في زيارة هي الأولى التي يجريها مسؤول أجنبي رفيع منذ
أشهر إلى لبنان، أتى وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ووجّه رسائل متعددة الاتجاهات،
ولعل أهمها هي التي دأب على تكرارها بعد كل لقاء، ومفادها "فرنسا مستعدة للتحرك
بشكل كامل وأن تحشد كافة شركائها لمساعدة لبنان لكن يجب تنفيذ إجراءات تصحيح جدية وذات
مصداقية".
هذه الرسالة الجديّة، والحاجة اللبنانية للدعم الخارجي
تفترض على اللبنانيين وعلى الحكومة اللبنانية بالتحديد، أخذ الرسالة على محمل الجدّ،
والاستفادة من هذه الضغوط الخارجية لتحقيق ما يلي:
أولاً- استغلال الفرصة لتحقيق إصلاح جدّي وحقيقي، والمواجهة
في السير بالمشاريع الاصلاحية مهما كان حجم الضغوط الداخلية ومهما كبر حجم الاعتراض
الداخلي على الاصلاح الجدّي والحقيقي والذي بات من المعروف والواضح ان هناك قوى عديدة
في الداخل لا تريده وتريد أن تتهرب منه، وهي نفسها كانت دائمًا قادرة في السابق على
تعطيل أي مبادرات إصلاحية.
ثانيًا- يمكن للحكومة الاستفادة والسير بمشاريع خطة الكهرباء
وبناء معامل تؤمّن الكهرباء للبنانيين وتمنع مافيات المازوت والمولدات وداعميهم من
السياسيين من خنق اللبنانيين ومنع السير بخطة الكهرباء المعطّلة منذ عام 2010، خاصة
وأن هناك اصرارًا خارجيًا على القيام بخطوات اصلاحية في موضوع الكهرباء الذي يستنزف
الخزينة اللبنانية.
ثالثًا- يجب على الحكومة اللبنانية استغلال الوضع الطارئ
والضغط الخارجي عليها للقيام بإصلاحات جدية، لتتخذ قرارات جريئة بخصوص الخطة الحكومية
وتحديد الخسائر وكيفية تعويضها في مفاوضاتها مع المصارف.
إن قيام رأس الدولة العميقة (البنوك) بمحاولة السطو على
أموال اللبنانيين مرة أخرى لا يجب أن يمر، ولا يجب أن تكون أملاك الدولة وعقاراتها
بندًا مقبولاً في التفاوض بين الحكومة والمصارف بأي شكل من الأشكال.
لقد استفادت المصارف طويلاً من الهندسات المالية والأموال
التي منحها إياها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ومن الفوائد والعائدات المرتفعة
جدًا لسندات الخزينة، وسطت على أموال المودعين وحجزتها لديها، والآن تحاول ان تسطو
على عقارات الدولة اللبنانية والارباح الناتجة عنها، ويجري الحديث عن اتعويض خسائر
البنوك عبر امتلاك الواجهة البحرية والمرفأ وعائداتهما.
ولعل المثال الأوضح لإنكشاف البنوك وحاكم المصرف المركزي
هو التقارير المسربة عن شركات التدقيق العالمية التي تعمل في مصرف لبنان، والتي تُظهر
أن سلامة ومنذ عام 2009 كان يقوم بألاعيب مالية تستفيد منها المصارف على حساب الدولة
اللبنانية، وانه في العام 2017 قام بإقراض الاموال لبعض المؤسسات بفائدة 2 بالمئة ليعودوا
ويقرضوها للمصرف المركزي بفوائد أعلى بكثر!.
بالمحصلة، هناك دعم وضغوط خارجية على الحكومة اللبنانية
للقيام بالاصلاحات المطلوبة، انطلاقًا من مقولة لورديان نفسه "ساعدوا أنفسكم لنساعدكم"،
أما التشاطر الذي تمارسه بعض القوى السياسية والبنوك على الحكومة اللبنانية لمنع الاصلاح
ولتكبيد المواطن اللبناني ثمن الفساد والسرقة مرة تلو المرة فلا يجب أن يمر بأي شكل
من الأشكال.
على الحكومة اللبنانية أن تستفيد من الضغوط الخارجية
ومن حاجة لبنان الماسّة للدعم الخارجي، وأن تبادر وتهاجم بدل ان تبقى في موقع الدفاع
ورد الفعل، فإما أن تبادر في هذه الفرصة السانحة، وإلا خسرت وخسر معها اللبنانيون معركة
الاصلاح ومكافحة الفساد للأبد.