في سلسلة تغريدات لافتة ومستغربة، غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب داعيًا أنصاره الى "تحرير" بعض الولايات الأميركية (مينيسوتا، ميتشغن، فيرجينيا)، ومذكرًا بالتعديل الثاني للدستور الأميركي، والذي يقول " إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرّة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء الأسلحة وحملها".
وهذه التغريدات وتلك الاشارة الى التعديل الثاني، تفيد بأن ترامب يدعو أنصاره صراحة لحمل السلاح، بوجه السلطان المحلية التي تقوم بإغلاق الولايات الأميركية وفرض الحجر المنزلي بسبب تفشي فيروس كورونا.
فما الذي يجعل ترامب يبدو مذعورًا مهددًا بحمل السلاح في الداخل؟
إن التاريخ الأميركي يشير الى أن الاقتصاد كان دائمًا عاملاً أساسيًا وهامًا في خيارات الناخبين الأميركيين، ولقد ساهمت الأزمات الإقتصادية في الاطاحة بالعديد من الرؤساء المرشحين للانتخابات.
كما تشير الدراسات، أنه دائمًا ما توفرت حظوظ أكبر للرؤساء الأميركيين خلال سعيهم للتجديد لولاية ثانية، شذّ قليلون عن هذه القاعدة، منهم على سبيل المثال لا الحصر، جيمي كارتر وجورج بوش الأب.
بالنسبة لجيمي كارتر؛ لقد أدّت أزمة الرهائن الأميركيين في إيران بالاضافة الى تراجع الوضع الاقتصادي، الى خسارته معركة التجديد الرئاسية، بعدما اعتبر الاميركيون انه لم يكن فعالاً في إدارة أزمة الرهائن، وأن الاقتصاد يتجه من سيء الى أسوأ.
أما جورج بوش الأب، والذي كانت استطلاعات الرأي تعطيه تأييدًا غير مسبوق (89%) بعد حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)، لكن عدم وفائه بوعده بعدم زيادة الضرائب، وبالاخص الانكماش الذي عاناه الاقتصاد الأميركي، أديا الى تراجع شعبيته وخسارته الانتخابات أمام بيل كلينتون.
قبل كورونا، كانت المؤشرات الاقتصادية ممتازة وكان ترامب يتصور معركة سهلة أمام جو بايدن. أما اليوم، فيواجه ترامب بعدم الكفاءة في مواجهة الأزمة، بعدما استمر لمدة أسابيع يتعاطى مع الموضوع باستخفاف، ويعتبره "خدعة"، ويستشعر الخطر الذي سيتأتى من استمرار إقفال الأسواق وتصاعد أعداد العاطلين عن العمل نتيجة الحجر الصحي والتنبؤات الاقتصادية بركود اقتصادي لا مثيل له في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، بالاضافة الى انهيار أسعار النفط الخام الأميركي والتي تنذر بإفلاس شركات النفظ الصخري، وطرد الملايين من الموظفين.
وأمام هذه الخطر والقلق من عدم إمكانية الفوز بولاية ثانية، يعمد ترامب الى استراتيجية هجومية تتجلى في: تكثيف الظهور الاعلامي، وضع اسمه على الاموال التي سيتم منحها للمواطنين كمساعدات، دعوة الولايات لفتح الأسواق، بالاضافة الى إلقاء المسؤولية على الصين التي - برأيه- مارست الخديعة وتسترت على الاعداد وخطورة الفيروس، وعلى حكام الولايات الذين يتهمهم بالتقصير، وبأنهم يريدون إقفال ولاياتهم ومنع الناس من الذهاب الى إعمالها.
من غير الواضح - لغاية الآن- مدى قدرة هذه الاستراتيجية على قلب الأوضاع لمصلحته. ولكن، يبدو أن ترامب - وكما تدل شخصيته- مستعد للذهاب الى أبعد حدود في حال شعر بأنه سيخسر انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر 2020، وبالتالي من الممكن أن يذهب الى خيارات كبرى وخطيرة، أملاً في كسب المزيد من الأصوات مستندًا الى قاعدة شعبية معبأة ايديولوجيًا وغرائزيًا، منها على سبيل المثال:
- اتهام الصين باختراع الوباء وإرساله الى الولايات المتحدة عمدًا، وبالتالي المطالبة بتعويضات مالية كبرى، فيعمد الى فرض عقوبات على الصين أو حجز الاموال الصينية في الولايات المتحدة.
- التحريض على حمل السلاح في الداخل والتهديد بحرب أهلية في حال خسارته، وذلك باقناع ناخبيه ومؤيديه أن هناك "مؤامرة" ضده يتم تحضيرها من قبل الحزب الديمقراطي بالتعاون مع وسائل الاعلام والدولة العميقة.
- التحرش عسكريًا أما بالصين في بحر الصين الجنوبي، أو بايران في الشرق الأوسط. وبالرغم من أن الخيار العسكري هو مكلف بالتأكيد، وبالرغم من عدم اقتناع ترامب بالحروب العسكرية الكبرى، لكن هذا الخيار قد يستخدمه كملاذ أخير في حال شعر بانهيار حظوظه الرئاسية. ويمكن له بعد اتهام الصين بارسال الوباء الى أميركا والعالم، أن يتذرع بالدفاع عن النفس في تلك المواجهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق