كما كان متوقعًا، أعلنت الحكومة اللبنانية عن سلسلة اجراءات
للتصدي لوباء الكورونا الذي يجتاح العالم، وأهمها إعلان "التعبئة العامة"
التي تحدد بموجب المادة 2 من قانون الدفاع الوطني، التدابير اللازمة عند تعرّض البلاد
للخطر.
وفعليًا، راعت الحكومة في إعلان التعبئة العامة، الحالة
التي يعيشها اللبنانيون وقدرة الدولة وإمكانياتها، كما راعت التدرج في إصدار الإحكام
والإجراءات المفترض القيام بها لمواجهة تفشي الفيروس، بدون أن يكون هناك حالة تدفع
المواطن اللبناني الى الهلع والذعر الجماعي، الذي يضرّ أكثر مما يفيد في هذه الحالات.
وبالرغم من أن الدول تشهد عادة وحدة سياسية وإجتماعية
وتضامن وطني في ظل ظروف وأخطار مشابهة لما يعيشه لبنان اليوم في ظل الوباء، إلا أن
بعض السياسيين اللبنانيين أثبتوا أنهم لا يتمتعون بأدنى مقومات الحس الوطني والاخلاقي،
فاستمروا في سياسة رخيصة ودنيئة يحاولون استغلال قضية الكورونا لتسجيل نقاط سياسية،
في أبشع استغلال يمكن تصوّره لقلق المواطنين وصعوبة ما تمرّ به البلاد.
وكأنه لا يكفي اللبنانيين أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية
التي تفاقمت بعد أزمة 17 تشرين الأول، فأتت مصيبة الكورونا لتفاقم الأزمة . وفي هذه
الحالة، لا بد من طرح التساؤلات التالية:
-
ماذا لو استمعت الحكومة الى الأبواق التي طالبتها بدفع
سندات الخزينة للدائنين الأجانب، ومنهم حاكم المصرف المركزي وجمعية المصارف، والسياسيين
الذين يدورون في فلك 14 آذار؟ حينها كانت الحكومة قد أفرغت الخزينة مما تملكه من عملات
صعبة، ولم يكن بمقدروها أن تؤمّن المستلزمات الطبية لمواجهة الوباء. فهل يتحلى أحد
من هؤلاء بالشجاعة الأدبية والسياسية ليعتذر ويعترف بالخطأ؟
-
ماذا لو كان الحريري اليوم هو رئيس الحكومة اللبنانية،
وهو المكلف بإدارة أزمات خطيرة متتالية من هذا النوع؟ لقد شهد اللبنانيون والعالم كيف
تعامل الحريري مع أزمة 17 تشرين، حين تهرّب من المسؤولية، وكيف وكيف منع انعقاد مجلس
الدفاع الأعلى، وصولاً الى الاعتكاف وعدم دعوة الحكومة الى تحمّل مسؤوليتها ضمن تصريف
الأعمال، تاركًا كرة النار في يد رئيس الجمهورية، ومطلقًا التصاريح الفارغة التي تلقي
بالمسؤولية على الآخرين.
لقد أظهرت الأزمات المتوالية أن التمسك بالحريري كان
خطأ بحجم خيانة وطن، وإن المطالبين بعودته أو الذين يعتقدون بقدرته على قيادة السفينة
لا يعرفون شيئًا عن أهمية الشخصية القيادية في ظل ظروف مصيرية.
واقعيًا، لقد أثبت الرئيس حسان دياب وحكومته، مسؤولية
وطنية لم نشهدها في تاريخ لبنان الحديث. إن التناغم بين رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس
الحكومة والتعاون بينهما، يدفع الى الثقة والاطمئنان بأن هناك من يحرص على قيادة السفينة
الى برّ الأمان.
لكن أزمتي سندات الخزينة والكورونا، والحرب السياسية
الدائرة ضد الحكومة، تثبت أن الدولة العميقة بكل مقوماتها وأذرعها السياسية والإعلامية
والمجتمع المدني لن تتراجع، وإن الأخطبوط القاتل (الذي عاث فسادًا ونهبًا بالبلاد منذ
ثلاثين عامًا) سيبقى يقاتل للعودة الى السلطة من جديد. فإذا استطاع الانتصار، علينا
أن نوضب أغراضنا ونرحل، أما إذا استطاعت هذه الحكومة الصمود وتقطيع أوصاله، سيكون لنا
ولأولادنا مستقبل مشرق في هذا الوطن.
أمام هذه الحكومة، وأمام كل فرد منا، مسؤولية تاريخية،
فلنقاوم ونقاتل اليوم في معركة مزدوجة: ضد الوباء وضد الدولة العميقة. فلنقاتل بالوعي،
وبالقلم واللسان والقلب وبكل ما نملكه من أدوات قوة... لأجلنا، ولأجل أطفالنا، ولأجل
حقنا بمستقبل أفضل، ودولة ووطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق