاستسلام، وأيضاً من يجول دول العالم محرضاً ضد وطنه وأهله وناسه ومحاولاً حجب أي مساعدة عنهم.

 

 

 

وقد يكون الرئيس قد حدد بالفعل الأعداء الداخليين للبنان، والذي يحتاج اللبنانيون الى وعي كامل لمحاربتهم ومكافحتهم، ويبقى هناك أعداء داخليين آخرين قد يكون من المفيد الإضاءة على هوايتهم وخطورتهم:

 

 

 

- العدو الخامس هو كل قاضٍ يضع ملفات الفساد في الأدراج خوفًا من زعيم سياسي، أو طمعاً بمنصب، أو مساهمة منه في الفساد والإفساد والزبائنية السياسية.

 

- العدو السادس هو كل موظف إداري أو أمني يعتقد أن الدولة "غنيمة" وإن عليه أن يغنمها قبل أن يغنمها سواه.

 

- العدو السابع هو كل اعلامي يبيع قلمه ورأيه ووطنه مقابل حفنة من المال أو شقة فاخرة ثم يتحفنا بمطولات عن مكافحة الفساد وأصول الحكم الرشيد.

 

- العدو الثامن هو كل مواطن يتنطح على  التواصل الاجتماعي منتقدًا الفساد في الدولة ومطالباً باجتثاثه، لكنه لا يتوانى عن "التعليق" على خط الكهرباء، أو سرقة المياه، أو بناء بيته على أملاك الدولة، أو طلب "خدمة خارجة عن القانون".

 

- العدو التاسع هو المواطن الذي باع صوته في الانتخابات أما نقدًا أو بتذكرة طائرة أو مقابل خدمة أو وظيفة، ثم راح يتباكى على وسائل التواصل الاجتماعي معتبرًا الطبقة السياسية لا تمثله.

 

 

 

هذه لائحة أعداء لبنان المخفيين؛ مواطنون لا سياسيون، وقد تتطور لتطال آخرين ممن يمارسون سياسة دفن الرؤوس في الرمال في أي معركة وجودية يخوضها الوطن.

 

ويبقى أن نذكر أن العدو الداخلي الحقيقي والأكثر خطورة من كل هؤلاء والذي يعيق بناء الدولة في لبنان هو "الأنا المنتفخة" لدى الوزراء والنواب والسياسيين، والذين تتحول الخدمة العامة بالنسبة لهم، مناسبة للشهرة والكسب غير المشروع واستخدام النفوذ وتطويع "الزلم"، والأهم "تربيح الجميلة" للمواطنين بأنهم "يعملون".