لقد أضاءت حركات الاحتجاج ضد العنصرية في الولايات المتحدة
الأميركية على الكثير من التاريخ المسكوت عنه في الغرب، والتي تبدأ بالعنصرية في أميركا
وتمتد الى القضاء على السكان الأصليين، لتصل الى تزوير وتجميل سيرة القادة الغربيين
وخاصة قادة الحربين العالميتين الاولى والثانية.
عادةً ما تركّز الكتب التاريخية حول الحرب العالمية الثانية،
على المجازر التي قام بها هتلر، وعلى تاريخ ستالين "الدموي"، على السياسات
الفاشية لموسوليني وغيرهم... وبينما تتحدث بتعظيم عن القادة الغربيين، وتشير
"بحيادية" الى ما قام به الأميركيون من رمي لقنابل ذريّة على اليابان وقتل
الملايين، وكأنها خبر حربي عادي.
ولا شكّ أن معظم طلاب العلاقات الدولية، ودراسي التاريخ
والقانون الدولي، يعرفون الرئيس الأميركي ويدرو ويلسون، والمبادئ 14 التي أعلنها عقب
انتهاء الحرب العالمية الأولى.
كان ويلسون صاحب نظرية "حق الشعوب في تقرير مصيرها"
ونادى بحق الأقليات والشعوب التي كانت تحت الاستعمار، لحكم نفسها ولتقرير مصيرها بنفسها.
وفي الخطاب الذي ألقاه ويلسون أمام الكونغرس الأميركي
في 8 كانون الثاني / يناير 1918، تحدث ويلسون بمثالية مفرطة عما اعتبره أسبابًا للحرب،
فدعا الى إلغاء المعاهدات السرية، والحدّ من التسلّح، وتحجيم المطالبات الاستعمارية
لصالح الشعوب الأصلية، وإزالة الحواجز الاقتصادية بين الدول، وحق تقرير المصير للأقليات، بالإضافة الى إقامة منظمة عالمية تضمن الاستقلال
السياسي والسلامة الإقليمية للدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء.
لقد ألهم هذا الخطاب، أصحاب الطروحات المثالية في العلاقات
الدولية، لكن ما لم تكتبه كتب التاريخ هو أن ويلسون نفسه هو من أكثر الرؤساء الأميركيين
عنصرية ضد السود داخل بلاده.
كانت العنصرية متجذرة في فكر ويلسون القادم من الجنوب،
ففي كتبه الأكاديمية التي كتبها قبل وصوله الى البيت الابيض، تعاطف ويلسون ع حركة
"ك ك ك" العنصرية، وتحدث عن "القضية المفقودة"، معيدًا توصيف الحرب
الأهلية بأن "الولايات الجنوبية لم تكن انفصالية يحكمها متعصبون بيض (كما يتمّ
الترويج له)، بل هم مجموعة من المزارعين كانوا يحاولون الحفاظ على أسلوب حياة زراعي
لائق بوجه الصناعيين في الشمال".
وبوصول ويلسون الى البيت الأبيض وإدارته التي احتوت الكثير
من الجنوبيين العنصريين، حُرم السود من كثير من الانجازات التي حققوها سابقًا، ومنها
التوظيف الحكومي، وبدءًا بالعام 1914، أخذت الحكومة الفيدرالية تطلب صورة مرفقة مع
طلب التوظيف لإستثناء السود.
لقد كرّس ويلسون - الرئيس الفصل العنصري بين البيض والسود
داخل المؤسسات الفيدرالية، وطرد 15 من 17 موظفًا أسود في المؤسسات الفيدرالية واستبدلهم
برجال بيض.
وامتدت عنصرية ويلسون الى السياسة الخارجية، فنقض العرف
الأميركي السائد بتعيين سفراء من البشرة السوداء الى كل من هايتي وجمهورية الدومينكان،
كما أسقط - في مؤتمر فرساي عام 1919 - مشروع قرار ياباني للدعوة الى اتفاقية دولية
لتكريس مبدأ "المساواة العرقية".
ودافع ويلسون عن الفصل العنصري الذي طبقته إدارته، بطرد
الوفد الذي تقدم له بعريضة وشكوى ضد سياسة الفصل، والذي ترأسه زعيم حملة الحقوق المدنية
وليم تروتر، معتبرًا (ويلسون) أن "الفصل ليس إهانة ولكنه فائدة، ويجب أن تنظر
إليه كذلك".
إذًا، لقد أظهرت الحقائق إن ويلسون ملهم المثالية الليبرالية
في العالم، هو مجرد حاكم عنصري آخر داخل الولايات المتحدة الأميركية!.. وبالفعل، تحفل
كتب التاريخ والعلاقات الدولية بالكثير من قصص الحروب والقادة، والتي كتبت بمعظمها
من قبل المنتصرين في تلك الحروب.
وهكذا، يصح القول دائمًا، بأن المنتصر يكتب التاريخ،
ويسنّ القانون، ويقيم المحاكمات للمهزومين، ويدّعي التفوق الأخلاقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق