يعيش اللبنانيون على وقع الانهيار الحاصل اقتصاديًا وماليًا،
وحجز أموالهم في البنوك، وارتفاع مخيف في أسعار السلع الغذائية، ما ينبئ بكارثة على
الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ويرجح أن تؤدي الى مظاهرات متجددة من الممكن أن تحشد
أكثر بكثير من الحشود التي نزلت الى الساحات في 17 تشرين الاول 2019.
ومع هذه المقاربة السوداوية للوضع اللبناني، يمكن أن
نجد بصيص أمل سياسي اقتصادي، إذا استطاع اللبنانيون تحويل التهديد الى فرصة، وفيما
لو أرادوا التفكير جديًا بحلول عملية خارج إطار "الندب" الحاصل وتبادل الاتهامات
بين أركان الطبقة السياسية، وهنا بعض الاقتراحات على سبيل المثال لا الحصر:
-
تغيير الذهنية الاقتصادية التي تشجع الاستيراد على حساب الانتاج:
ان ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي
مقابل الليرة، وحجز العملات الصعبة في البنوك، يجب أن تشجع الزراعات والصناعات المحلية،
وتطيح بالفلسفة الاقتصادية التي أرساها رفيق الحريري في التسعينات من القرن الماضي،
حين قضى على الصناعات اللبنانية بحجة فتح الحدود وتخفيض الجمارك والوصفات الرأسمالية
المتوحشة، في بلد غير مؤهل للمنافسة العالمية.
ويمكن أن نستذكر، في هذا الإطار، حوار جرى بين المطران
الراعي، والرئيس رفيق الحريري في 23 تشرين الأول 1997، أورده النائب السابق نجاح واكيم
في كتابه "الأيادي السود". ويورد واكيم أن الراعي أتى شاكيًا للحريري أن
السنيورة ودمرجيان يستوردان حديد غير مطابق للمواصفات من أوكرانيا، ويعرضونه في السوق
بسعر أقل بكثير من "كلفة" تصنيع الحديد في لبنان. وان معمل الحديد في عمشيت
(الأول في الشرق الأوسط) قد قلّص عماله من 1500 عامل الى 250، وسيفلس في حال استمر
الوضع على ما هو عليه... وبالفعل هذا ما حصل.
نعيد التذكير بهذه القصة، لأن قصصًا عديدة مشابهة حصلت،
في قطاعات الألبسة والتصنيع الغذائي والسجاد وغيره، إذ باتت كلفة التصنيع في لبنان
تفوق بأضعاف سعر القطع المستوردة، مما اضطر كثير من الصناعيين اللبنانيين الى الاقفال
والاكتفاء بالاستيراد.
-
أما بالنسبة للزراعة، فقد تدفع هذه الأزمة الى تشجيع الزراعة اللبنانية بشكل كبير،
ليس للتجارة فحسب بل للاستهلاك الشخصي للعائلات أيضًا.
خلال الحرب، كان اللبنانيون يزرعون حول بيوتهم، ورويدًا
رويدًا بعد انتهاء الحرب بات الجميع يشتري الخضروات والبقول وتصحّرت الأراضي الريفية.
إن الأزمة الحالية وارتفاع الأسعار، يجب بالتالي أن تشجّع
أهالي القرى للعودة الى أراضيهم وزرعها، كما من المفترض أن تعيد الاعتبار للزراعات
الخفيفة حول المنازل، والتي كانت دائمًا تتقاسمها العائلة مع جيرانها بسبب وفرة المحصول.
-
أما على الصعيد السياسي، إن انهيار الوضع كليًا وعدم قدرة الطبقة السياسية الى الهروب
الى الامام والترقيع، يجب ان تدفع القضاء الى الاطلاع بدوره في محاسبة الفاسدين واستعادة
الأموال المنهوبة. الأمل كبير في حكومة من غير السياسيين، وفي دعم خارجي لهذه الحكومة
بعدما تمّ الاقتناع أن الاستمرار في الرهان على طبقة سياسية غارقة حتى أذنيها في الفساد
والسرقات لن تحقق للخارج مصالحه المفترضة في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق