في خطابه الأخير، دعا السيد حسن نصرالله اللبنانيين الى
مواجهة العقوبات الأميركية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على لبنان، عبر
تنويع خياراتهم الاقتصادية والتوجه نحو كل الدول الصديقة التي يمكن أن تساعد لبنان،
عبر اعتماد العملات المحلية أو عبر خيار التبادلية، أو سواها من الخيارات، كما دعا
الى التعاون مع الصين وايران وسواها.
وبالرغم من ردّ السفارة الصينية الترحيبي عبر بيان رسمي،
وإعلانها اهتمام الشركات الصينية بحث " فرص التعاون في البنية التحتية والمجالات
الأخرى في لبنان"، إلا أن العديد من السياسيين والصحفيين اللبنانيين شككوا بالموضوع
معتبرين أن الصين لن تدخل في اشتباك مع الولايات المتحدة من أجل لبنان، وهو ما تثبت
الوقائع عدم صحته.
بالمبدأ، وقبل جائحة كورونا، كانت الصين دائمًا تعتمد
في سياساتها الخارجية على براغماتية شديدة مستمدة من وزير خارجية الصين الشيوعي الأول
"تشو إن لاي" الذي دعا إلى تكوين أكبر عدد ممكن من الأصدقاء للبلاد وتجنب
صنع الأعداء. ولقد استُكملت هذه السياسة خلال
عهد "الاصلاح" أي فترة "دنغ شياو بينغ" والتي تختصر بعبارته
"تحفيز وقتنا ورعاية قوتنا" أي القيام بما يجعل الصين تحافظ على مكانة دولية
منخفضة من أجل التركيز على النمو الاقتصادي.
وبالفعل، ومنذ أعلن الصينيون عن مبادرة طريق الحرير الجديد،
اعتمدوا في مقارباتهم الاستثمارية الخارجية في البلدان الأخرى، على معايير ثلاث: دراسة
الجدوى، الاستقرار الأمني، والاستقرار السياسي الذي يسمح باستثمارات طويلة الأجل بدون
أن يظهر معارضون سياسيون في الدولة ويعيدون
النظر بالاتفاقيات الجارية.
وعلى هذا الأساس، رُسمت خرائط طريق الحرير مرارًا وتنوعت
وتبدلت بحسب المعايير الثلاث الآنفة الذكر.
وبالفعل، حاول الصينيون تجنّب استفزاز الولايات المتحدة وتحدّيها بشكل صارخ، وحاذروا الدخول الى الساحات
التي اعتبروا ان "الأميركيين مستعدين للقتال" فيها.
لكن، وبسبب أهمية الصراع الدائر مع الولايات المتحدة
وتأثيره على قدرة الصين على كسب الوقت لزيادة قوتها الاقتصادية، قامت الصين - في السنوات
السابقة- بمساعدة الاقتصادين الروسي والايراني.
ففي العام 2014، وبعد إعلان الاميركيين والاوروبيين العقوبات
على روسيا بسبب ضمّها للقرم، أعلنت الصين عن استثمارات هائلة في قطاع النفط الروسي
والبنى التحتية تصل الى مئات مليارات الدولارات. وفي العام 2019، وبعد أزمة كبرى عاناها
الاقتصاد الايراني نتيجة العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد خروجه
من الاتفاق النووي الايراني، تمّ الاعلان عن أن الصين تعتزم استثمار 280 مليار دولار
في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، وهي القطاعات الأكثر تضررًا جراء
العقوبات الأميركية.
ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربًا اقتصادية
على الصين، وقيامه بتحميل الصين المسؤولية الكاملة عن انتشار فيروس كورونا، وحديثه
عن تحميلها المسؤولية وفرض عقوبات بمثابة تعويضات، وانتشار مشاعر "الصينوفوبيا"
في الولايات المتحدة بنتيجة التحريض والشعبوية.... كان لا بد للصينيين من الخروج من
دائرة " الدبلوماسية المنخفضة" والهروب من المشاكل الى المواجهة المباشرة.
وهكذا، بدأت الحروب الكلامية والبيانات التصعيدية من
الدبلوماسيين الصينيين بعد تعليمات أصدرها الرئيس شي جين بينغ في مذكرة الى الدبلوماسيين
دعا فيها إلى إظهار المزيد من "الروح القتالية". كما تخلى الصينيون عن الصبر
الذي استخدموه في التعامل مع الاحتجاجات في هونغ كونغ، فأعلنوا عن مشروع القانون الأمني
الجديد الذي "يشمل إنشاء مكتب جديد للأمن القومي خاص بهونغ كونغ لجمع معلومات
المخابرات والتعامل مع الجرائم التي تمس الأمن القومي" والذي أثار حفيظة كل من
الولايات المتحدة والغرب.
وهكذا، فرضت الظروف الدولية المستجدة على الصينيين تبديل
الآليات التي يستخدمونها في سياساتهم الخارحية، وهي تنطلق من شعار الزعيم المؤسس ماو
تسي تونغ "لن نهاجِم ما لم نهاجَم.. لكن إذا تعرضنا لهجوم، فسنقوم بالتأكيد بهجوم
ساحق". وعليه، على اللبنانيين التحلي بالشجاعة، وعدم الاتكال على طرف واحد لمساعدة
لبنان، بل تنويع خياراتهم والاستفادة من أي ظرف مؤاتٍ سواء كان رغبة صينية في المساعدة،
أو إحراج يعانيه ترامب في الداخل أو سواها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق