أستبشر اللبنانيون بعض الخير بتخفيف إجراءات الحجر المنزلي،
وبإعلان وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي وبناءً على توصية مجلس الدفاع الأعلى وخلية
أزمة كورونا، على خطة مؤلفة من خمس مراحل تدريجية لفتح الأسواق والعودة الى العمل.
لكن، فرحة اللبنانيين بالعودة الجزئية الى العمل، رافقها عوامل قلق أكبر، متأتية مما
يلي:
1-
ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق بشكل جنوني، وارتفاع أسعار السلع والبضائع بشكل أكبر
من الزيادة التي فرضها الدولار.
ويقول أصحاب الإختصاص أن ارتفاع سعر الدولار في السوق
له أسباب سياسية بالاضافة الى سياسة مصرف لبنان، وتعاميم حاكم المصرف المركزي التي
قوننة وجود عدّة أسعار للصرف، بالاضافة الى التعاميم التي وجهها للمصارف، والتي ساهمت
في مزيد من تراجع وانهيار الليرة مقابل الدولار، وسمحت للبنوك بالقيام بـ«هيركات» للحسابات
الصغيرة والمتوسّطة والأجور التي يتقاضاها اللبنانيون بالدولار الأميركي.
وهكذا، يعيش اللبنانيون قلق تناقص مدخراتهم بالليرة اللبنانية،
والتضخم الحاصل والذي بات معه من الصعب القدرة على الاستمرار في شراء الأساسيات، فكيف
بالكماليات وأدوات الرفاهية؟
2-
الاشتباك السياسي الحاصل والذي ارتفعت حدّته بشكل كبير، بعد إعلان الحكومة اللبنانية
برئاسة حسان دياب تصميمها على المساءلة والمحاسبة، ودخول رجال الدين على خط هذا الاشتباك
الذي ينذر بمزيد من التشنج في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، في ظل قدرة السياسيين
على اجتذاب الفقراء وزجّهم في معاركهم السياسية مستغلين تردّي الاوضاع وعدم قدرة الحكومة
على إيجاد حلول عملية سريعة.
3-
القلق من توتر أمني كنتيجة للتوتر السياسي، وخوف اللبنانيين من أن تندفع الأحزاب السياسية
الى الشارع لتصفية حساباتها، وتكرار تجربة الحرب الاهلية، في ظل إشاعات ورسائل واتساب
تتحدث عن قطع طرقات واستنفار وغير ذلك.
وزاد من حدّة تلك الشائعات، أحاديث عن تدخل السفيرة الأميركية
في لبنان للحثّ على الفتنة، وأحاديث عن طلبات سعودية خليجية للبنانيين بـالسير بمشاريع
لقلب ميزان القوى السياسي وإخراج النفوذ الايراني من لبنان.
وفي هذا الإطار، وبالرغم من أنه لا أحد يستطيع أن ينفي
أو يؤكد تلك الاشاعات، إلا أنه من المفيد مقاربتها بطريقة واقعية:
أولاً، من الصعب بمكان حصول حرب أهلية جديدة في لبنان،
فموازين القوى الداخلية المختلة لا تسمح بذلك. منذ أيار 2008، بات من الصعب على أي
جهة خارجية أو داخلية أن تفكّر بقلب موازين القوى الداخلية بدون أن تستفيد من دروس
تلك التجربة. وعليه، لا عودة للحرب الأهلية في لبنان، ولو أن بعض الأحزاب القلقة من
مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة قد تفكر بافتعال بعض الاشكالات الأمنية.
ثانيًا، إن إتهام السفارة الأميركية أو الخليجيين أو
الايرانيين أو سواهم بالمشاكل اللبنانية الداخلية، هو تقليد لبناني قديم، مستمد من
مقولة "حرب الآخرين على أرضنا" التي استخدمت لتوصيف الحرب الأهلية.
الأكيد أن هناك تدخلات خارجية في لبنان، وفي كل الدول
المماثلة حجمًا وحضورًا، لكن استدعاء الخارج هو عادة لبنانية معروفة منذ قرون. كما
أنه من الأسهل للبنانيين، تحميل الخارج المسؤولية، والتحدث عن "قوة عظمى"
للإدعاء بعدم القدرة على إيجاد الحلول.
إن الفساد اللبناني والنهب المنظّم الذي قامت به ميليشيات
الحرب التي استلمت السلطة هو الذي أفقر لبنان، وإن زاد الأمر صعوبة في ظلّ ضغوط اقتصادية
أميركية.
لذا، فإن اتهام السفيرة الأميركية بإعطاء "أمر عمليات"
للأطراف اللبنانية، بغض النظر عن صحته، يحاول أن يخفي مسؤولية السياسيين اللبنانيين،
واستعدادهم لهدم الهيكل على من فيه تحقيقًا لمآرب شخصية ضيقة أو هربًا من المحاسبة.
كما إن اتهام الخارج بالتحريض على الفتنة، قد يخفي في طياته تنصلاً لبنانيًا من قبل
بعض الاطراف بالسير بمكافحة الفساد، وذلك درءًا للفتنة (بحسب هؤلاء).
إذًا، في المحصلة، يدفع اللبناني أثمانًا كبيرة من قوته
وقوت أولاده، ثمن اشتباك سياسي داخلي كبير، يترافق مع اشتباك سياسي اقليمي لا حلّ له
قبل الانتخابات الأميركية. فهل يأتي الانفجار فيأتي الانفراج، أم نبقى في مراوحة سياسية
واقتصادية قاتلة الى أن تنجلي نتائج المعركة الانتخابية الأميركية؟ هذا مرهون بقدرة
الشارع اللبناني على الصبر، والذي لا يبدو متوفرًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق